مكافحة الجريمة العابرة للحدود: توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسستي النيابة العامة بكل من المملكة المغربية ونظيرتها البلجيكية    منصات التواصل تشهد "تسونامي" من الصور التاريخية المزيفة المُبتكرة بالذكاء الاصطناعي    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    'معرض جيتكس دبي': وزارة الصحة تسلط الضوء على المشروع الملكي لإصلاح المنظومة الصحية            بركة: 780 مليون متر مكعب من المياه دخلت لسدود الجنوب الشرقي    المغرب يحتفل غدا الأربعاء بالذكرى ال49 للإعلان عن تنظيم المسيرة الخضراء المظفرة    المفوضية الأوربية تطرح قانونا جديدا يسرع ترحيل المهاجرين السريين    زخات قوية قد تكون عاصفية محليا يومي الثلاثاء والأربعاء بعدد من أقاليم المغرب        صناعة التفاهة.. تهديد صامت للوعي الاجتماعي    الدورة 14 من المعرض الجهوي للكتاب بمراكش    «أنا الموقع أدناه» ضيف «منتدى نساء المغرب» بأصيلة    بنجلون رئيسا لمجلس إدارة بورصة البيضاء    زمن الجماهير    هزة أرضية بلغت قوتها 4.4 درجات    فيضانات الجنوب الشرقي.. إطلاق صفقات تهم 71 مقطعا طرقيا و69 منشأة فنية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    اتهامات جديدة ضد مبابي: نجم ريال مدريد يرد على الشائعات    الوزير بنموسى يعلن في البرلمان عن خطة للنهوض بالرياضة بعد نكسة الألعاب الأولمبية    أسود الأطلس جاهزون لمواجهة إفريقيا الوسطى    أمير قطر يعلن عن تعديلات دستورية وطرحها للاستفتاء بعد موافقة مجلس الشورى    الضريرة مُعارَضة لقصيدة "الأرملة المرضع" لمعروف الرصافي    دراسة: زيادة نسبة تصادم المركبات بنسبة 45,8 بالمائة عند اكتمال القمر    شبح ارتفاع المحروقات يطارد المغاربة رغم توقعات الانخفاض العالمية    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم..    آيت الطالب.. الصحة بالحسيمة هي الأفضل في المغرب وهكذا سنعالج قلة الموارد البشرية    إيداع شاب ألقى قنينة مشتعلة على الموكب الملكي مستشفى الأمراض النفسية    لا خسائر مادية أو بشرية.. هزة أرضية بقوة 4.5 درجات تضرب إقليم إفران    مغاربة يحتجون تنديدا بمحرقة جباليا وتواصل المطالب بوقف المجازر وإسقاط التطبيع    الجزائر والكاميرون تلحقان ببوركينا فاسو إلى نهائيات المغرب 2025    مدرب غلطة سراي: "زياش لاعب مهم بالنسبة لنا ولديه شخصية قوية"    إسرائيل تواجه أكبر موجة هجرة في تاريخها برحيل 40 ألف شخص في عام واحد    الشامي: المغرب لا يستفيد من فرص سوق صناعة السفن.. 11 مليار دولار حجم سوق التصدير سنويا    حملة استنكار مغربية تقود إلى إلغاء حفل الجزائري الشاب بلال بميدلت    افتتاح الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الخامس والأربعين    الوزيرة بنعلي: 416 رخصة لاستيراد النفايات منحت مند عام 2016.. وهي عبارة عن إطارات مطاطية وبلاستيك ونسيج    نتنياهو: المصلحة تحدد الرد على إيران    أسعار النفط تتراجع بأكثر من 3 بالمائة    غوارديولا مرشح لتدريب المنتخب الإنجليزي    شكاوى جديدة ضد شون "ديدي" كومز بتهمة الاعتداء الجنسي على قاصر    الصحة العالمية: سنة 2024 شهدت 17 حالة تفش لأمراض خطيرة    دراسة: تناول كمية متوسطة من الكافيين يوميا قد يقلل من خطر الإصابة بألزهايمر    الراغب حرمة الله يعبر عن إعتزازه بالمكانة التي يوليها جلالة الملك لأبناء الأقاليم الجنوبية    توقعات احوال الطقس لليوم الثلاثاء        تشغيل الشباب.. بنسعيد: "استفادة حوالي 30 ألف شاب وشابة من برنامج في مجال التكوبن"    إصلاح قطاع الصحة في المغرب : تحديات وأفاق    "حوار" يناقش مستقبل الجالية بهولندا    دراسة: تناول كميات طعام أقل قد يكون له تأثير إيجابي على متوسط العمر المتوقع    دراسة: الذكاء الاصطناعي ساعد في اكتشاف آلاف الأنواع من الفيروسات    أعراض داء السكري من النوع الأول وأهمية التشخيص المبكر    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إدغار موران: هل يسير العالم إلى الهاوية؟ : الوقت الذي ستستعمل فيه القاعدة السلاح النووي، بدأ يلوح وشيكاً
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 18 - 08 - 2010

هل تسير حضارتنا رأساً صوب الهاوية؟ ذلك هو السؤال الذي أدار عليه إدغار موران، عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي، وأحد كبار المفكرين وأكثرهم أصالة في زمننا الحاضر، كتابَه الجديد، الذي نقدم له ههنا ترجمة عربية. إنه كتاب يجمل فكر صاحبه، من رحلة طويلة في مقاربة الواقع العالمي المتغير وسؤال الفكر الملاحق لتغيراته. والمؤلف يستعرض في هذا الكتاب أوجه الأزمة التي تتخبط فيها الحضارة الحديثة، ويتوقف بإسهاب عند الإصلاح الذي يقترحه للعالم ولنظم التفكير. ويقلب النظر في ظواهر بعينها، كالعولمة، وظهور «المجتمع العالم»، ويتمعن في الجواب الذي يمكن أن تقدمه «سياسة حضارية» في سياق ما بعد أحداث 11 شتنبر. ليخلص إلى نتيجة أنه لاسبيل لحضارتنا إلى الخروج من أنفاقها المسدودة بغير التحول.
