كشف فيلم وثائقي، لأول مرة، استعمال الغازات السامة ضد الريفيين في 1923، كانتقام من هزيمة أنوال النكراء. وقال أصحاب الفيلم إن المغرب لم يسمح بالتحري في هذه الحرب القذرة. جريدة لافانغوارديا خصصت ملفا حول الموضوع يعيد تفاصيل هذه الحرب القذرة التي استعملت خلالها القوات الإسبانية الغازية سلاحا محرما لم يسثني السكان المدنيين ، حرب لم تسلط عليها الأضواء وظلت نتائجها والأضرار التي ألحقتها بالسكان والطبيعة طي الكتمان ينحدر طارق الادريسي من مدينة الحسيمة، بمنطقة الريف، عندما كان طفلا استمع إلى الحكايات الشبيهة بالأساطير التي كان يرويها الشيوخ عن تلك الأيام التي كان السم أو «الرهج» يسقط من السماء . كان الناس يموتون بطريقة مروعة والجثت متراكمة ، وكانت تلك طريقة جديدة للموت . وكما كانوا يجكون ، فإذا لمس أحدهم حجرة كان يحترق، وإذا شرب من ماء الغدير يتسمم . كان ذلك شبيبها برائحة الدواء والعديد من السكان قضوا وقتا طويلا يسعلون إلى أن فارقوا الحياة ، أما الناجون فقد أصيبوا بالاختناق والعمى ، ومع مرور الوقت تضاعفت حالات الإصابة بالسرطان مقارنة مع المناطق المغربية الأخرى . عندما كبر ، سعى طارق ليعرف من أين تنتهي الأسطورة وأين تبدأ الحقيقة حول ما كان يسمعه وهو صغير. ظاهريا كان هناك فقط الصمت والنسيان، وهكذا سيباشر التحقيق حول الموضوع برفقة الصحافي خافيير رادا، حيث قام بلقاء الشهود القليلين الذين مازالوا على قيد الحياة ، وتجاوز سنهم المائة عام ، مستعينان في ذلك بالنصائح الثمينة لمؤرخين مثل «ماريا روزا ديمادارياغا» و« سيباستيان بالفور» الذين سبق أن قاما بتحقيق حول الموضوع . هذا الجهد سيسفر عن فيلم وثائقي بعنوان «الرهج» أي السم، وقد تم بثه عبر شبكة الإنترنيت ،لمواجهة، وقد نجح في ذلك، حصار السوق ولامبالاة القنوات التلفزية . يثبت « الرهج» للمرة الأولى للجمهور الواسع الحقيقة حول وقائع لم يسبق لإسبانيا أن اعترفت بها رسميا ويتعلق الأمر بإقدام الجيش الإسباني بين 1923 و 1927 بقصف سكان الريف المدنيين بواسطة الغاز . لقد لجأت إسبانيا إلى استعمال الأسلحة الكيماوية رغم أنها محرمة حسب معاهدة فيرساي لسنة 1919. لقد كانت أول عملية لقصف السكان المدنيين بالسلاح الكيماوي في التاريخ، كما كتب سفين ليندكفيست في كتابة عن تاريخ القصف ، وقد كان قصف الشاون سابقا عن الغارة التي استهدفت مدينة غرنيكا الإسبانية من طرف النازيين ، ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن الاهتمام العالمي الذي قوبل به وماتزال تدمير غيرنيكا لا يوازيه سوى الصمت الكئيب والمستمر حول مأساة الريف المتواصلة . فبالإضافة إلى قصف السكان بغاز الخردل في العشرينات لابد من الإشارة إلى أن العديد من سكان الريف تم استخدامهم من طرف فرانكو كوقود مدافع خلال الحرب الأهلية الإسبانية .... القنابل التي قصف بها الريف تم تركيبها في مليلية بعد حشوها بمواد كيماوية قادمة من مدينة هامبورغ الألمانية . بعد ذلك عم الصمت، كما تؤكد المؤرخة «ماريا روزا ديمادارياغا» والمتخصة في العلاقات الإسبانية المغربية، والتي من بين مؤلفاتها كتاب «حروب الريف وعبد الكريم الخطابي النضال من أجل الاستقلال»، حيث تؤكد : «على الرغم من أنه خلال سنوات حرب الريف كانت