سيشعر الكثيرون من الذين لا يحبون الصحافة بسعادة خاصة وهم يقرأون أن «لوموند» الفرنسية في وضعية المتشكية والمظلومة. «كيفاش؟ «لوموند» تشتكي من فرنسا الديمقراطية، وعلاش حنا كنوضوا المندبة؟ سيسأل الموظفون في التخريب الإعلامي لصورة المغرب. القصة هي أن«لوموند» الفرنسية، المعلمة الإعلامية الفرنسية وروح حرية التعبير في بلاد الثورة الفرنسية، تجد نفسها مطالبة بالدفاع عن نفسها، ورفع دعوى ضد مجهول «لأسباب تتعلق بانتهاك مصادر الخبر». فقد لجأ القصر الجمهوري، الإليزيه إلى إجراءات تنتهك مباشرة قانون السر المهني حول مصادر الخبر، ولهذا رفعت «لوموند» دعوى ضد.. القصر الجمهوري، أي ضد السلطة الأولى في فرنسا لحماية سرية مصادرها. الأمر يتعلق بقضية تشغل الرأي العام الفرنسي، هي قضية بيتينكور وورت وهي القضية التي تفجرت بعد أن اتضح أن زوجة الوزير وورت، السيدة فلورانس، قد تم توظيفها من طرف السيد باتريس دو ميتر، المسؤول عن تدبير ثروة السيدة الغنية صاحبة ثالث ثروة فرنسية ومعامل لوريال، ليليان بيتينكور. القصة في تفاصيلها قد تبدو لنا عادية من كثرة ما أن نساء وعائلات المسؤولين يعتبرون أن المغرب شركة خاصة، لكنها، أي القصة، تقول بأن باتريس دوميتر، قد وظفت السيدة حرم الوزير في المالية في 2007 بعد خمسة أشهر من اقتراحه من طرف الوزير نفسه، لكي يحصل على وسام الشرف الفرنسي!! لا تهمنا السيدة الزوجة ( حتى ولو ..كانت زوجات كثيرات في المغرب الرسمي لا يتعبن من الحصول على الامتيازات، وربما يدفعن من مال الدولة حتى ... الصدقات في نهاية شهر رمضان!!!ما شكمانا) الذي يهمنا هو هذا الحرص على سرية المصادر. وقد تابعنا كيف أن عبد المنعم الديلامي قد تمت «جرجرته» أمام البوليس، لأنهم يريدون منه أن يعلن عن المصادر. وقلة قليلة فقط من الصحافيين الذين يدفعون ثمن السرية فعلا، ويعتبرون أن ذلك من صميم نضالهم (اللي موالف يگر كا يگر بلا بوليس، اسيدي..) المهنة عندنا فيها أسرار كثيرة حول الذين لا يحفظون سر مصادرهم. ولشدة ما نشعر بالخجل أحيانا عندما يكون مسؤول ما في جهاز ما، يضع بين يديه صحيفة ما، ويعلق بالقول( واش شتي هاد صاحبكم، راه گر بلا ما يقفقف، وعطا ما في المزيودة.). الديلامي، الذي لن يتهمنا أحد بأننا نحابيه، بعد ما دار بيننا وبينه من خصام مهني، تلقى إهانة ورسالة. ومفاد هذه الرسالة هي أنه لا أحد يمكنه أن يدعي أنه صانع رأي عام، أو أنه في منأى عن التجرجير. الرسالة وصلت إلى من يهمهم الأمر، وهم نحن، ودارت بعد ذلك حرب عن مصادر الخبر .. كما لو أن الذي يعطي الخبر ل«الصباح» هو عدو الذي يعطي الخبر لجريدة أخرى.. ونأسف كثيرا نحن في الجرائد التي تريد أن تؤسس للتعددية من منبر الجدية، عندما نرى أن مصادر رسمية لا تتعامل مع جرائد بعينها، بل هناك من يدفع حتى أصحاب المقاهي إلى اقتناء جرائد والتشهير بأخرى، وقد سمع العبد لله هذا الكلام من أصحاب مقاه أنفسهم! ( وطبعا لن أكشف عن مصادري ).. على كل لنا مشكلة حقيقية، هي أننا لا نملك القوة القانونية لكي تكون لنا معلومات بقوة القانون، لأن الحق في الخبر مازال عندنا مرتبة بعيدة: ونحن بالفعل نعيش خرافة حقيقية اسمها الاعلان..م ....بدون مصدر خبر مفروض عليه أن يقدم المعلومة ولا تُوجِّهُنا، نحن وهو، إلى القضاء! أذكر كيف أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات وصلت إلى الصحافة حتى قبل مسؤولين حكوميين أو معنيين بها! في أفق اختزال مشكلة الرشوة والفساد والاختلاس وقلة الذمة والشرف في اسم أو اسمين!! مصدر الخبر هنا كان مصدِّرا للرأي وليس الخبر. على كل نحن في صحافتنا الوطنية يمكن أن نكتب مقالات رهيبة «بمصدر مطلع ورفيع المستوى» لا يقول اسمه ولا يدلي بما يثبت أقواله. ونحن أيضا نخترع المصادر كما يحلو لنا..وهذه مشكلة أخلاقية أكثر منها مهنية، لأن الاختلاق لا يقبل حتى في أوساط المهربين واللصوص، فكيف في مهنة نبيلة بها يقاس تطور بلد ما!! لنترك «لوموند»، وفي فرنسا دائما هناك قضية اليوم تشغل الرأي العام المهني والسياسي، وهي اعتقال الصحافي النجم ، جان لوك دولارو. فقد تم اعتقال الصحافي النجم صاحب البرنامج الشهير (قضية للمناقشة سا سوديكيت) في السادسة صباحا، في إطار التحقيق في قضية ...تجارة مخدرات!! لم يصدر منه أي تعليق يقول بأنه اعتقل لأنه فتح ملفا يخص الدولة أو الجيش، ولم نسمع الصحافيين ينددون بأن هذا الاعتقال جاء كمساومة من الدولة الفرنسية لكي تسكت صوتا كبيرا بالحق. كما لم نكتشف بأن مولاي الزين الزاهدي الفرنسي كان قد منحه شقة لإصدار منبره الثوري!! أو أن لصا عموميا كبيرا كان يموله لإضعاف التناوب السياسي( لماذا لا يبدع الذين يحاربون الديمقراطية في هذا البلد.. أشياء ذكية فعلا تحترم عقولهم؟؟) لقد وضع الصحافي تحت الحراسة النظرية لمدة غير محددة، وهو متهم بكونه أحد المستعملين المهمين والمستهلكين الأساسيين للكوكايين! وقالت مصادر إن الشرطة عثرت على الكوكايين في بيته. ولم نسمع بأن العنيكري هو الذي فتح الملف وفبركه !! لقد سبق أن وضع هذا الصحافي الناجح والذي قدم برامج قوية للغاية، بمهنية كبيرة، تحت الحراسة النظرية في 2007 بسبب استعماله العنف في مطار رواسي. ولم يهدد بإضراب عن الطعام ولم يزره أحد من كبار القوم الإفرنجة!!!! حالة «لوموند» وحالة الصحافي دولارو، قابلة للتأمل، ولنا منها قضية حقيقية لأن التعثر الذي نعرفه والنقص الأخلاقي الفظيع في بلادنا يحتاج بالفعل إلى مقارنات ..لما فيها من تواضع ولما فيها من مسؤولية..