دخلت قضية النصب على مديرية الضرائب بمدينة طنجة منعطفا حاسما من شأنه أن يكشف عن الخبايا الحقيقية لملف هز الرأي العام المحلي بمدينة البوغاز، فقد قررت استئنافية طنجة الاستماع، في الجلسة التي ستنعقد يوم فاتح شتنبر، لكل الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في محاضر الشرطة القضائية والذين تم إغفال الاستماع إليهم في المرحلة الابتدائية، كما أن محكمة الاستئناف قررت ضم شكاية جديدة للمطالب بالحق المدني، المقاول حسن الشبيهي، يؤكد فيها تعرضه لضغوطات رهيبة من عدة أطراف من بينهم ضباط شرطة زاروه بالسجن في محاولة لإقناعه بضرورة تغيير أقواله وعدم ذكر بعض الشخصيات النافذة بمدينة طنجة أثناء المحاكمة. أصل الحكاية بتاريخ 18 غشت 2008 تقدم قابض الضرائب بطنجة، خالد الحمين، إلى وكيل جلالة الملك بالمحكمة الابتدائية بطنجة بشكاية ضد شركة «أولينس ميلتيسرفيس» في شخص ممثلها القانوني حسن الشبيهي الذي قام بأداء واجبات ضريبة الأرباح العقارية بالنيابة عن خمسة ملزمين وهم: محمد الفحافح، سعيدة تاشفين، أسية شبعة الحضري، محمد صروخة الجباري ومحسن بولعيش التيجاني بواسطة شيكين رقم: 7325549و 7325550 مسحوبين على البنك الشعبي بقيمة 875 مليون سنتيم للشيك الأول و91 مليون سنتيم للشيك الثاني. وبما أن الوكالة البنكية أرجعت الشيكات بتاريخ 2008/07/29 (تذكروا هذا التاريخ جيدا) بحجة عدم كفاية الرصيد، وحفاظا على حقوق الخزينة، فإنه يهيب من السيد وكيل الملك اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في حق الشركة المذكورة. بعد إلقاء القبض على المتهم، حسن الشبيهي، تم تقديمه للمحاكمة حيث اعترف بأن الشيكات تخصه ومن حسابه الخاص وموقعة من طرفه، فتمت إدانته ابتدائيا بالسجن لمدة ثلاث سنوات وفق منطوق الحكم الصادر بتاريخ 2008/11/10 تحت عدد 2051 ورفعت العقوبة إلى أربع سنوات في المرحلة الاستئنافية حسب الحكم الصادر تحت عدد 48 بتاريخ 2009/01/12 . القضية ستعرف منعطفا جديدا بعدما تقدم، حسن الشبيهي من داخل السجن بطنجة، يوم 2009/ 04 / 24 بشكاية موجهة لوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية من أجل النصب والتزوير واستعماله ضد السيد محمد أشرنان، باعتباره صاحب مكتب للمحاسبة مكلف بمسك حسابات شركة حسن الشبيهي، وضد الملزمين الخمسة بالإضافة إلى قابض إدارة الضرائب بطنجة، فتح لها ملف تحت عدد 2293/ 09 . حسن الشبيهي سيؤكد في شكايته أنه لا يعرف أي واحد من الملزمين ولم يسبق له التعامل مع أي واحد منهم وأنه كان ضحية محمد أشرنان الذي أوهمه بالتوسط له في الحصول على صفقات كبيرة في مجال البناء وطلب منه تسليمه شيكين على بياض كضمان للحصول على صفقتين كبيرتين. وعن عدم كشف هذه المعطيات أثناء محاكمته، أكد الشبيهي أنه فور اعتقاله اتصل به أشرنان وطلب منه عدم الإفصاح عن إسمه حتى يتمكن من تدبير أمر الشيكين وان من مصلحته السكوت لأن الملف وراءه أناس ذوو نفوذ وجاه وسلطة، لكن بعدما حوكم ابتدائيا واستئنافيا وتأكد من كونه ذهب ضحية نصب وخيانة الأمانة قرر كشف المستور. الشرطة القضائية استمعت إلى الملزمين