بعض الصحف تتحدث عن ضرورة استعمال الغازات السامة للقضاء في أقرب وقت على المقاومة الريفية، فإنه بعد أن شرع في استعمالها فعليا خلال العمليات العسكرية عم الصمت . والمثير أن سكان الريف لم يكونوا بدورهم يتحدثون عن الموضوع . لقد ساد نوع من التواطؤ الغريب . وبالطبع فقد كان هناك في إسبانيا كما في الريف من يعرف ماذا حصل لكنهم فضلوا عدم التحدث عن ذلك» علاوة على ذلك، ترجع «ماريا روزا ديمادارياغا» هذا الصمت إلى الجهل : خلال مدة طويلة لم يتم التطرق إلى الموضوع لأن عدد كبيرا من الناس لم يكونوا على علم . الكاتب رامون ج سيندر ، سيشير إلى استعمال غاز الخردل في معركة « تيزي عزا» 5 يونيو 1923 ، وذلك في روايته « مغناطيس» ، وهو ما أشار إليه أيضا « هيدالغو ديسنسيروس» في كتابه « تغيير المسار» الذي نشر للمرة الأولى في بوخاريست سنة 1964. أما أول من حمل الموضوع إلى مستوى البحث التاريخي فهما الألمانيان «روبيدرت كنزي» و«رولف دييتر مولر» في كتابهما « الغاز السام ضد عبد الكريم ، ألمانياوإسبانيا واستعمال الغاز في المغرب 1922-1927» الذي نشر في 1990، دون أن تتم ترجمته إلى الإسبانية . بعد ذلك بدأ عدد من الكتاب يهتمون بالموضوع ، حيث تطرق بعضهم إليه بطريقة عرضية وآخرين بطريقة ظرفية» وحول الأهمية التاريخية للتحقيق والإقرار علانية باستعمال الأسلحة الكيماوية في الريف، فإن متخصصا آخرا حول الموضوع ، سيباستيان بالفور، الأستاذ بمعهد الداسات الاقتصادية بلندن، يؤكد أنها صادمة «الموضوع له أهمية كبرى، أولا لأن استعمال الأسلحة الكيماوية كان محرما دوليا، وقد استعملته الدولة والجيش الإسباني بطريقة سرية بدعم ثقني ولوجستيكي من طرف ألمانيا ، رغم ضرورة نزع سلاح هذه الأخيرة كما نصت على ذلك اتفاقية فيرساي . ثانيا لأن الاستعمال الواسع للأسلحة الكيماوية ، بنظري ، ساهم في شيوع سلوك وحشي داخل صفوف الجيش الاستعماري مما كانت له تداعيات على الحرب الأهلية . وتؤكد مصادر رسمية إيطالية أن موسولينياستجاب لطلب فرانكو وأمر بتسليم أسلحة كيماوية لقوات هذا الأخير سنة 1936، بالإضافة إلى ثقنيين، وهي الأسلحةالتي لم يتم استعمالها لأسباب لوجستيكية . ثالثا يتعلق الأمر بالآثار المترتبة عن استخدام غاز الخردل في الريف وخاصة مناطق أخرى من الحماية ، مثل أنجرة القريبة من طنجة ، والتي كانت لها آثار مدمرة على الطبيعة والسكان» من الصعب تقييم مدى اتسعاع نطاق هذه الغارات والأضرار المترتبة عنها، وفي هذا الإطار تؤكد ماريا ديمادارياغا: «عدد الحضايا يرجح أنه كان مرتفعا، ليس فقط في صفوف المتحاربين بل أيضا في صفوف المدنيين، رغم أنه من غير الممكن تقديم أرقام مدققة . وقد كان العدد سيرتفع لو أن الغارات كانت شاملة عوض أن تكون انتقائية ، وذلك لأسباب تقنية وسياسية . وإذا كانت الأضرار التي خلفتها الغازات وخصوصا غاز الخردل على المدى القريب معروفة فإنه من الصعب معرفة الأضرار التي يمكن أن يؤدي إليها على المدى البعيد ، لأن ذلك يتطلب متابعة وضعية الأشحاص المتضررين ، وهو الشيئ الذي لم يتم مع أي أحد في حينه . كما أنه سيكون من المخاطرة ، كما يفعل البعض بدون أي سند علمي ، إرجاع حالات الإصابة بالسرطان في الريف حاليا إلى الأضرار التي خلفتها الغارات قبل ثمانين