يمكن اعتبار ما جرى في بريد المغرب ، مؤشرا على طبيعة الدخول الاجتماعي الجديد. حيث نجحت وصاية رضى الشامي، وزير التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة في الوصول الى حل بين النقابات وإدارة بريد المغرب ، بالرغم من النبرة المتشددة والقرار التصعيدي بخوض إضراب لأربعة أيام، ليلة العيد. عودة الحرارة الى خط الاتصال بين النقابات والادارة، لا تعني ارتفاعها! وإذا كان لابد من عبرة يمكن استخلاصها من القضية التي أثارها البريد، فهي أن الحوار الناجع والعملي يمكنه أن يخفف من مظاهر التوتر مهما بدا أنها مستعصية على العلاج الفوري. كما يمكن لهذا المؤشر أن يعبر عن حرارة الحراك الاجتماعي بعيد شهر رمضان، وتزامنا مع الدخول المدرسي وتوقعات الدخول البرلماني وما يمكن أن يفتحه من سجال اجتماعي ، بالموازاة مع تصريف القانون المالي..في قرارات تكون ذات صلة بمختلف الفئات الاجتماعية . من المحقق أن الدخول الاجتماعي سيكون غنيا ومكثفا ، لكنه لن يكون على صورة النشرة الجوية لهذه الايام، أي ساخنا. فما بين الملفات الكبرى ، والمعارك القطاعية، مثل العدل والوكالات الحضرية، لا يبدو االطقس توتريا بشكل مأزوم، أو خارج المنطق الذي ساد في فترات مغربية سابقة كانت تجعل «الشارع ضد الحكومة» أو السلطة. هناك 7 بوابات على الأقل للدخول الاجتماعي الحالي: 1 أصعب ملف سيكون على الحكومة والشركاء الاجتماعيين الخوض فيه أو على الاقل طرحه على الطاولة، هو ملف التقاعد. وهو ملف شائك، وصعب وكثير الحساسية، كما أن هوامش التحرك فيه ضئيلة للغاية ، إن لم نقل أن الحلول فيه محصورة. ولعل السؤال الذي يراود الممثلين عن النقابات هو: كم هي الكلفة الاجتماعية التي سيؤديها العامل والموظف البسيط في ما يتعلق بتقويم هذا الملف الشائك، الذي تعاني منه دول ذات قدرة اقتصادية كبيرة مثل ألمانيا وفرنسا ، بالاحرى في بلد اقتصاده يعاني من ضعف التنافسية والريع و سيادة الاقتصاد غير المهيكل، وما الى ذلك من مظاهر الاختلال، بعضها ورد بشكل صريح وجارح في الخطب الملكية. 2 وأمام الدخول الاجتماعي ملفات ذات علاقة بالطبقة العاملية والمأجورين وغيرهم من المنتجين الاجتماعيين، وهي ملفات من المؤكد أنها ضمن جدول أعمال الحوار الاجتماعي المرتقب في نهاية شهر شتنبر الجاري. وفي هذا السياق يمكن أن نجمل الإشكالات التي تطرحها النقابات، في المطالبة بتغيير منهجية الحوار، والارتقاء به الى لحظة تقريرية ذات قدرة على الحسم في بعض القضايا التي يتم التوصل فيها الى نتائج. ومن المفيد بالنسبة للجميع أن ينظر الفرقاء الاجتماعيون الى زاوية جديدة للحوار ، أو الانتقال به من المطالبة «المتسمرة» التي تحصر النقاش في الاجور الى الخدمات الممكنة ، والتي يمكن أن نسميها المقابل الموضوعي للأجر، من قبيل السكن العمالي، والشيك الاجتماعي والتعليم والصحة.. 3 - وفي دائرة أوسع تشمل من هم خارج الحوار، هناك اليوم وعي ، من طرف الفاعل الاجتماعي والشريك من الرأسمال الوطني (الباطرونا) ، في كون المرحلة تقتضي استفادة ذوي الدخل المحدود من قرارات ضرورية مثل مراجعة الضريبة على الدخل، والضريبة على القيمة المضافة من جهة ومحاربة التملص الضريبي وتفعيل الإصلاح الضريبي بشكل يجعل الاغنياء يشاركون، في الكلفة الاجتماعية لكل تأهيل ، وخلق منفذ جديد يرفع من مداخيل الخرينة لطمأنة الأجراء وتحقيق الاستقرار.. 5 الدخول المدرسي اليوم قضية اجتماعية، من حيث الكلفة المالية للمدرسة، ومدى استفادة المدرسة العمومية من التأهيل المناسب، بناء على ما أثاره ملك البلاد عند حديثه عن القرارات الشجاعة التي يتطلبها الوضع التكويني والاكاديمي في المملكة، بالاضافة الى استحضار البعد التعليمي في تقدير تقدم البلاد ( مؤشر الفقر المتعدد الابعاد في ترتيب البلاد ) ودعم صورتها العالمية.. 6 المدخل المؤسساتي لتأطير العمل الاجتماعي، ولا سيما النقابي منه، ما زال قائما ، بدون تقدم حاسم. وهناك اليوم تقدم من الطرف الحكومي، في ما يخص صياغة القوانين وفتح ورش التفكير في قانون الإضراب وقانون النقابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والآن أصبح من الضروري بل من الحيوي أن يتقدم المغرب الاجتماعي على هذه الواجهة ، بعيدا عن النرجسيات والحسابات الضيقة التي تضيع اليوم جزءا من المستقبل لحساب الزعامات أو الريعيات النقابية المعروفة، وترهن الغد الى توازنات هشة وغير منتجة وانتهازية أحيانا كثيرة. 7 لا يمكن أن يتغافل الشركاء الاجتماعيون والملاحظون الموضوعيون عما تحقق أيضا، لا من باب إغلاق الملفات بل من أجل الانتصار للإرادة الجماعية في التجاوز الإيجابي لمعضلات النمو البشري في بلادنا. وفي هذا السياق يمكن إدراج التعويض عن فقدان الشغل، أو برنامج «فرصة» القاضي بتقديم مساعدات مادية مرتبطة بالتدريس.. حيث يبدو أنها أعطت ثمارها (500 ألف مستفيد ، وأزيد من 3 ملايين تلميذ فقير توصلوا بمحافظ) ، وهو أمر غير مسبوق في بلادنا.. وأمر يمكنه أن يخلق الثقة والطمأنينة في وجود إرادة لتجاوز المعضلة الاجتماعية والفقر، والفوز في معركة الهشاشة والإقصاء ..ضمن رؤية جعلت الميزانية الاجتماعية في تصاعد مضطرد منذ 1998، الشيء الذي غير كثيرا من أولويات بلادنا ومن أسلوب تعاطيها مع مشاكلها.