الخمسة الذين أكدوا لها ما يلي: - أسية شبعة الحضري، صرحت بكونها لا تعرف كلا من حسن الشبيهي ومحمد أشرنان، وعن العقار الذي قامت ببيعه بتاريخ 2008/07/11، أكدت أن زوجها عبد الوهاب لاريني هو من تكلف بإتمام إجراءات البيع وأداء المستحقات الضريبية. هذا الأخير صرح للشرطة القضائية بكونه لا يعرف الشبيهي وأشرنان، وعن ضريبة الأرباح صرح بكونه سلم المبلغ المستحق عليه (17 مليون سنتيم) إلى العدل حسن المقري الذي تكلف بتسوية الأمر لدى الضريبة وبعد أيام تسلم عبد الوهاب لاريني من العدل حسن المقري بوصل يفيد بأداء المستحقات الضريبية مسلم من إدارة الضرائب. - سعيدة تاشفين أنكرت معرفتها بالشبيهي وأشرنان، وعن العقار الذي تملكه مناصفة مع أسية شبعة الحضري، أكدت أن زوجها حميد بنيامنة هو من تكلف بإتمام إجراءات البيع، هذا الأخير أكد أنه سلم مبلغ 17 مليون سنتيم إلى العدل حسن المقري الذي تكلف بتسوية الأمر لدى إدارة الضرائب وأكد تسلمه لوصل الأداء من طرف العدل حسن المقري، كما نفى معرفته بكل من الشبيهي وأشرنان. - محمد الفحافح، بعدما نفى أي معرفة له بكل من الشبيهي وأشرنان، صرح بكونه يملك بقعة أرضية مساحتها حوالي 13 هكتارا مستخرجة من الرسم العقاري 72 T فوتتها له الأملاك المخزنية، وعندما علم بارتفاع قيمة الأرض بعدما وصل إليها مجال البناء قرر بيعها، وحيث أنه لا يمتلك أي خبرة في ميدان بيع الأراضي كتب توكيلا عاما لأحمد الإدريسي، مؤرخ في 14 يناير 2008 ومسجل تحت رقم 668، لإتمام إجراءات البيع لأنه يثق فيه ولكونه برلماني وله خبرة في أمور البيع والشراء، وأكد محمد الفحافح أن وكيله مكنه من ثمن البيع بعدما أخبره بكون جميع المستحقات الضريبية قد سويت وأضاف في تصريحه أن جميع الوثائق المتعلقة ببيع العقار لا زالت بحوزة وكيله أحمد الإدريسي؟؟؟.. - محمد صروخة أكد في محضر الاستماع إليه بكونه قام ببيع عقار عن طريق العدلين الحسين التلني وزودي العابد وقد قام العدلان باقتطاع مبلغ 20 ألف درهم كقيمة لضريبة الأرباح وتكلفا بتسوية الأمر لدى مصلحة الضرائب، لكن لم يتوصل بوصل الأداء، حيث كان العدلان يتهربان منه كلما طالبهما بالوصل، الملزم صروخة نفى أيضا أي علاقة له بكل من الشبيهي وأشرنان. - محسن بولعيش التيجاني، أكد أنه قام ببيع عقار يملكه بمنطقة المنار بطنجة سنة 2008 وأن العدلان محمد الصادق الوالي وحسن المقري قاما باقتطاع حواالي 53 مليون سنتيم نظير قيمة الضريبة على الأرباح وتكلفا بتسوية الأمر لدى مصلحة الضريبة، وبعد أيام سلماه وصلا يفيد بتسوية الضريبة، لكن محسن بولعيش فوجئ بإشعار من مصلحة الضرائب تطالبه بضرورة أداء قيمة الضريبة على الأرباح، فقام بتسجيل دعوى بالمحكمة الإدارية لكونه يتوفر على وصل يفيد أداء الضريبة، عندها سيستدعيه المدير الجهوي لمصلحة الضرائب وطلب منه تسوية الأمر حبيا وأكد له أن هناك لبسا في الموضوع، حيث سيتم إعفاؤه من واجب أداء الضريبة وطوي الأمر، بولعيش نفى كباقي الملزمين معرفته بكل من الشبيهي وأشرنان. كما تم الاستماع إلى قابض إدارة الضرائب خالد الحمين وإلى رئيس مصلحة الجهوية للتفتيش بمصلحة