عاما» من جهته يؤكد بالفور« من الصعب تحديد مدى الضرر الذي خلفته الغارات، لأن الأدلة غير مباشرة، فهي تعتمد فقط تقريبا على الذاكرة الجماعية في المناطق المقصوفة، ويرجع ذلك جزئيا إلى كون الدولة المغربية لا تسمح بالتحقيق حول هذه الحرب.....» ويضيف بالفور « هناك أدلة كافية للقيام بمزيد من البحث أولا : السرطان فعلى الأقل تشير المصادر الشفوية إلى ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في صفوف الناجين من الغارات . أكثر من ذلك فإن حالات الإصابة بالسرطان في صفوف الأطفال بمستشفى الرباط ، الوحيد المخصص لهذه الحالات ، تؤكد أن نسبة المصابين مرتفعة في الريف أكثر من أي منطقة أخرى في المغرب . إن التجارب العلمية تؤكد أن غاز الخردل يؤدي إلى الإصابة بالسرطان ، لكن التجارب التي أجريت على الحيوانات تؤكد أيضا الجينوم يمكن أن يورث للأطفال ، وبالتالي الإصابة بدورهم بالسرطان رغم أنه لم يتم إجراء أي تجارب مماثلة على البشر، إنه موضوع أتمنى أن أبحث فيه رفقة العلماء الفرنسيين الذين يدرسون أثار استعمال الأسلحة الكيماوية في الجزائر . ثانيا : الأضرار التي ألحقتها الأسلحة الكيماوية بالطبيعة: من الصعب معرفة ذلك ليس فقط بسبب العقبات التي تفرضها الدولة على أي بحث ، ولكن أيضا لأنه من غير المتاح تحديد الأسباب التي أدت إلى نقص إنتاجية الأراضي الزراعية في الريف.» وفي الوقت الذي يتواصل فيه البحث التاريخي ومطالب الجمعيات الريفية يؤكد بالفور «ما يمكن التأكيد عليه هو أن استخدام غاز الخردل كان مرتفعا جدا في هاتين السنتين، وانخفض كلما توغلت القوات الاسبانية المناطق المناوئة، لأسباب واضحة. إننا نتحدث هنا عن استخدام مئات الآلاف من الكيلوغرامات من غاز الخردل : في اليومين الأولين من الحملة ، بين 22 و 23 يونيو 1924 ، أطلقت 10 آلاف كيلوغراما من غاز الخردل. وكانت الغارات تقريبا يومية حتى بداية 1926 ، عندما بدأ استخدامها بشكل متقطع» عندما يتم التغلب على جدران الصمت فإن الجمهور يتلقى بشغف الحقائق التي ظلت مغيبة . وحسب خافيير رادا ، المساهم في شريط « الرهج» فإنه منذ أن أصبح العمل متاجا عبر الأنترنيت ، تضاعف اهتمام الناس بشكل سريع . وفي الريف هناك إرادة اجتماعية كبيرة لمعرفة المزيد ، وقد ظهرت هناك جمعية للدفاع عن ضحايا الغاز السام في الريف ، ولقد تمت مشاهدة الشريط في إسباينا كما هو الشأن في المغرب ، في الناضور والحسيمة ، وقامت جمعيات ريفية ببيعه في هولاندا وبلجيكا لأهداف خيرية . بعد بث الشريط الوثائقي ، فإن سكان الريف ، الذين يعيش عدد كبير منهم في أوروبا، أنشأوا موقعا على الفيسبوك يطالبون عبره بضرورة اعتراف إسبانيا بجريمة الحرب هذه . وحول هذه القضية تقدم حزب « إسكيرا ريبوبليكانا» الكاطالاني في 2007 بمقترح غير قانون في البرلمان لدفع الحكومة الإسبانية إلى الاعتراف بهذه الوقائع وتعويض الضحايا ، لكنه رفض من قبل نواب الحزب الاشتراكي العمالي والحزب الشعبي . وأخيرا لقد أصبح الشريط الوثائقي في حوزة جامعتي هارفارد وشيكاغو كما أن أساتذة من الولاياتالمتحدةوألمانيا يطالبن به للاستعانة به في الدروس التي يلقونها في جامعاتهم ، فهناك اهتمام كبير بالموضوع خارج اسبانيا رغم أنه كان حاضرا في عدد من المهرجانات بها.