يخصص جيل كيبل كتابه «يوميات حرب الشرق» لرحلته التي قام بها إلى مصر وسوريا ولبنان وقطر ثم الإمارت العربية المتحدة، قصد التقاط شهادات واعترافات من الطلاب والأئمة والمناضلين الإسلاميين من أجل فهم حقيقي لما جرى يوم 11 شتنبر 2001، وإلى أين انتهت كارثة الجهاد الإسلامي التي بدأت بمهاجمة نيويورك وآلت إلى انسحاق الطالبان ومطاردة بن لادن والانحطاط السياسي للتيار الإسلامي. يتأمل كيبل كل شيء في المدن الإسلامية التي زارها منذ عشرين سنة وعاد إليها ليجدها تتخبط في عصر ظلام غير مسبوقة. وشيء واحد لا يفارق فكره: هذه المدن هي العش الذي ولدت وترعرعت فيه أفكار التطرف الإسلامي. هذه المدن هي المقدمة الأولى التي أنتجت 11 شتنبر. نقدم هنا ، وطيلة شهر رمضان، ترجمة كاملة لكتاب كيبل الشيق. إلى ميشيل ماريان رجل الفكر الثلاثاء 16 أكتوبر. كلية الآداب بجامعة عين شمس القاهرية. أحببت دائما هذا الاسم الجميل المضيء لمكان حيث يتلقى الشباب المعارف. الاسم أيضا يمكن أن يعني « جاسوس الشمس»، وهو اسم أقل جمالا ويذكر بالمراقبة البوليسية وهيمنة المصالح السرية، الجزء القابع في الظل، وكم هو مظلم، زمن حكم عبد الناصر، حيث الظلمات لم تبدد كليا في أي مكان من المنطقة. قرب أبواب الدخول تقف شاحنات شرطة محاربة الشغب، بينها يتجول الطلاب والطالبات بمرح وسعادة وفوضى لا نظير لها في جميع جامعات العالم. أبو إسكندر، الذي يمر دائما من أمام الجامعة عندما يعود من هليوبوليس إلى القاهرة، جعل من هذا العبور عينته الشخصية لافتحاص يقيس به تقدم أو تراجع ترخيص ارتداء الحجاب الإسلامي. كنت أحذره من ترجيح الجانب الكمي في بحث على البعد كيفي البحت. يجب الاعتراف بأن الحجاب يجعلنا نضلل بسهولة أمام مظهر الطالبات في الشرق الأوسط. إن انفجار الفجور في الحرم الجامعي، في القاهرة، ودمشق، وبيروت، جعل من ارتداء الحجاب نفسه ينتهي بأن يصنف ضمن ملف الاستيهام غير المعلن عنه، عوض محو الأنوثة كما يريد الموالون. أنظروا إلى هذه المرأة الشبح المغلفة كليا بحجاب لا ينفتح إلا من شق أفقي تومض منه عينان سوداوان. تحيط بها رفيقات تبسط شعرهن المتموج ويتقدمن ببطء بمشية رشيقة تعطي قيمة لكل انحناءة يقوم بها الجسد المنحوت بلباس مضبوط إلى أبعد حد. محجبات و «عاريات» ( حسب تعبير المناضلين الإسلاميين) وكل مجموعة تريد التفوق على الأخرى، كل واحدة تظهر للأخرى ما تملك من نفائس،كل مجموعة تمارس الضغط على الأخرى، في تنافس أبدي الحركة. طيلة الدرس الذي يعطيه زميل وصديق لي، والذي استدعيت للمشاركة فيه، خضنا في نقاش حول الأحداث الحالية. وحده ثلث الفصل وجد أن بث تصريح أسامة بن لادن يوم 7 أكتوبر على قناة الجزيرة قال فيه «أقسم بالله الذي رفع السماء بدون أعمدة لن تنام أمريكا بسلام مادامت إسرائيل تضطهد فلسطين». الطلبة هنا ينحدرون من أوساط شعبية، وهم على الأرجح لا يملكون البارابول في البيت. هناك إجماع حول اتهام الإرهاب الذي يقتل «مواطنين أبرياء»، كما يعلن عن ذلك شريط معلق في الساحة. ليس ضحايا 11 شتنبر بل أيضا الأفغان ضحية الانفجارات. البعض يذكر بان الإرهاب ارتكب جرائم في مصر خلال السنوات الأخيرة. إحدى الطالبات قالت إن القصية كلها هي عبارة عن مؤامرة، وأن «450 من كبار اليهود» تم إخبارهم ليلة ما قبل الحادث، عبر البريد الالكتروني، بعدم الذهاب إلى عملهم في البرجين التوأمين. وهي تمطط هذه اللازمة التي سمعتها قبل ذلك منذ وصولي إلى المنطقة، لفت انتباهي كتابة بالطباشير على الباب باللغة العربية:»لا إله إلا الله، إسرائيل عدوة الله». طالبة أخرى، لا ترتدي الحجاب، التي كانت غير مكترثة ببن لادن إلى ذلك الحين، أعجبت به عندما سمعته على قناة «الجزيرة»، إنه هو الوحيد اليوم الذي ينظف شرف العرب والمسلمين في مواجة أميركا المتعجرفة التي تساعد شارون. إنه الوحيد الذي ينشغل بآلام الفلسطينيين والعراقيين، رغم انه لم يفعل شيئا كبيرا في الماضي. لا شيء في مظهر هذه الشابة التي ترتدي سروال الجينز يقف ضد ارتباط اللباس بالمبادئ الإسلامية المتشددة والمتطرفة التي يجسدها بن لادن. لقد نجح بدون شك، بفضل مواهبه في التواصل، في نقل أفكاره بطريقة مثيرة للمشاعر بعيدا جدا عن دوائر من يقتسمون معه إيديولوجيته التكفيرية. سمعت نكتة، واحدة من تلك «الحكايات الصغيرة» التي تثير الإعجاب في الشرق الأوسط، والتي تنفع حمولتها الساخرة المنقولة شفويا تلعب دور الترياق ضد سم لغة الخشب الرسمية. والتي لا تساوي شيئا بدقتها المبالغة:» توجهت امرأة إلى مراحيض خاصة بالرجال في إحدى المطاعم . حاول عمال المطعم منعها من الدخول، وتوجيهها نحو المراحيض الخاصة بالنساء. فوبختهم قائلو:» هل يوجد أسامة بن لادن في هذه المراحيض؟» ، فأجابوها بالنفي.فقالت: «إذن يمكنني الدخول، لأنه لا يوجد إلا رجل واحد في العالم العربي: هو بن لادن». بعيدا عن طابعها المبتذل، فان هذه الحكاية تشكل تركيبا لما لاحظته طوال النقاشات.»أسامة بن لادن، إنه قضيب»، قال لي أحد الأطباء النفسانيين القلائل في المنطقة.