إجهاض محاولة للتهريب الدولي لشحنة من المخدرات تزن أزيد من 25 طنا من الحشيش    محكمة تصدر حكمها في حق شيماء وآخرين في قضية "صفعة القايد"    فضيحة للوزير السكوري.. خبير سيبراني حذّر من ثغرة خطيرة بموقع وزارة التشغيل قبل "تسريبات جبروت" بخمسة أيام    كأس إفريقيا.. المنتخب المغربي ينهي الشوط الأول متفوقا على جنوب إفريقيا بهدف دون رد    بلاغ اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي حول الهجوم السيبراني    المغرب يحقق رقماً قياسياً في عدد السياح خلال الربع الأول من 2025 ب4 ملايين زائر        المغرب ينجح في توقيف جزائري يحمل الجنسية الفرنسية مبحوث عنه دوليا        بايتاس: الهجمات السيبرانية على مؤسسات حكومية "إجرامية" وتستهدف التشويش على نجاحات المغرب الدبلوماسية    الدار البيضاء.. توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية مبحوث عنه دوليا    لليوم الثالث... آلاف الطلبة يتظاهرون دعما لغزة ورفضا للتهجير    زيدان: دعم المقاولات موجه للمشاريع التي لا تفوق قيمتها الاستثمارية 50 مليون درهم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    تورط ديبلوماسي جزائري في فرنسا بمحاولة اغتيال معارض بارز يحمل صفة لاجئ سياسي    حقائق بخصوص عمليات استيراد الأبقار والأغنام وتداعياتها السياسية والمالية    أكثر من نصف الأمريكيين ينظرون سلبيا لإسرائيل.. استطلاع جديد يكشف تداعيات حرب غزة    سعر الذهب يبلغ مستويات قياسية مع تراجع الدولار    الصحافة والثقافة    تصنيف ميليشيات "البوليساريو" جماعة إرهابية .. خطوة أمريكية تلوح في الأفق    بميزانية مليار درهم.. المغرب يطلق برنامجا لدعم البحث العلمي والابتكار    أمطار قوية تصل إلى 70 ملم مرتقبة بعدد من الأقاليم الجمعة والسبت    الأمير مولاي رشيد يزور ضريح المولى إدريس الأزهر بمناسبة حفل ختان الأميرين مولاي أحمد ومولاي عبد السلام    بعد اتهامها بنسف لجنة التقصي حول "دعم المواشي".. الحكومة تؤكد أن اختيار الآليات الرقابية اختصاص البرلمانيين    مسؤول إسباني .. التقارب الثقافي وسيلة ممتازة لتعزيز العلاقات المغربية الإسبانية    الدار البيضاء تحتضن الدورة الثانية من المسابقة المغربية لأفضل أصوات الكورال العربي    أسود الفوتسال يكتسحون الصين بثمانية أهداف ويحافظون على الصدارة الإفريقية في تصنيف الفيفا    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة        السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    تحليل | لماذا فرض ترامب على المغرب رسوما جمركية أقل من الجزائر؟    طنجة تحتضن الدورة الأولى لمهرجان فيوجن المغرب 2025    باختياره المغرب ضيف شرف، يحتفي مهرجان باريس للكتاب ب "قوة" و"حيوية" المشهد الأدبي والنشر في المملكة (رشيدة داتي)    لقاءات مغربية-ألمانية في برلين حول فرص الاستثمار في المغرب    المغرب والفليبين يحتفلان بنصف قرن من العلاقات الدبلوماسية    لإطلاق تراخيص البناء.. الموافقة على تحديد مدارات 56 دوارًا بإقليم الفحص-أنجرة    فليك سعيد برباعية دورتموند ويحذر لاعبيه من التخاذل إيابا    ماكرون: فرنسا قد تعترف بدولة فلسطينية في يونيو    نهضة بركان يتأهل إلى نصف نهائي كأس الكنفدرالية الإفريقية        مظاهرة حاشدة أمام السفارة الجزائرية في باماكو    "الهاكا" تلزم "دوزيم" ببث الأذان صوتيًا    مرشح ترامب لرئاسة وكالة "ناسا" يعطي الأولوية للمريخ    شباب قسنطينة: مواجهة بركان صعبة    "العدل الدولية" تنظر اليوم في شكوى السودان ضد الإمارات بتهمة "التواطؤ في إبادة جماعية"    توقيع اتفاقية شراكة بين الجامعة الملكية المغربية للشطرنج والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدرالبيضاء سطات    مصطفى لغتيري يثري أدب الصحراء    المغرب يحفز نقاشات أكاديميين أفارقة وأمريكيين حول "آداب الاغتراب"    ليفربول يتقدم في التفاوض مع صلاح    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سبيلا: مسار مفكر وأستاذ جيل .. عبد السلام بنعبد العالي : محمد سبيلا والكتابة الفلسفية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 09 - 2010

على مدى ثلاثة أيام اجتمع عدد من الباحثين والمفكرين المغاربة في ندوة أقيمت بكلية الآداب بمكناس للنظر في الرصيد الفكري والثقافي للمفكر المغربي الدكتور محمد سبيلا، وذلك تكريما لهذا المثقف الذي يعد من بين من أرسوا أسس الدرس الفلسفي بالمغرب الحديث.