الضرائب سيدي محمد ادريسي، فأكدا أنهما لا يتحملان مسؤولية تسلم الشيكين موضوع القضية وأن الموظف محمد الويداني هو من قام بتحصيل الشيكين المذكورين، وأكدا أن هذا الأخير تم تنقيله إلى مدينة الرباط دون معرفة الأسباب الحقيقة وراء قرار النقل؟؟؟... التحقيقات التي بوشرت في القضية أفضت إلى متابعة محمد أشرنان بتهمة النصب والتزوير في محرر بنكي ومتابعة إثنين من مساعديه هشام أبو علي ويوسف بوخيزو بتهمة المشاركة في النصب وتزوير محرر بنكي، حيث صدر حكم ابتدائي يوم 08 أبريل 2010 قضى بمتابعة المحاسب محمد أشرنان بتهمة النصب وتبرئته من تهمة التزوير في محرر بنكي والحكم عليه بثلاث سنوات حبسا نافذا بعدما اقتنعت المحكمة بأن هناك اتفاقا وعلم للمشتكي حسن الشبيهي بكون الشيكات ستقدم إلى إدارة الضرائب، في حين صدر حكم ببراءة هشام أبو علي ويوسف بوخيزو. الملف يدخل منعطفا جديدا في المرحلة الاستئنافية خلال محاكمة المتهم محمد أشرنان ومن معه ابتدائيا، لم تقم المحكمة الابتدائية باستدعاء الملزمين الخمسة الذين استفادوا من أداء ضريبة الأرباح بواسطة شيكات حسن الشبيهي، كما لم تستمع المحكمة لإفادة العدول الذين قاموا بالإشهاد على عملية إبرام العقود وتسلموا مبالغ الضريبة من الملزمين، وهو ما اعتبره دفاع حسن الشبيهي خللا ينبغي تصحيحه. هذا الاختلال ستتداركه محكمة الاستئناف التي قررت استدعاء جميع المصرحين الذي استمعت إليهم الضابطة القضائية وقاضي التحقيق بعدما التمس ذلك الوكيل العام ودفاع حسن الشبيهي، ومن شأن الاستماع إلى إفادة المصرحين أن تنير الكثير من الملابسات التي تحيط بهذا الملف المتشابك. محكمة الاستئناف قررت أيضا ضم شكاية أخرى إلى الملف، قدمها المطالب بالحق المدني حسن الشبيهي، تحدث فيها عن تعرضه لضغوط مورست عليه من طرف المشتكى به وبعض رجال الشرطة القضائية الذين ضغطوا عليه للتراجع عن أقواله نظرا لكون الملف وراءه أناس ذوو نفوذ وحصانة، وأن من مصلحته التراجع عن أقواله، ويتحدث حسن الشبيهي عن زيارة احد ضباط الشرطة القضائية له في السجن بعد الحكم عليه في محاولة للضغط عليه وأنه يتوفر على اليوم والساعة للزيارة في السحن، مؤكدا أن أقواله ستؤكدها كاميرات المراقبة بباب السجن وداخله. وهي المعطيات التي قد تعصف برؤوس نافذة في حالة ثبوت صحتها. كما طالب حسن الشبيهي في نفس الشكاية بفتح تحقيق بشأن عقد الشراء الذي قام العدلان حسن المقري ومحمد الوالي بالإشهاد عليه يوم 15 يوليوز 2009 حيث بموجب هذا العقد قام محمد أشرنان ببيع بقعة أرضية إلى حسن الشبيهي عن طريق وكيله يوسف بوخيزو،علما أنه في تاريخ العقد كان حسن الشبيهي معتقلا بالسجن كما أن هذا الأخير لم يوقع أي توكيل ليوسف بوخيزو وهو بالمناسبة من ضمن المتابعين مع محمد اشرنان، الأخطر من ذلك أن العدلان على علم تام بكون حسن الشبيهي يوجد بالسجن في تاريخ التوقيع على العقد؟؟؟.. أسئلة تنتظر الجواب من خلال تتبع المسار الذي قطعه هذا الملف المتشابك، تنتصب العديد من الأسئلة من شأن الإجابة عنها أن تنكشف جميع خيوط هذا الملف الخطير: 1. موقف إدارة الضرائب يطرح العديد من التساؤلات، خاصة عندما سارعت إلى تنقيل الموظف، الذي قام بتحصيل الشيكين، إلى مدينة الرباط والحال أنه كان يفترض أن يتم وضعه رهن إشارة الشرطة القضائية وقاضي التحقيق لتقديم إفادته حول الموضوع، ألا يعتبر قرار التنقيل عرقلة لمسار التحقيق؟... 