وجهت د. زبيدة بوعياد، رئيسة الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، انتقادات لاذعة للعمل البرلماني، حيث تحدثت عن توافقات تتم خارج البرلمان، مما يؤدي إلى فقدان الحماس لدى البرلماني الذي يحس أن دوره شكلي، ويؤدي إلى فقدان المواطن للثقة في جدية ومصداقية عمل المؤسسة التشريعية. كما انتقدت عدم تفعيل مجموعة من القوانين حتى بعد إخراجها من البرلمان، بسبب عدم صدور المراسيم التطبيقية لها، والتي تبقى من اختصاص السلطة التنفيذية. وقالت إن مجهودات كبرى مطلوبة اليوم لتعزيز الدور الرقابي للبرلمان بما يعزز الديموقراطية ودولة المؤسسات ببلادنا.. أنت مستشارة برلمانية منذ 2003، كيف تنظرين لمهمة البرلماني في مغرب اليوم؟ لقد تصورت دائما، ومن خلال قناعاتي كمناضلة، أن العمل البرلماني واجهة نضالية لتصريف توجهات ومواقف حزبي. وبالتالي فقد اعتبرت أن البرلماني وفق هذا التصور هو مناضل قبل كل شيء، ومهمته الأولى هي استثمار موقعه لتعزيز المشروع المجتمعي الذي ينادي به الحزب. فقد حدد الدستور مهام البرلماني في التشريع وفي مراقبة عمل الحكومة، لكن واقع الممارسة يحتاج إلى إصلاح وإلى مجهود كبير لتأهيل البرلماني القادر على القيام بهذه المهام أولا، ولتمكين المؤسسة البرلمانية من الوسائل الكفيلة بجعلها قادرة على الاضطلاع بدورها ثانيا. فنحن نلاحظ أن أغلبية النصوص التشريعية تصدر عن الحكومة، وهذا له تفسيره القانوني والتقني، لكن ذلك لا يبرر الندرة والضحالة التي تطبع المبادرة التشريعية للبرلمان خاصة على مستوى اقتراحات القوانين. فإعطاء الانطباع أن المبادرة ليست في يد السلطة التشريعية، وتكريس هذا الانطباع بالممارسة حيث تتم توافقات في أحيان كثيرة خارج البرلمان... كل ذلك يؤدي إلى فقدان الحماس لدى البرلماني الذي يحس أن دوره شكلي، ويؤدي إلى فقدان المواطن للثقة في جدية ومصداقية عمل المؤسسة التشريعية. ومن جهة أخرى فإن مجموعة من القوانين حتى بعد إخراجها من البرلمان، لا يتم تفعيلها نظرا لعدم صدور المراسيم التطبيقية لها، والتي تبقى من اختصاص السلطة التنفيذية. وبالتالي البرلماني يحس أن التشريع يظل معلقا ما لم تبادر الحكومة إلى تنزيل المراسيم الخاصة. وعليه فإنني أرى أنه، وتطويرا للتوجه الديموقراطي ببلادنا، لابد من إشراك البرلماني أكثر على مستوى التفكير الاستراتيجي في التشريعات المؤطرة للحياة العامة ببلادنا، ولا بد من وضعه في صورة المراسيم التي تعتبر أساسية في تنفيذ القوانين، ثم لا بد من إعطائه الوسائل المساعدة على تقييم نتائج تطبيق القوانين وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أما على مستوى مراقبة العمل الحكومي، فإن الواقع العملي، يجعل البرلماني غير قادر على مسائلة الوزراء بدقة حول الملفات والقضايا المتعلقة بقطاعاتهم، وبالتالي فنحن نلاحظ أن الأجوبة تتميز بالعمومية، في حين أن التكرار هو الطاغي على جلسات الأسئلة، مما يفرض تقييما موضوعيا لمدى فعالية مسائلة الحكومة بهذه الصيغ التي أبانت بها التجربة عن الكثير من العيوب والمحدودية. نعم لقد قام البرلمان بدور مهم في السنوات الأخيرة على مستوى لجان تقصي الحقائق، ولجان الاستطلاع وما أعدته من تقارير مهمة أدت إلى إصلاحات في مؤسسات وطنية مهمة، وأحيلت على القضاء للنظر في الاختلالات والمسؤولين عنها... لكن، في نظري، فإن مجهودات كبرى مطلوبة اليوم لتعزيز الدور الرقابي للبرلمان بما يعزز الديموقراطية ودولة المؤسسات ببلادنا. فقد أصبحنا نلاحظ أن عدة مؤسسات ووكالات عمومية تنشأ وتدبر خارج أية مراقبة برلمانية، رغم أن الميزانيات المخصصة لها ضخمة. وتلك من الظواهر التي تجعل البرلماني يحس أن لا دور حقيقي له. إننا نتفهم أن الفعالية والحكامة في إنجاز مجموعة من المشاريع الضخمة وتدبير مجالات حساسة يفرض إحداث مؤسسات ووكالات تسهر على حسن سير وتدبير هذه المشاريع بما يقطع مع أخطاء وانفلاتات الماضي، لكن ذلك لا يمنعنا، من المطالبة بخضوعها للمراقبة البرلمانية التي لن تكون إلا دعامة لأهداف التخليق والحكامة والمردودية... بالنظر إلى تجربتك بمجلس المستشارين، ما وجهة نظرك في عمل هذه المؤسسة الدستورية؟ وكيف ترين تطوير عملها وإصلاحها؟ بالنسبة لي كشخص، فإن المسؤولية البرلمانية أعتبرها غنية لما أضافته لتجربتي السياسية والنقابية والمهنية، لكن كعمل مؤسساتي وفعل ميداني، فإنني غير راضية عن مستوى العمل الذي نقدمه كحزب وكمناضلين سواء من خلال ما يتيحه من إمكانيات للفعل أو مما ينبغي أن نناضل من أجله لتوسيع المجال الديموقراطي. لقد اصطدمت بواقع قائم وعقليات ترى أن العمل البرلماني يدخل ضمن الأنشطة المزاولة في أوقات الفراغ وأن الأولوية هي للنشاط على المستويات الجهوية أو المسؤولية الانتخابية القطاعية... نعم، أنا مع أن يكون البرلماني قريبا جدا من منتخبيه، لكنني أعتبر أن مسؤوليته وطنية قبل كل شيء. فالتشريع مهمة وطنية واستراتيجية للمستقبل، إذ لا نشرع لفئة أو مصلحة خاصة... كما أن البرلماني من المفروض أن يكون قادرا على تتبع القضايا الوطنية الكبرى وطرحها داخل اللجان البرلمانية أو بالمحافل التي يمثل فيها بلده. وعليه، فإنني أعتبر مؤسسة مجلس المستشارين في حاجة ماسة وعاجلة إلى إصلاحات على مستوى الشكل والعمق وعلى مستوى الممارسة البرلمانية والحضور الديبلوماسي والإعلامي... وأظن أن جزء من هذا الإصلاح انطلق بانكباب لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين على إعادة النظر في النظام الداخلي للمجلس والذي يعتبر المؤطر المؤسساتي لعمل المجلس ويشكل امتدادا للدستور. وقد تشكلت لجينة تقنية تسهر على الدراسة المعمقة للأفكار التي يمكن أن تشكل مقتضيات قانونية لتطوير وضعية وعمل مؤسسة مجلس المستشارين. لكن، وبكل صراحة، فإنني أرى أن هذا المجهود القانوني والمؤسساتي غير كاف إذا لم يصاحب بإرادة سياسية للأحزاب السياسية لتأهيل النخب الكفيلة بتفعيل تلك المقتضيات واحترامها. فإذا استمرت التزكيات الحزبية تمنح بالطريقة التي نعرفها وللأشخاص المعروفين بسلوكاتهم وممارساتهم التي لا تمت للديموقراطية والمصداقية بصلة، فإن أي إصلاح لن يكون إلا شكليا، وستظل الممارسات الماسة بمصداقية العمل البرلماني والسياسي مستمرة وهو ما يضر بمستقبل المؤسسات ببلادنا. وفي نفس السياق لا بد من التأكيد على أهمية استحضار تمثيلية الشباب والمرأة في هذا الإصلاح الذي ينبغي أن تستعد له الأحزاب والدولة لخلق النخب البديلة القادرة على ترجمة التوجه الديموقراطي وتكريسه لما يخدم القضايا الوطنية. فنسبة تمثيلية المرأة بمجلس المستشارين، مثلا، لا تتعدى 2,5% في الوقت الذي لاحظنا كيف أن دولا إفريقية وصلت لنسبة 20%. ورغم المجهود الذي قمنا به على مستوى مدونة الانتخابات الأخيرة، فإن ذلك لم ينعكس على مستوى تحقيق التمييز الإيجابي بمجالس الجهات والعمالات والأقاليم... فلا بد إذن لهذا الإصلاح من أن ينعكس على تمثيلية المرأة بمجلس المستشارين عبر الجماعات المحلية والغرف المهنية وممثلي المأجورين، وذلك لن يتحقق إلا بمصاحبة الإصلاحات القانونية بإجراءات وتدابير تحفيزية وبمواجهة سلوكات الفساد التي يريد البعض أن يجعل منها الطابع الخاص لانتخاب المستشارين. ما رأيك في الظواهر السلبية التي أصبحت تطبع العمل البرلماني من غياب حتى عن الجلسات المهمة بالبرلمان وما يعرف بالترحال الذي يميز انتقال البرلمانيين من فريق برلماني إلى آخر؟ وكيف ترين معالجة هذه الظواهر؟ إن هذه الظواهر والسلوكات هي نتيجة فعلية لما ذكرته سابقا من انعدام للتأطير الحزبي الضروري للمرشحين للمهام البرلمانية، وسيادة منطق المصالح والمنافع المادية الضيقة في التزكيات، وبالتالي فإن العينات التي تصل إلى البرلمان تعبر في أغلبيتها عن هذه النخب التي ترى في البرلمان تغطية فقط على أنشطتها وأعمالها... أما العمل البرلماني الحقيقي فإنه يبقى ثانويا بالنسبة لهذه العينات. صحيح أن الإصلاح القانوني والمؤسساتي كفيل بأن يصحح عدة جوانب للخلل في العمل البرلماني، لكن إصلاح السلوكات وتصحيح آليات التأطير الحزبي وميكانيزمات تأهيل النخب لتحمل المسؤوليات الوطنية والتمثيلية... يبقى أساسيا للوصول إلى مؤسسات منتخبة مؤهلة وناضجة. أما بالنسبة لظاهرة التغيير السهل والسريع والمتعدد للانتماء السياسي حسب الظروف والمصالح والتوازنات، أو ما أصبح يعرف بالترحال السياسي، فأظن أنه نتيجة لاستمرار تدخل الدولة وبعض أجهزتها في توجيه الخريطة السياسية بعدما كانت تصنع في الماضي القريب. فكيف يعقل أن قانون الأحزاب أخذ منا وقتا وجهدا ونقاشا وطنيا واسعا ومعمقا على أساس إصلاح المشهد الحزبي ببلادنا وتأهيله ليفرز النخب السياسية المسؤولة، لكن النتيجة والممارسة أفرزت عكس كل هذه التوقعات عند أقرب محطة انتخابية. إنني على قناعة تامة أن الإرادة السياسية والاقتناع الوطني بضرورة الانتقال إلى مرحلة أعمق في المسار الديموقراطي هي الكفيلة بجعل ما نقره من إصلاحات قانونية لها الفعالية في وقف زحف الفساد والمفسدين على المشهد السياسي والانتخابي واختراقهم للمؤسسة التشريعية الوطنية المفروض أن تشكل في معظمها من كفاءات وفعاليات وطاقات وطنية مسؤولة لها تمثيليتها الانتخابية وتوجهها السياسي المسؤول. إن هذا التوجه هو الكفيل بإعادة الثقة للمواطن في جدوى المؤسسات وأهمية المشاركة الانتخابية لإفرازها، والكفيل بإعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل وللهيآت الوطنية المناضلة في مواجهة المفسدين أفرادا وجماعات، ومنهم من يتستر بخطاب الإصلاح والتغيير والتجديد لكن ممارسته تكرس أبشع مظاهر الفساد. كيف تقيمين إنتاجية المؤسسة التشريعية وأدائها البرلماني والديبلوماسي؟ بكل موضوعية وصدق، فإن الأداء البرلماني لا يرقى لما كنت أتصوره ولما كنت أنوي القيام به من أعمال داخل المؤسسة البرلمانية سواء كشخص أو كمناضلة باسم الحزب أو كرئيسة للفريق الاشتراكي حاليا. فلربما أن طبيعة العمل داخل المؤسسة بالشكل الذي هي عليه اليوم لا يحفز ولا يشجع على الكثير من المبادرات، ولربما أن الاشتغال في العمل السياسي اليوم أصبح جزء من ملء الفراغ لدى العديد من النخب، ولربما أن المنظومة القانونية المؤطرة للعمل البرلماني لا تسمح للبرلماني بالكثير من الحرية في المبادرة والاستقلال ، ولربما أن التراكم الذي حصل في السنوات الماضية أعطى الانطباع للنخب البرلمانية أن القرار يؤخذ في مؤسسات أخرى مهما كان الجهد الذي يبذلونه وبالتالي تراجعوا إلى الوراء مقتنعين أن لا جدوى من بذل مجهود لا يعطي نتائج... لكن، ومهما كانت المبررات، فإنني مقتنعة أن النضال من داخل البرلمان شيء أساسي لتطوير مؤسستنا التشريعية التي لا أتصور مغربا ديموقراطيا حداثيا دون تمكينها من الصلاحيات والوسائل والنخب الكفيلة بتقويتها وتعزيز مكانتها في الصرح الديموقراطي الوطني. وعلى العموم، ورغم كل الملاحظات والانتقادات، فلا يمكن إنكار أننا نتقدم في الاتجاه الصحيح على الرغم من بعض المقاومات والتذبذبات، لكنني كنت أتمنى أن نتقدم بسرعة أكبر تتماشى مع ما تعرفه بلادنا من وتيرة في بعض المجالات والأوراش الكبرى. هل تعتبرين الخطاب السياسي السائد في البرلمان امتدادا فعليا للممارسة السياسية بالمغرب؟ وما مدى وضوح الخطاب السياسي بالبرلمان؟ مع الأسف، الخطاب السياسي السائد في البرلمان أصبح كله متشابها. فالجميع يتحدث عن الإصلاح والدمقرطة والمسؤولية والمحاسبة والشفافية والنزاهة والمصداقية... لكن الممارسة الميدانية لاعلاقة لها بهذا الخطاب، بل تعاكسه تماما. وسوف تلاحظون خلال افتتاح السنة التشريعية في الأيام المقبلة أن برلمانيين سيغيرون انتماءاتهم السياسية وفرقهم البرلمانية لا لشيء إلا إرضاء لطموحاتهم الشخصية وسعيهم لمواقع أو مكاسب مصلحية ضيقة، بينما لن يتورعوا عن تغليف كل ذلك بالحرية والديموقراطية... كما أنكم سترون كيف أن خطاب بعض الفرق البرلمانية المنتمية للمعارضة لا علاقة له بممارسة المعارضة إلا في بعض المزايدات السياسوية ولا وجود لأي إضافة أو مبادرات بديلة أو تميز سياسي يبرز حضور برنامج بديل للمعارضة يمكن أن يشكل بديلا للمسقبل. أما على مستوى الفريق الاشتراكي، فأقولها بكل موضوعية ومسؤولية، فإن وضعنا اليوم ليس سهلا. حيث إن حزبنا اختار موقف المساندة النقدية من الحكومة الحالية. وهو ما فرض علينا القيام بمجهودات كبرى من أجل ممارسة النقد البناء حيال البرنامج الحكومي وترجمته القطاعية، وفي نفس الوقت دعم الأغلبية في القرارات النهائية التي تصل إليها مع أخذ تعديلاتنا وآرائنا بعين الاعتبار. إنه وضع سياسي جد صعب بالنسبة لفريق برلماني عريق ومتميز يحترم اختياراته السياسية والحزبية ويحترم كذلك التزاماته تجاه حلفائه السياسيين في التجربة الحكومية الحالية. كيف تقيمين أداء الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين خلال هذه المرحلة التي وصفتها بالصعبة؟ من الصعب الحديث عن الذات. لكن أحيلكم على الحصيلة الموثقة للفريق والتي أطلعنا عليها المكتب السياسي للحزب مع نهاية دورة أبريل الماضية. وبكل عجالة أعتبر العمل الذي قام به المستشارون الاتحاديون خلال السنة التشريعية الماضية متكاملا من حيث المبادرات ومنسجما من حيث التوجه السياسي والاهتمام بالقضايا الوطنية والجهوية وبالمجالات الاقتصادية والاجتماعية. وقد ساعدنا على ذلك تركيبة الفريق المكونة من مستشارين ومستشارات ذوي اختصاصات واهتمامات متنوعة، انعكست إيجابا على عمل وإنتاجية الفريق الاشتراكي في المرحلة الماضية. ومع ذلك فإننا نحس أننا لا نقوم بكل ما نستطيع القيام به من عمل تشريعي ورقابي بمجلس المستشارين. فحصتنا خلال كل جلسة من جلسات الأسئلة الشفوية لا تتجاوز سؤالين، مع أن رصيد ما ينتجه المستشارون من أسئلة ضخم ويتراكم دورة بعد أخرى ونضطر إلى تحيينه والتعامل معه حسب الأولوية مما لا يكون موفقا في كثير من الأحيان لأن عددا من الأسئلة لا تبرمج رغم أهميتها. كما أن الكثير من التعديلات المهمة على مشاريع القوانين تصطدم بضرورة الحوار مع الأغلبية حولها، ونكون مضطرين إلى التفاوض للوصول إلى توافقات تجنبا لتقديم تعديلات بشكل منفرد داخل اللجان... وغير ذلك من عوائق العمل التي لا يمكن حصرها في هذا الحوار. لكن لابد أن أجدد التأكيد على العمل الجاد والمسؤول الذي يقوم به أغلب الإخوة المستشارون والأخوات المستشارات كل حسب تخصصه لتقديم الإضافات المفيدة لعمل الفريق. ويكفي أن أطلعكم أن حضورنا في التصويت على الميزانية السابقة في الجلسة العامة بلغ 17 مستشارا من أصل 20 مع اعتذار مقبول لمستشار واحد، وهي أعلى نسبة حضور داخل الجلسات العامة لمجلس المستشارين.