في أول الأمر تلقفت المنتديات والمواقع الإلكترونية، التي يديرها عرب ومسلمون، «الخبر» وكانت معبر تداوله على نطاق واسع في شبكة الإنترنيت، لتتناول المشعل بعدها الصحافة المكتوبة الناطقة بلغة الضاد، قبل تسليمه لعلماء الدين المسلمين. ثم قام الجميع، إلا من رحم ربك، بتنصيب محكمة تفتيش ورقية ورقمية حكمها جاهز مسبقا، يقضي بالإدانة التامة لما نسب للرئيس ساركوزي في مقال ساخر، دون التأكد من صحة «الخبر»، معتبرين إياه «تعديًا على الصيام والشريعة الإسلامية»، ومطالبين «حكام وعلماء الأنظمة العربية والإسلامية بمواجهة هذه التفاهات بالقانون، ومقاضاة ساركوزي لتعديه على حرية الأديان» (موقع الإخوان المسلمين نقلا عن عدد من علماء الأزهر والأوقاف). بل منهم من دعا إلى توجيه «صفعة» للذي وسموه ب «العلامة ساركوزي مفتي الديار الباريسية» والناطق باسم «مجمع إليزيه للفقه والشريعة» (جريدة الدار الخليجية)، «صفعة تعيده إلى بطن أمه ليولد من جديد على الفطرة» (جريدة الدستور الأردنية). لكن لنعد لبداية حكاية «الفتوى الساركوزية» التي أصبح، نظرا لتداعياتها، موقع غوغل يوفر ما لا يقل عن 136 ألف صفحة ومدونة كنتيجة للبحث فيه بواسطة مفتاح «صيام وساركوزي». في البدء، نشر مدون مغربي شاب يطلق على نفسه اسم أحمد، في مدونته الشخصية «عْلاش»، مقالا ساخرا ينبني على وقائع مُتخيَّلة مائة بالمائة، تخيل فيه أن الرئيس الفرنسي ألقى خطاباً في مسجد مارسيليا في بداية رمضان، سن ضمنه تشريعات جديدة للمسلمين الفرنسيين في الشهر الفضيل منها دعوتهم إلى تناول القهوة مع الكرواسان صباحاً، والتدخين خلال النهار، وإصدار قرار للمساجد بإغلاق أبوابها أمام الراغبين في أداء صلاة التراويح، مطالبا الأئمة بتلاوة القرآن الكريم وإقامة الصلاة باللغة الفرنسية، إلى غير ذلك من «القرارات السوريالية». بدون التحري اللازم، عثر العديدون على المقال المفبرك بهدف السخرية المحضة، في محرك غوغل، فحولوه إلى «خبر» بالمفهوم الإعلامي للكلمة يستحق التعميم والتعليق. ومما جعل النار تنتشر أكثر في هشيم الجسد الإعلامي الناطق بالعربية، كون موقع «سي إن إن العربي» نشر مقتطفات من المقال بدون الإشارة بتاتا إلى طابعه الساخر، مما دفع الكثير من المواقع الإخبارية والسجالية، وبعض الجرائد، إلى اعتماد القصة كحقيقة مطلقة. هكذا، على سبيل المثال، نشرت الجريدة الإلكترونية السعودية الشاملة «كل الوطن» في موقعها، يوم 18 غشت، مقالا «جادا وجديا»، موقعا باسمها و»وكالات»، عرضت فيه ملخصا للفتوى المزعومة للرئيس الفرنسي، قبل أن «تضع الخبر في سياقه» مضيفة: «وتأتي هذه «الفتوى» المثيرة للجدل في وقت يواجه ساركوزي انتقادات حادة بسبب سياسته تجاه الأجانب القاطنين في فرنسا، وخصوصا من ذوي الأصول العربية والإفريقية»، وموضحة: «في الأثناء دعا ما يسمى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» إلى الانتقام من فرنسا التي وصف رئيسها نيكولا ساركوزي بأنه «عدو الله»...» وإذا كانت الزميلة «العلم» قد تناولت الموضوع في صفحتها الأولى لعدد الخميس 19 غشت، خاتمة إياه ب» لله في خلقه شؤون»، فإن موقع «الإخوان المسلمين» على الإنترنيت استفتى العديد من علماء الأزهر والأوقاف حول النازلة، فأوضح «الشيخ عبد المنعم البري، رئيس جبهة علماء الأزهر الأسبق (...) أن مشروع ساركوزي (...) يأتي في سياق الحرب على الإسلام، مؤكدًا أن استخفاف حكام المسلمين بأصول وفروض الدين الإسلامي بخلق مشاريع غربية مثل الأذان الموحد، وكاميرات المراقبة على المساجد، ومنع الاعتكاف في شهر رمضان إلا بالبطاقة الشخصية دفع أعداء الأمة للتجرؤ على الصيام والقيام.» ومن جهته، ووفق ذات المصدر، «دعا الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية، حكام المسلمين إلى العودة لتطبيق شريعة إسلامهم، والاعتزاز والافتخار بها حتى يحترمنا الغرب وتقدرنا الحضارات المختلفة، مؤكدًا أن تخاذل حكام الأنظمة الإسلامية عن قضايا الأمة الرئيسية وتنازلاتهم المستمرة أمام تعدي الغرب على مقدساتهم وأراضيهم وحرماتهم، أدَّى إلى تمادي الغرب في إهانة الإسلام، وتشويه صورته (...).» أما الشيخ مدحت صالح غالي، رئيس قسم الثقافة بوزارة الأوقاف المصرية، فقد حذَّر، يضيف الموقع الإخواني،»من تمادي الاعتداء الغربي على الشريعة الإسلامية؛ ما يؤثر على استقرار العلاقات المحلية والعالمية بين المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى، وحكام الدول الإسلامية والغربية».