في ذكرى رحيل الفنان الكبير محمد القاسمي، الذي هو في غنى عن التعريف، لأن أعماله تدل عليه، وخبراء الفن يشهدون له. أجدني بهذه المناسبة، أستعيد ذاكرتي، وأعود إلى ما يقارب الاربعين سنة، عندما تعرفت عليه في أحد المعارض التي أقامها في الرباط أو مكناس (لست متأكدا من المكان) فربطتني به علاقة أخوة وصداقة استمرت إلى حين اصطفاه ربه. وتوثقت هذه العلاقة عام 1971 عندما عمل مع الفنانين كريم بناني ومحمد المليحي على اقامة اول معرض جماعي للفنانين المغاربة من أجل نصرة قضية فلسطين، وكم كانت العملية مرهقة لانه لم يكن هناك أي اطار يجمع الفنانين التشكيليين المغاربة ولم لكن نتوفر حتى على قائمة بأسمائهم وعناوينهم. مع الاشارة الى أن هذا المعرض كان هو السبب في تداعي الفنانين المغاربة فيما بعد الى تشكيل الجمعية المغربية للفنون التشكيلية. لقد كان محمد القاسمي رحمه الله مسكونا بالهم الفلسطيني وعليه فإنني سأكتفي بنشر مقالة كتبها في عام 1982 وهي تعطي بعض الدلالات على اعتناقه فلسطين. «لقد جسدت مجموعة من التشكيليين المغاربة انتماءهم للقضية الفلسطينية بتنظيم معرض جماعي شارك فيه أهم الفنانين عندنا لدعم النضال الفلسطيني ، وذلك سنة 1971 . وقليلا بعد هذا التاريخ تكونت الجمعية المغربية للفنون التشكيلية. كما انجزوا ملصقات جدارية لنفس الهدف، ومعروف الدور النضالي والتعريفي والاعلامي الذي يلعبه الملصق الجداري في تبليغ الرأي. وقد شارك أيضا الفنانون المغاربة في المعرض العالمي الذي أقيم في بيروت من أجل القضية الفلسطينية. وقد نقل إلى اليابان على أساس أن يتجول في دول أخرى. وهذا المعرض الكبير الذي شارك فيه أشهر فنانين العالم يشكل نواة أولى لتلف فليني للفن الحديث. في ارض متحررة من قيد الصهيونية والامبريالية ويمكن للائحة المساهمات ان تمتد... لا يمكن ان يمر الحديث دون أن نذكر التبادل الصادق حول المسألة الفنية وحول القضية الفلسطينية الذي وقع بين الفنانين الفلسطينيين والمغاربة في مناسبات شتى. في معارض عديدة ومختلفة. الخاصة والجماعية، ونحن مازلنا اليوم نذكر معرض الفنان الفلسطيني مصطفى الحلاج بقاعة باب الرواح. واسماعيل شموط وسمير سلامة. مازلنا نتذكر الجناح الفلسطيني بالبينال العربي بالرباط ، والجلسات الطويلة التي نظمت حول الفن وعلاقته بالحياة والمشاركة النضالية الخ. ونعلم أن الكيان الصهيوني ، يسعى اليوم ، ربما أكثر من أي وقت آخر الى محو الوجود والشخصية الثقافية والحضارية للشعب الفلسطيني، وهذا السطو /الاستيلاء على النتاج الفني الذاتي لهذا الشعب يتجلى في أخذ التراث الفلسطيني وخاصة الشعبي منه: رقصات، ايقاع، عادات، طرز، زي، حلي وينسبها الى نفسه ويقدمها في المعارض العالمية على أساس أنها من انتاجه حتى يرمي الوجود الفلسطيني في الظل في العدم. ومن هنا يجب الدعوة الى حماية هذا الجسد الثقافي الحضاري الجريح فلسطين، ولن تكتمل هذه الدعوة الى الحفاظ على الكيان الثقافي الكائن لهذا الشعب الا اذا تعدت المسألة مرحلة الاستيقاظ والوعي الأولي بقضية المحو. الى تنظيم منهج لجمع الوثائق وتدوين هذا التراث وحصره، وفي النهاية التعريف به عن طريق المعارض والنشر والتحليل والدرس للخروج من مخالب الابادة والمحو. لا يمكن الحديث عن الفن الفلسطيني وعلاقتنا بالفن الفلسطيني دون الحديث عن ذاكرة الارض. عن الوطن الجريح والحرية.. عن التشرد والرحيل والعودة... عن الحلم الكبير عن الزيتون والامل. اذا كان الفن ينبع بصفة حادة من محيط الصراع المنتشر في الحياة اليومية ومواجهة العنف والكتب والصدمة. ينبع من الذاكرة والجسد، فهو يتقدم ايضا كي يندمج في قانونه الداخلي الخاص كعمل يشكل في صيغة معينة، ليقترح علينا فهما، ومنظورا معينا للعالم والاشياء والجمال. فانطلاقا من هذا الفهم والتجذر في التجربة، لا يمكن للفنان أن ينزوي معزولا عن كتابة الحياة والتعبير عنها وتشكيلها بوسائله وأدواته الخاصة للوصول الى نتائج ذي خصوصية وشخصية دقيقة في تكوينها. والفن الفلسطيني يحاول في تجربته الفنية النضالية ان يوفق بين هذه العناصر والمعطيات التي تتمحور المسألة الابداعية ونذكر هنا تجربة مصطفى الحلاج المتصفة بخصوبة التخيل وتحضير الحلم - الامل تتكون عناصر هذه التجربة من الفرس كرمز الجموح وجسد امرأة في معناها الخصوبة، و امتداد الافق وتحوله حسب تنظيم خطي معين. وكمال بلاطة الذي يصوغ الخط العربي والكوفي خاصة في تكوين متحرك دقيق في الانجاز، يربط بحثه بالتراث العربي في تبنيه للحرف كاداة اولى للعمل والتخيل. كما تأتي الى ذهننا تجربة سمير سلامة التي توحي لنا بالحنين الى القرية والارض والجسد والموت وعلاقات البيوتات الشرقية في حالة المحو والبروز في الوجود والموت، تطفو فيها الذاكرة والامل. يشغل فرشاته ومادته حسب رغبة تعبيرية تشغله. وتعامل اسماعيل شموط مع الواقع المباشر للتعبير عن القضية الأولى التي يسحر لها مجهوده الفني «فلسطين» ، اذكر اسماء أخرى كثيرة للفنانين فلسطينيين: منى السعودي، ناصر السومي ..الخ. القاسم المشترك بين هذه الكتلة من الفنانين هو العمل لابراز الذات وتحقيق الوجود الفلسطيني الذي يحاول الكيان الصهيوني ان يمارس عليه المحو والعدم . في هذه الاشياء سنلتقي كلنا».