حين يحضر محمد اليازغي وفتح الله ولعلو ومحمد العربي المساري وآخرون، حين يحضر أحمد بوزفور وأمين الخمليشي وثريا ماجدولين وآخرون، حين يحضر الطيب الصديقي وزحمد لمسيح وحسن طارق ورشيدة بنمسعود وآخرون، وحين يجتمع الكل في فضاء أنيق بالمكتبة الوطنية على الساعة السادسة من مساء الجمعة الماضي، وحين يكون الضيف والمستضيف هو الكاتب الطفل الكبير بادريس عبر كتاب للمناضل الفنان التشكيلي الخجول خالد الاشعري... حينها، حينها فقط يفرض الإمتاع نفسه... وتفرض المؤانسة ذاتها.. بعيدا عن الضجيج وتحريك الكراسي المزعجة، ظل الحضور واقفا وقفة لوحة زيتية بالألوان الأخاذة بالعيون الشاهدة. تكلم مدير المكتبة الوطنية للمملكة، إدريس اخروز بحفاوة واقتضاب.. وأطلق خالد العنان للزحاسيس الصادقة بشكل مختصر وصريح.. وتحدث بارديس كما يتحدث بارديس، وكان الضحك... وكانت التصفيقات وكانت النميمة الجميلة، و كان عصير الفواكه بردا وسلاما. فكرة نبيلة ما أجملها هذا الكتاب! كتاب في طبعة انيقة اناقة بهو المكتبة الوطنية حيث اوقفنا خالد الاشعري فكانت هذه الدردشة، اولا حول الفكرة او اسباب النزول كما سماها. «... وانا زتجول في الغابة ذات يوم ممطر، وقع بصري على دودة. كانت تحفر في جسم الشجرة الأملس، فتأملتها وهي تجمع كل قوتها مندفعة إلى الأمام تاركة وراءها علامات وخدوشا تشبه تلك المحاولة الأولى للطفل أثناء تعلمه الكتابة، لم أكن أتصور كيف كان الجسم الصغير الرطب يزداد قوة وهو يلتهم قشور الشجرة، لكن الدودة تبدو جائعة ولا تهتم أن يفك أحد خدوشها ورموزها. هل هي رسالة؟ هل هي كتابة مبهمة؟ وهكذا كانت الإحالة إلى حروف شبيهة بحروف بادريس، مائلة مبهمة، صارمة وفوضوية... حروف جائعة تتصيد المعنى الذي يفلت منك باستمرار... خط بارديس له خصوصياته، وفوضويته أيضا. وبطغيان الآلة الكاتبة والكمبيوتر، سيندثر الخط الخوري يوما، وهكذا حاولت اقتحام عالم التوثيق عبر هذا المؤلف؛ والرسوم؟ «إنها رسوم تشبه بادريس في حياته اليومية... في علاقاته بالاخرين... في سخريته... في مفارقاته... في غضب... في ضحكاته... في بوهيميته... في لطف نميمته وقساوتها... في عالمه الخاص... وفي مرجعياته... ألوان لها علاقة باليرقة الغامضة، وبالأغصان الطبيعية اليابسة، وبارديس في داخلها». والأسماء التي أدلت بالشهادة حول بادريس؟ «أسماء لها وزنها في الحقل الابداعي المغربي... لم أطلق منهم شهادة، بل سألتهم عن نص إبداعي يتمحور حول بادريس... وهكذا كان... وبفوضوية ادريس الخوري الجميلة، تسلمت الكتابات بفوضوية أخرى... هناك من سلمني النص وهو داخل سيارة الاجرة، وهناك من انتظرته في مكان ما والتحق هو بمكان آخر ليضيع منا الوقت... هذا ايضا جزء من حياة الخوري اليومية.» كلمة أخيرة؟ «أتقدم بالشكر الجزيل لكل الكتاب والمبدعين الذين وقعوا كلماتهم بين دفتي الكتاب، وأشكر السيد فتح الله ولعلو على قيامه بالواجب، كما أشكر المكتبة الوطنية في شخص مديرها السيد ادريس خروز، وطاقم العمل خاصة الأخ إبراهيم إغلان لما بدلوه من مجهودات لإنجاح الإصدار وحفل التقديم... وشكرا لجميع الحاضرين.»