هذا التدهور ينضاف إليه التدهور الحاصل في العراق وفي أفغانستان، وتدهور محتمل في باكستان وفي إيران، وهذه العوامل كلها تزيد في إحكام الدائرة المغلقة لصراع الخير والشر.
ولقد بدأ خطر جديد في التفاقم بنشوب حرب عند نهاية شهر شتنبر من العام 2007. فقد عن لجورج دابليو بوش، يدفعه الصقور الأمريكيون الذين لا يزالون محيطين به، أن يهاجم الصناعات النووية الإيرانية؛ عسى أن يكون له في ذلك العمل تعويض عن الفشل الأمريكي في العراق، ويكون فيه تقوية لإسرائيل بالقضاء على التأثير الإيراني على حزب الله اللبناني، وعلى الشرق الأوسط عامة، وهو عمل كانت سترحب به الممالك البترولية ومصر السنية، ولربما كان فيه سقوط لنظام آيات الله.
وقد رأى الداعون إلى الحرب كل ما في تلك العملية ربح في ربح، لكن عجزوا أن يروا المخاطر التي سيطلقون لها بها العنان. إن ذلك الحساب يهون من أمر ما قد ينجم عن تدخل عسكري : تدهور متزايد في العلاقات بين الغرب اليهودي والمسيحي وبين الشرق الإسلامي، وسيزيد ذلك التدخل من الهوة القائمة بين الشيعة والسنة، الذين باتوا اليوم متحدين بوعي إسلامي مشترك، بدل أن يخفف منها. وربما أدى ذلك التدخل إلى تقوية نظام آيات الله، بدلاً من أن يؤدي إلى إسقاطه. وسيشجع القاعدة وسائر الحركات الإرهابية الجهادية. وستكون فيه تقوية للوحدة الإسلامية، وإن خيل للمشجعين عليه أنه سيزيدها انقساماً على نفسها. وستتفاحش الدائرة المغلقة للإرهاب وإرهاب الدولة وسيزيد اتساعاً. وستصير الأنظمة والديكتاتوريون شديدو الضعف في العالم العربي إلى مزيد من الضعف، بدلاً من أن يزدادوا قوة في انخراطهم في التدخل الأمريكي. وأخيراً، وخاصة، فإن من شأن ذلك التدخل أن يفجر عواقب مترابطة لا عد لها ولا حصر.
حقاً إن الحكومات الفرنسية، في ما عدا الفرنسية، قد وعت بمخاطر التدخل المسلح ضد إيران. وقد عارضته قوى كثيرة. وفي الولايات المتحدة خسر معسكر بوش مصداقيته والمخاطرة العراقية لا تشجع على ركوب مغامرة أخرى. لكن ينبغي القول إن بوش قد دُفِع من قبل أن تنتهي ولايته إلى لعبة بوكر نهائية، خيل إليه أنه سيستعيد فيها وضعه. ومهما كان مدعو دواعي الاستعداد للقتال قلة، فإنهم يوجدون في صلب السلطة في الولايات المتحدة، وفي إسرائيل، وقد باتوا اليوم في قلب السلطة في فرنسا. وفوق ذلك، وبوجه خاص، فإن يقين الرئيس الإيراني بعجز الولايات المتحدة عن التدخل (العسكري في إيران) يشجعه على مواصلة استفزازاته، وتمنحه الشعور نفسه بالمناعة الذي كان يساور صداماً. هذه العوامل كلها تزيد في إطالة الدائرة المغلقة التي تقود إلى الحرب. وكلما زاد اقتناع الرئيس الأمريكي ب (قدرته على تحقيق) نجاح يسير ومربح من ضربه إيرانَ، كلما زاد اقتناع الرئيس الإيراني بأن الولايات المتحدة لن تقدم على قصف بلاده، وزادت زادت الاحتمالات بنشوب حرب. والواقع أن الاستعدادات العسكرية الأمريكية (للحرب) قد أوشكت على الانتهاء، وكما كان قبل اندلاع حربي الخليج الاثنتين، فقد بدأ الإعداد النفسي للرأي العام الغربي، ومنه الفرنسي، بأبواق تدعو إلى فكرة حرب، تعقبها تراجعات لذيذة عن فكر المفاوضات. والسؤال (المطروح) هو هل سيتم التدخل العسكري ضد العراق كما هو متوقع له، أم أنه سيلقى المنع. والراجح أن استفزازاً يقع على المصالح الخاصة الأمريكية، أو اعتداء جهادياً (على أمريكا) سيكون مفجراً للتدخل (العسكري). ومن الواضح أنه إذا اندلع النزاع، فإن التسابق صوب الهاوية سيزداد سرعة.
