بعد الخطاب الملكي في 31 غشت، جاءت مبادرة وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، الممثلة في عقد لقاء يوم 23 غشت حول موضوع: «المشاركة السياسية للنساء في أفق 2012»ك لتسجل الدخول للموسم السياسي بصيغة المؤنث. في الواقع، إن انطلاق نقاش جاد وهادف حول تمثيلية المرأة في مجلس النواب في أفق استحقاق 2012، في هذه الفسحة الزمنية بعيداً عن ضغط اللحظة وإكراهاتها له أهمية بالغة، والسؤال الذي يطرح في مثل هذه المناسبة، لماذا يقع تركيز الحديث عن التمثيلية النسائية في مجلس النواب وحده (10,8%)، وأن يقتصر الكلام عليه دون التطرق الى تمثيلية المرأة في مجلس المستشارين بنفس الاهتمام (1%)، لماذا تهيمن هذه الرؤية التجزيئية وانعدام الرغبة في تحقيق نوع من التكافؤ للحضور النسائي في المؤسستين التشريعيتين، إن السبب في ذلك في نظري لا يكمن فقط، في الصيغة المركبة والمعقدة في انتخاب أعضاء مجلس المستشارين، بل الأمر يتجاوز ذلك، ليشمل غياب مقاربة شمولية لطبيعة وشكل تواجد المرأة في البرلمان يمكن أن تتبناها وتنخرط فيها كل مكونات المشهد السياسي المغربي. وعلى هامش النقاش الذي افتتح يوم 31 غشت، بدعوة من وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، وشاركت فيه العديد من الفعاليات وبعض تنظيمات المجتمع المدني، بدا لي أن أي تصور جديد وطموح، يحدد شكل ونسبة تمثيلية المرأة في مجلس النواب، ينبغي أن يكون مؤسساً، خاصة بعد مرور ما يقرب من ولايتين برلمانيتين على اعتماد اللائحة الوطنية، على حصيلة هذه التجربة، وذلك يتطلب منا القيام بوقفة تأملية ومساءلة نقدية استقرائية لمضمرات تجربة إعمال نموذج «اللائحة الوطنية»، ونحن نتطلع الى أفق 2012. لقد أشدنا في حينه بهذه التجربة وما نزال متشبثين بها باعتبارها تجربة رائدة على المستوى الوطني والعربي، لكن حرصاً منا على استمرار نجاحها وحق النساء المغربيات في المشاركة السياسية، ينبغي أن نتعاطى مع هذه المبادرة بروح الغيرة على نجاحها من موقع المراجعة والنقد البناء الذي يتجاوز العشرات ويمهد الطريق للدفع بهذه التجربة إلى تحقيق مزيد من النجاح. وشخصياً، سبق لي أن كتبت مقالات عديدة، وأدليت بتصريحات صحفية عبر بعض الفضائيات العربية، دفاعاً عن نظام اللائحة التي خصصت للنساء إثر تعديل القانون التنظيمي لمجلس النواب (شتنبر 2002)، وميثاق الشرف الذي صادق عليه أمناء الأحزاب السياسية، باعتبار هذا المكسب تدريبا بيداغوجيا للنساء من أجل تجاوز واقع الإقصاء والتهميش، واكتساب المهارات السياسية التي تؤهلهن لامتلاك سلطة التشريع البرلماني، وفرصة كذلك، للرأي العام الوطني لكي يستأنس بالأدوار الجديدة للمرأة المغربية. لكن، ونحن نستشرف أفق 2012، لابد من التمييز بين شيئين، التأكيد على ضرورة استمرار تبني منطق اللائحة مع الحرص على توسيع مساحة تواجد المرأة في مجلس النواب، ومن جهة ثانية، الوقوف عند الخلل وعثرات الطريق التي برزت مع الممارسة والإنجاز من أجل تجاوزها إلى الأحسن، والتي يمكن حصرها في: 1 ضيق المساحة المخصصة للنساء (اللائحة الوطنية) وتحديداً الرتب الأولى المؤهلة للفوز (من 4 الى 5)، التي تجعل المنافسة تشتد وتحتدم بين نساء الحزب الواحد، مما يفسح المجال للتناور والتحايل بعيداً عن اعتماد معايير الكفاءة والأهلية والقدرة. 2 إن «اللائحة الوطنية» تحول دون تمتين تواصل النائبة البرلمانية مع الناخبين وممارسة سياسية القرب معهم، نظراً لكون دائرة اللائحة الوطنية تنسحب على امتداد شساعة التراب الوطني، الشيء الذي جعلنا نحن النساء خاصة إذا انطلقنا من تجربتي الخاصة (2007/2002) أن نتفاعل ونتعامل مع فئات من الناخبين والناخبات في مجموع التراب الوطني، وأن نتلقى ملفات تتعلق بقضايا ومشاكل العديد من المواطنات والمواطنين من جهات متعددة. 