نحن المسلمون الذين نتماهى مع النص القرآني الشريف، شعرنا أن التهديد بإحراق القرآن الكريم ، سيشعل النار في أبداننا. شعرنا أن تصريحات القس الامريكي تيري جونز بمثابة إعداد لمأدبة يشوي فيها لحمنا، لأننا بالفعل نشعر أن المصحف هو جسدنا والجسد هو مصحف الروح التي ربيت عليها ملايين الأرواح. هذا الشعور الفيزيائي بالانتماء الى دين الاسلام الحنيف ، هو ما استهدفه القس في تلويحاته، وهو الذي جعل الكثيرين من المراقبين غير المسلمين يرون استهداف واستفزاز المسلمين هو الرسالة التي يريد القس المتشدد ونيرون القداسة أن يبعثها الى المسلمين. القرآن الكريم، كما ورد في بلاغ المجلس العلمي للمملكة لن يتأثر أبدا بهذيان هذا القس، ولا حتى بالقيام بالإحراق خلسة أو علانية. لأن المسلمين يؤمنون حقا بأن الله متم نوره ، وأنه أنزل القرآن وأنه له لحافظ .. ويشعر المسلمون اليوم بأن المتشددين الامريكيين يدفعونهم الى الرد القاسي والى المواقف التي تحمي أرواحهم من الإهانة. نحن أولى بهذا التعايش الذي ترفعه البشرية اليوم على رأس أولوياتها.. ولنا أن نُشعر اليوم الآخرين، الذين يدافعون عن الحريات وعن القيم الكبرى للتعايش بأننا في حاجة الى هذا التعايش اليوم، كمسلمين بسطاء لا نملك القوة ولا السلطة التي يملكها من وراءه أكبر القوى في العالم. من حق المسلمين أن يطالبوا اليوم بالتسامح وهم يرون أن هناك من دفع الى تغيير القرآن، مباشرة بعد 11 شتنبر، ورأى أن القرآن الجديد ضرورة لكي يبقى المسلمون في العالم ، وتبقى دولهم وتبقى روحانياتهم. وعندما يرون أن رسولهم يتعرض للتشهير والتعامل الحاط بالكرامة وينفي عنه كل قدسية، هي اليوم إيمان عميق لدى المسلمين ومن حقهم أن يطالبوا باحترام إيمانهم ومعتقداتهم. ومن حقهم أن يشعروا بالتقزز للمرة الألف، أو للحقد الألف ضدهم Pour la Haine-ieme fois! من حق المسلمين أن يطالبوا بالتسامح عندما يرون أن مرشحين الى الرئاسة أمثال طوم طانكريدو، يعتبرون أن الطريقة المثلى لثني بن لادن عن ضرب أمريكا هي التهديد بالهجوم على الاماكن المقدسة في الاسلام ، ويرون الدعوة الى قصف الكعبة موجودة على أجندة المتشددين، وهم يولون وجوههم إليها على الاقل خمس مرات في اليوم.. إن الشعور الممض والدائم هو شعور الانسان عندما يمس في كرامته وسلامته الروحية ،أما القرآن ، كما ورد على لسان الائمة المسلمين بإجماع ، وهم يردون على قس النيران، فلن يحتاج الى حماية مليار ولا حتى سبعة ملايير مسلم. إنهم في حاجة الى حماية شعورهم، وهذا أمر قابل للدفاع عنه ويمكن أن تكون البشرية والرأي العام الحر أول من يقول لا للحد منه أو المس به. إن القرآن نص سياقي مقدس يصنع للانسان حضارته وحريته ويصنع له هويته ، وبناءه العاطفي وحدائقه اللاشعورية وأحلامه، ورؤاه ونبضاته وخلجاته، ومن هنا فهو يحيط به في كل جانب من جوانب حياته، والمس به ليس تهديدا لقائله عز وعلا ،عما يصفون، بل هو مس بالمسلمين في حالتهم الانسانية. وهو ما يجب أن يقوم به المسلمون. وليس سليما بالمرة أن نربط بين جنون القس وأمثاله، وورثة بوش الروحانيين وبين »جنون« محتمل لدى المسلمين. المسلمون أمامهم الغضب وليس الرد الجنوني كما قال، من باب الشعور بالاهانة ، الإمام فيصل عبد الرؤوف الذي يقف وراء مشروع بناء مسجد قرب موقع اعتداءات11 شتنبر في نيويورك . علينا أن نستحضر مقاومة جزء كبير من الشعب الامريكي لهذا المسلك الجنوني والنيراني / النيروني الذي واصله القس الامريكي، ويكفي أن رئيس الدولة نفسه ربط بين مسجد للمسلمين ومركز في قلب الفضاء المنذور للآلام والذكريات المؤلمة ، لفائدة المسلمين في وجه الإعصار المسيحي المتشدد. كما ظهر أن العالم الغربي ليس قطيعا يتبع الحمقى والمخبولين من أبنائه الذين يسعون الى جر جر البشرية الى نهاية ياجوج وماجوج، على حد ما قاله الرئيس الفرنسي السابق شيراك عن جورج بوش الابن، الذي دافع عن الحرب ضد العراق لأن صدام حسين هو حفيد نبوخند نصر، ومقتله سيوقف ياجوج وماجوج ، ويعجل بانتصار الخير في حرب أرماجديون!! هذا الجنون العقائدي الذي دفعهم الى الابتذال، هو الذي جعل بوش وتيري جونس يرون العداء في ديانتنا وربما تعللوا بما فينا من بعض المجانين الذين لا يعبرون عنا، عن حق أو عن باطل، لكي يفجروا ما فيهم من جنون، من ورائه قوى كبرى ومشاريع مجتمعات قوية حتى الجنون المتبادل ليس منصفا في هذه الحالة!! ومن البليد حقا أن يقول تيري جونس أنه لا يقبل بأن »تطبق الشريعة عنده«، كما تم ذلك في أوروبا!! كما لو أن المسلمين أنفسهم لا يناقشون شريعتهم ومدى تطبيقها وحدود ذلك، وفقه المقاصد الجهل هو الوعاء العاطفي للحقد في حالة التجانن الديني!! والحقد حظ الانبياء من مجانينهم، ونبينا لا يحب مجانين الله الذين يقتلون الناس باسمهم، والمسيح عليه السلام (في القرآن الكريم يذكر يسوع أكثر من النبي أزيد من 8 مرات)!! وموسى لا يحب المجانين بدوره والمسلمون في مشارق الارض ومغاربها أيضا!