2 . الوكالة البنكية أرجعت الشيكات إلى مصلحة الضرائب بحجة عدم كفاية الرصيد بتاريخ 2008/07/29 لكنها قامت بوضع الشكاية لدى وكيل الملك بتاريخ 18 غشت أي بعد مرور 20 يوما، ألا يعتبر ذلك التأخير تهديدا لمستحقات الدولة؟ وهل كان ذلك مقصودا حتى يتم منح الفرصة لبعض المستفيدين من إتمام إجراءات البيع؟... 3 . بتاريخ 10 ابريل 2009 تقدم المفوض القضائي بوسلهام المعتوكي بناء على أمر رئيس المحكمة الابتدائية وبطلب من حسن الشبيهي، إلى المدير الجهوي للضرائب بطنجة قصد الحصول على العناوين الكاملة للملزمين الخمسة والذين تم أداء ضريبة الأرباح العقارية عنهم بواسطة شيكي حسن الشبيهي، لكن المدير الجهوي امتنع عن الجواب وعن تنفيذ الأمر الرئاسي دون إبداء أي مبرر قانوني، ألا يعتبر هذا الامتناع عرقلة لمسطرة التحقيق؟. 4 . لماذا لم تقم إدارة الضرائب بمتابعة الملزمين عند رجوع الشيكين من دون رصيد، وحصرت المتابعة في حق حسن الشبيهي باعتباره ساحب الشيكين؟. 5 . لماذا لم يتم الاستماع إلى إفادة أحمد الإدريسي الذي وكله الملزم محمد الفحافح لبيع العقار الحامل لرقم 05 والمستخرج من الرسم العقاري رقم 72، حيث ناهزت ضريبة الأرباح المتحصلة من هذا البيع 870 مليون سنتم. خاصة أن الملزم محمد الفحافح صرح في إفادته أنه قبض مبلغ البيع من طرف وكيله بعدما أخبره هذا الأخير أنه تكلف بأداء جميع المستحقات الضريبية، ألا تعتبر إفادة أحمد الإدريسي، في هذه النازلة، حاسمة لمعرفة مصير 870 مليون سنتيم؟. 6 . لقد ناهز المبلغ الذي ضاع على خزينة الدولة مليار سنتيم، لماذا لم يتم التحقيق في مسار هذه الملايين التي كان يفترض أن تتسلمها مديرية الضرائب ؟.. وهل تسلم فعلا المتهم محمد أشرنان من الملزمين أو من ينوبون عنهم المبالغ نقدا أم شيكات؟. 7 . بالنسبة للأرض التي باعها أحمد الإدريسي إلى مؤسسة عقارية عملاقة بمبلغ 43 مليار سنتيم وتمت إجراءات البيع عن طريق الموثق ألعمارتي، هل تسلم الموثق الإبراء الضريبي من البائع وبناء عليه تم استكمال إجراءات البيع وبالتالي تسلم البائع كل المبالغ المستحقة من البيع أم لا؟ وما هي مسؤولية الموثق في هذه العملية؟. 8 . بالنسبة للبقعة الأرضية التي باعها أحمد الإدريسي نيابة عن محمد الفحافح هي في الأصل في ملكية الأملاك المخزنية، تم تفويتها لوالد محمد الفحافح، وهو ما يطرح قانونية إعادة بيع أراضي تم تفويتها من طرف الأملاك المخزنية ؟. إن الإجابة عن هذه الأسئلة ستساهم ولا شك في سد الفراغات الكثيرة التي خلفتها المرحلة الابتدائية من هذا الملف الذي يحبل بالكثير من المفاجئات، خاصة بعد التماس الوكيل العام استدعاء كل من استمعت لهم الضابطة القضائية وقاضي التحقيق في هذا الملف، أي الملزمين والعدول الذين اشهدوا على عقود البيع، وهو الالتماس الذي استجابت له هيئة المحكمة الاستئنافية.