الندوة التي حملت موضوع «محمد سبيلا: مسار مفكر وأستاذ جيل» طرحت أسئلة عريضة على الفكر الفلسفي بالمغرب من خلال أعمال محمد سبيلا الذي ظل حاضرا في الفكر الفلسفي المغربي المعاصر لمدة تزيد عن أربعين سنة تدريسا وتأليفا ومطارحات.
وقد برهنت أشغال الندوة على شخصية محمد سبيلا الفكرية تتسم بالغنى والتنوع. فقد خبر العمل السياسي بالموازاة مع نشاطه الفكري، وتحمل مسؤوليات حزبية في أوج المد اليساري بالمغرب. ولكن هذا لم يلهه عن دوره الأساس في أداء رسالته كأستاذ وباحث في الخطاب الفلسفي. ومن الطبيعي نظرا لاتساع الحيز الزمني الذي تغطيه تجربة سبيلا أن تتسم الأعمال التي أنتجتها بالتنوع من حيث الاهتمامات والاختلاف في المقاربات، وهو ما عكسته أعمال الندوة التي بلورت عدة مداخل للنظر في أعمال محمد سبيلا.
ويفضي تتبع أعمال الندوة التي شارك فيها عدد كبير من المفكرين والباحثين المغاربة، ومنهم من حضر وافدا من جامعات أوربية، إلى أن أعمال محمد سبيلا وإن تنوعت وتفاوتت واختلفت في مقارباتها وتحليلاتها، إلا أنها تندرج في إطار مشروع فكري ما فتئ يتبلور على مر السنين، محوره الحداثة وسلاحه العقلانية.
«الاتحاد الاشتراكي» تنشر، في حلقات، بعض المساهمات التي تفضل أصحابها بالموافقة على نشرها على صفحات الجريدة، والتي تعكس تنوع النشاط الفكري للدكتور سبيلا، وتعدد زوايا النظر التي يمكن قراءته من خلالها.
كلمات التكريم من الكلمات التي ليس من اليسير القاؤها، ومن النصوص التي ليس من السهل كتابتها. فهي مثل معظم خطابات التمهيد والافتتاح تجمع بين الصعوبة والسهولة، بين العمق والسطحية، بين الذاتي والموضوعي، بين ما يجمع وما يفرق.
هذه الصعوبات، لا شك أنكم تدركون أنها تواجهني أنا بشكل مضاعف، بالنظر أولا وقبل كل شيء الى المدة الزمنية التي قضيتها مع السي محمد، زميلا في المرحلة الطلابية وزميلا في الحياة المهنية، والأهم من ذلك ربما زميلا في الكتابة والتأليف.
تعرفت على سبيلا عندما التحقت بالسنة التحضيرية بكلية الآداب بالرباط سنة 1963 . لست أذكر بالضبط أين ومتى كان لقاؤنا الأول، غير أن ما هو أكيد ان كلا من كان في تلك السنة التحضيرية، وهي كانت مختلطة لا تضم الفلاسفة وحدهم، بل كل من كان في الكلية آنئذ، كان يعرف سبيلا، نجم الحركة الطلابية أولا، ولكن أيضا لأنه كان، وبمعيار الوقت آنئذ، واستعارة لعبارة عادل امام، «لأنه كان على خلق».
عتدما اقترح عليّ الأستاذ أندلسي المساهمة في هذا المحفل الفكري، انصرف ذهني الى طرق مسألة كنت دائما أشعر أن شيئا ما يجعلني أخالف فيها الأخ محمد، وهي مسألة التمييز بين الحداثة وما بعدها، وبالتالي مسألة تحديد الحداثة ذاتها.
كنت أشعر أن السي محمد أكثر مني اصرارا على التقطيع الى مراحل، وأكثر الحاحا على ابراز المحددات التاريخية، بل التأريخية، وأنني أنا، وأعوذ بالله من قول أنا، ربما كنت أكثر نفورا من النظر الى الزمان كأنماط متمايزة، وأميَل الى اعتبار الحاضر بونا ومباينة وتباعدا.
غير أن هذا الحفر تنقيبا عن نقاط الخلاف في مسألة الحداثة والتحديث، بدا لي مفتعلا ان هو لم يجد فرشته في نقاط التقاء، فنحن، المشتغلين بالفلسفة، أدرى من غيرنا بأن ما لا يجمع لا يفرق.