وهكذا، فالعداء الذي يترسخ ويتسع، من غير أن يقابل بردود أفعال، أو يقابل بأفعال للقضاء عليه، يزيد في مفاقمة الأزمة السياسية، وأزمة الوعي، وأزمة الفكر، وأزمة الحضارة، وتتضافر هذه الأزمات مع سائر الأزمات الأخرى، فتشكل الأزمة الأرضية الهائلة، التي تسير إلى تعمق وتفاحش. فهل إن الأزمة التي تسير إلى مفاقم تؤدي إلى كارثة،ة أم تؤدي إلى تجاوز؟
هل نمضي صوب كارثة تذكرنا بتلك الكارثة التي أوشكت تزيل الحياة من على وجه البسيطة في نهاية العصر الحجري الأول؟ ولقد كتبت النجاة لبعض الأنواع النادرة، ثم ظهرت أنواع جديدة. فهل سيكتب للبشرية أن تتحاشى الكارثة، أم أنها ستنطلق من جديد ابتداء من تلك الكارثة؟
لقد صرنا في بداية سديم. وقد يكون السديم مدمراً، وقد يكون توالدياً، وقد تكون تلك آخر فرصة للإفلات من الخطر النهائي. وقد باتت الكلمتان «ّالإصلاح» و»الثورة» اليوم غير كافيتين، وربما كان الأفق الوحيد المتاح هو التحول.
لقد سبق لنا أن قلنا في النص الأول «إلى الهاوية؟» : «عندما يصبح نظام من الأنظمة عاجزاً عن معالجة مشكلاته الحيوية، فإما أن يتفكك، أو يكون قادراً، حتى في تفككه، على أن يتحول إلى نظام فوقي أكثر غنى، قادر على معالجة مشكلاته. وههنا تكون فكرة رد الفعل الإيجابي فيدة لنا. ففي العالم المادي تقود التغذية الإيجابية الراجعة، لامحالة، إلى التفكك، أو تؤدي إلى الانفجار. وأما في العالم البشري، وكما نبه إليه ماغورو موروياما، فإن التغذية الإيجابية الراجعة يمكنها، في ما تفكك البنيات القديمة والشائخة، أن تكون باعثاً على ظهور تحولات قوية وتكون حافزاً على بعث وإحياء». ولنا في تحول الدودة إلى فراشة استعارة جديرة بالاعتبار. فعندما تدخل الدودة في الشرنقة، تبتدئ عملية من التدمير الذاتي لجسم الدودة فيها، ويتم في تلك العملية، كذلك، تكون جسم الفراشة، الذي هو، في آن معاً، الجسم نفسه، وجسم آخر غير جسم الدودة. وذلك هو التحول. إن تحول الفراشة هو تحول ما قبل منظم. وأما تحول المجتمعات البشرية إلى مجتمع عالم فهو شيء عرضي، وغير مؤكد، وخاضع لمخاطر السديم، مع أنه ضروري له».
إن الفخاخ المسيخة كثيرة ومتعددة، سواء صعيد العلوم والتقنيات، وعلم الحياوة، والتواصل...، كما مر بنا سابقاً، إن التبادلات الحضارية تخلق اتحادات، وتتعدد شتى أنواع الاختلاطات، وتطالعنا من كل الأنحاء آمال في حضارة مختلفة، وحياة مختلفة.
وبذلك، فالعملية نفسها تحمل في نفسها وعداً ووعيداً. إننا نسير إلى الهاوية، أو إلى الانمساخ. أو ربما نمضي من أحدهما إلى الآخر. وتلك معركة جديدة ورائعة في صلب البشرية، بين الإنسان باعتباره كائنا بيولوجيا إلى الإنسان باعتباره شيطاناً، حيث تسخر العقلانية المغلقة للشياطين، ويسخر الحب لخدمة الإنسان البيولوجي...
وأياً ما يكن، فينبغي لنا أن نقلع عن الحلم بعالم متحكم فيه، فها إن الجراثيم والفيروسات قد صارت تخرج وقد ازدادت قوة من كل ما يسعى إلى القضاء المبرم عليها. وستظل الصيرورة تحبل، على الدوام، بمجازفات ومخاطر وتقلبات، لكن يمكنه، كذلك، أن يحبل بقدرات إبداعية، وتطور للفهم والإدراك، والحلم والصلاح، ووعي إنساني جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.