3 إن دائرة الوطن الكبير، المخصصة للائحة الوطنية، تجعل وكيلتها تخضع لاختبار صعب، من حيث إدارة الحملة الانتخابية واستقطاب دعم الناخبين والناخبات، خلافا لتجربة الدائرة المحلية التقليدية، هذا فضلا عن إقصاء النساء في حضور العديد من المناسبات الرسمية لكونهن لا يمثلهن الدوائر المحلية. 4 إن الفهم الخاطىء والملتبس لعملية الترشح للمرة الثانية ضمن اللائحة الوطنية الذي طفا على السطح إبان استحقاق 2007 التشريعي، جعل بعض الأصوات النشاز ترتفع معتبرة أن هذه المبادرة مجرد ريع ومنحة مجانية، وتحولت هذه الدعوة التي لا تطرح عندما يتعلق الأمر بترشيح الرجال الخالدين في دوائرهم، إلى تعلة لضرب المعنى النبيل للائحة الوطنية، وتحويلها إلى (وزيعة) وريع مفترى عليه، لأنه إذا كانت الغاية من ولوج المرأة إلى البرلمان اكتساب المهارة السياسية والمساهمة في التشريع، فإن ذلك لا يتحقق إلا بالتراكم والتمرين المستمر، وليس بترديد شعار (أمولا نوبة)، فالنساء اللائي تم إقصاؤهن مدة عقود من قبة البرلمان لا يمكن بناء قدراتهن التمثيلية وتأهيلهن في فترة زمنية محددة لا تتعدى خمس سنوات، على اعتبار أنه يمكن لهذه الكفاءات النسائية من خلال تجربة برلمانية ثانية، أن يقدمن إضافات أكثر للمؤسسة التشريعية، علما أن هناك العديد من النساء استطعن أن يعبرن عن كفاءة عالية في الأداء التشريعي منذ التجربة الأولى. على ضوء ما تقدم، أقترح، ونحن نستعد لاستحقاق 2012 ما يلي: أ الحرص على استمرار إعمال مبدأ اللائحة، وأن يقع الاستئناس بما تم اعتماده في استحقاق يونيو 2009، وأن يقوم المشرع باجتهاد فريد في هذا المجال، وذلك بالعمل على تصريف اللائحة الوطنية إلى لوائح محلية، تخصص لدوائر إضافية لكي تعتمد الملاءمة بين ما تحقق لنساء المغرب في الجماعات الحضرية والقروية، حيث انتقلت نسبة تمثيلية المرأة من 0,56% الى 12% بهذا الإجراء المقترح ستتخلص الأحزاب السياسية من صعوبة تدبير الطموحات النسائية المشروعة التي تضيق عنها اللائحة الوطنية. 2 إن عملية تصريف اللائحة الوطنية إلى لوائح محلية تخصص لدوائر إضافية ستساعد على إفراز نخب نسائية محلية مؤهلة للتعاطي مع قضايا الجهات في تناغم وتجارب مع مشروع الجهوية الموسعة التي هي مستقبلنا. 3 إن المدخل الأساس لحفز الأحزاب السياسية على الرفع من الترشيحات النسائية، يتمثل في جزء منه، في الإقدام على إدخال تعديل على قانون الأحزاب، فإذا كانت المادة (22) تنص على ضرورة أن تمثل المرأة في مراكز القرار الحزبي، فإن اعتماد هذا التصور الذي يلزم الأحزاب بأن تدرج في أنظمتها الأساسية حصة للنساء والشباب في هياكلها القيادية، فإنه تبعاً لهذا المعطى، ينبغي إدخال تعديل شبيه له يتعلق بتحديد نسبة للترشيحات النسائية، تجعلها الأحزاب من أوجب واجباتها في الاستحقاقات الوطنية. إذا كنا نتطلع الى إصلاحات سياسية ممثلة في إصلاح نمط الاقتراع والتقطيع الترابي، والتفكير في الآليات الناجعة لضمان شفافية ونزاهة الانتخابات، إضافة الى تعديل قانون الأحزاب بما يضمن الحد من ظاهرة الترحال السياسي للبرلمانيين والبرلمانيات، فإنه من الضروري أن نستحضر في هذا السياق مسألة إعمال مبدأ مقاربة النوع الاجتماعي ونحن نحضر لكل ذلك، والعمل الجاد لضمان تمثيلية منصفة للنساء، مادام ورش قضايا النساء يعد من الأوراش الوطنية الكبرى في مسيرة الانتقال الديمقراطي، الشيء الذي يدعو كل مكونات المجتمع المغربي إلى تعزيز هذه المكاسب وتقوية الإنجازات التي تحققت في مغرب اليوم، وإبراز الصورة المضيئة للمرأة المغربية التي يحاول الغير عبثا التشويش على نصاعتها.