لذلك وجدتني أتخلى عن طرق مسألة الزمانية هاته، وعن الدخول في التحديدات والتمييزات والفروق، و أبحث في ما يجمعني بالسي محمد. وقد تبين لي أن أهم نقطة نلتقي عندها ربما هي انصرافنا معا عن الكتابة الفلسفية في شكلها المعهود ومنابرها المألوفة، و انتهاجنا سبيلا في التأليف والنشر ينزل الفلسفة من عليائها، ويخرجها عن معهودها، ليقحمها في اليومي.
من أجل ذلك سأحاول هنا أن أبرر مسعانا هذا بالوقوف عند شكل الكتابة والتأليف الذي دأبنا عليه، وتبرير تلك الممارسة الوقحة بعض الشيء، التي تمثُل في نوع من الابتعاد عن الكتابة الفلسفية الرصينة، والميل الى تجميع ومضات فكرية لا تخضع لقواعد لعبة التأليف المعهودة، وخصوصا الفلسفي منه. بل انها تتخذ وسائل نشر منابر ما كانت الفلسفة لترضى بها حتى وقت غير بعيد. وبالمناسبة فقد كان السي محمد ربما من بين الأوائل الذين أنزلوا الفلسفة عندنا الى الصحافة حتى لا نقول صحفوها.
لن يتعلق الأمر بطبيعة الحال، بعرض نظري حول الكتابة وحواملها، ولا حول الكتابة المقطعية، والتوقف عند المفكرين الذين أرسوا أسسها الفلسفية ابتداء من الرومانسيين الألمان حتى رولان بارط، اذ أن ذلك لن يكفي لتبرير ما اذا كان هذا الشكل هو الطريق الأنسب للكتابة الفلسفية في عالمنا العربي الذي يظهر أنه في حاجة ماسة الى كتابات نمهيدية تعليمية تحترم قواعد التأليف والنشر المعهودين.
يجد هذا الأمر تبريره اذا استحضرنا خصوصية الممارسة الفلسفية عندنا وما تعرفه من صعوبات تتمثل أساسا في غياب الدرس الفلسفي في كثير من معاهدنا العربية، هذا الغياب الذي لا بد من التذكير بالفضل الذي كان لسبيلا على النضال من أجل مقاومته، كما تتمثل في عدم مواكبة برامجنا لمستجدات ذلك الدرس، فضلا عن عدم التوفر الكافي لأمهات النصوص بلغة متيسرة، الأمر الذي يحول دون ممارسة الفلسفة تفكيرا وتدريسا وربما كتابة و تأليفا.
قد يبدو مبررا أول اذن لانتهاج هذا النوع من الكتابة التي لا تخضع لقواعد الدرس والتأليف والنشر التقليدية هو ايجاد منفذ يجعل كل هذه العوائق التي أشرنا اليها لا تقف حجر عثرة الا أمام شكل من أشكال الممارسة الفلسفية، أي ما يُدعى عادة كتابة رصينة، أعني تلك الكتابة التي تحرص على توظيف معرفة فلسفية دسمة، وتنصب على تاريخ الفلسفة وتنقب في نصوصه. لكننا نعلم أن تاريخ الفلسفة ذاته ، غربيَّه وعربيَّه، قد عرف ممارسات وأشكالا للكتابة على هامش ما يمكن أن ندعوه تاريخا رسميا. الا أن الأهم من ذلك هو أن الفكر ذاته عرف هو كذلك، لا تحولا في الشكل والأسلوب فحسب، بل حتى في المحتويات والمرامي. فهو لم يعد اليوم يتعقب الأخطاء وينشغل بوضع قواعد لتوجيه العقل، كما لم يعد ينحصر في النقد و تبيّن حدود الصلاحية، وانما أصبح مقاومة، ومقاومة تكافئ في عنادها لا صلابة الأخطاء، ولا قوة الأوهام ومكرها، وانما ما يدعوه دولوز الترهات والحماقات واللامعقول.
مقاومة الترهات واللامعقول ربما لا تكفيها رصانة العقل الديكارتي، ولا حتى صرامة النقد الايديولوجي وشراسته، وانما هي تحتاج، ولنقل فضلا عن ذلك، تحتاج ربما لعقلانية ماكرة ساخرة تقف عند ومضات الحياة المعاصرة، لا لتترصد أخطاء المعارف، ولا لتكتفي بفضح أوهام الايديولوجيات، وانما لتقوم بنوع من «التشريح» كما يقول أحد العناوين الصغرى لكتب السي محمد، ورصد «منطق الخلل» الذي يهيمن على تلك الحياة ويطبعها. الا أن ذلك لا يعني البتة اهمالا للفلسفة وتاريخها. فليست السخرية المقصودة هنا استهتارا، وليست محاولةُ رصد منطق الخلل خللا منطقيا. كل ما في الأمر هو أن النص الكلاسيكي، مضمونا وشكلا ربما لم يعد كافيا لمتابعة نبضات الحياة المعاصرة، وأن الوقوف عند تلك النبضات يقتضي كتابة ليست أقل رصانة، وانما أقل رزانة، وأقرب الى المرح الديونيزيسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.