عندما غادر مصطفى ولد سلمى ولد مولود، القيادي الأمني في جبهة «البوليساريو» السمارة ، ترك وراءه قرية ، وعندما عاد إليها بعد 31 سن، وجد مدينة وإقليما وجهة شاسعة وعمرانا ، وما لم يخطر على باله. وبالرغم من منصبه في قيادة البوليزاريو، فقد تفاجأ. لأن الأشياء تغيرت كثيرا ، والمغرب يبني فعلا جزءا من صحرائه بعد أن حررها. الذي تغير في العمق أكثر هو البوليزاريو نفسه. وما تغير فيه اليوم هو موقع تواجده أساسا، وخارطته البشرية وآفاقه السياسية وارتباطاته، وأيضا المسافة التي تفصله عن التأسيس وأحلامه. ليس صدفة أن يعود ولد مولود ، القيادي في جهاز الامن الى تندوف ، حيث المعقل «الرسمي» أو الجزائري للبوليزاريو، وهو حدث غير مسبوق ، ولكنه يشي أيضا بتحول في تفكير جزء من قيادة البوليزاريو أنفسهم و«تحدي» الوضع الذي كان دوما قائما، أي تذكرة عودة ، تذكرة في اتجاه واحد. في طريق العودة، اللائحة طويلة للغاية، واسماء العائدين الكبار والمؤسسين تكاد لا تحصى، نذكر منها احماتي رباني، مسؤول سابق، تحمل العديد من المسؤوليات الوزارية ، أضف الى ذلك مصطفى بوه البرزاني، أحد المؤسسين والمشرف الاعلامي على إذاعة الانفصال، وهو قطاع الاتصال نفسه الذي يعود إليه مربيه ربو ماء العينين الذي عاد في الثمانينيات، ونور الدين بيلاي ، العائد من سفارة دمشق والبشير الدخيل ، العائد من برشلونة والذي قدم شهادة قوية في طانطان عندما تحدث عن الولي السيد وعن البصيري، والذي كان آخر رجالات حركة التحرر والذي اغتيل في 1970، قبيل تأسيس البوليزاريو. في النساء أيضا أسماء أصبحت اليوم جزءا من المشهد الوطني ومن المشهد الحزبي أو السياسي الداخلي ، ككجمولة بنت عبي، ومنهن من لعودتها دلالة إنسانية «تكاد تكون روائية»، كما هو حال سكينة أرملة محمد خطري ولد سعيد الجماني، التي عادت عن سن 81 سنة وكلثوم الخياط التي تولت مسؤولية البشير الدخيل نفسه.. ولعل إحدى الضربات الكبرى كانت هي عودة احمادو ولد اسويلم ، مستشار محمد عبد العزيز المراكشي في شؤون العالم العربي، والذي شارك وأشرف على مفاوضات منهاست، وهي اشارة الى أن المفاوضات في صالح البلد الام، ويمكنها أن تفضي الى عودة الغائبين في المخيمات ، كما هي الطريق الى العودة الفردية في انتظار الجماعية.. وسيرة ولد اسويلم الذي تم استقباله من طرف جلالة الملك ، في عيد العرش من السنة الماضية.. تستحق أن تروى، فهو من مواليد 1951، والده الشيخ عبد الله أحد شيوخ قبائل اولاد دليم، كان رئيس بلدية الداخلة في الفترة الاسبانية، وقد درس ابنه في المنطقة الى حدود 1975 عندما انخرط في صفوف البوليزاريو، ليكون بذلك أحد المؤسسين وأحد وجوه الدبلوماسية الانفصالية، ومنها توليه تمثيلية البوليزاريو في إيران!!. ومثلها في لجنة الاحصاء التابعة للمينورسو.. ومن الاسماء الاساسية نذكر عمر الحضرمي، المسؤول الاول عن الامن العسكري للبوليزاريو ومثل البوليزاريو، في الاممالمتحدة والذي عاد في 1989. ابراهيم حكيم الذي كان وراء دخول الجمهورية الانفصالية الى منظمة الوحدة الافريقية، والذي عاد في 1992 بعد أن كان وزير خارجية الجمهورية إياها... فاتح أحمد ولد محمد فاضل ولد علي سالم، القيادي السابق في صفوف جبهة البوليساريو، المزداد سنة1954 بنواحي السمارة، انخرط في صفوف جبهة البوليساريو سنة1975 ، حيث التحق بالجناح العسكري قبل أن ينتقل إلى المنطقة العسكرية المحصنة المعروفة ب «جنين بورزك» في الجزائر التي تابع فيها تدريباته الأولية، ليعود مرة ثانية الى تندوف، حيث خضع لتدريبات عسكرية أخرى بما يسمى «مركز النخيلة». وقد كلف فاتح أحمد بالإمدادات ليلتحق بعدها ب «مديرية الأمن» ثم مدير أمن عام «مؤسسة الهلال الأحمر الصحراوية» ليعود بعد ذلك الى « الاستعلامات المدنية بالمخيمات» وتناط به مهمة مدير أمن « المنطقة العسكرية الثالثة في الجنوب « ،وهي آخر مهمة له قبل التحاقه بأرض الوطن. كل هؤلاء اختلفت أسباب عودتهم ، إما من أجل الهروب من النزاعات الغرائزية والقبلية أو تحولات البنيات في البوليزاريو أو التماهي المطلق مع الاستراتيجية الجزائرية، ونهاية ما تبقى من فكرة التأسيس نفسها، كحركة يمكنها أن تكون مستقلة عن العواصم التي تدعمها والانفلات من حساباتها.. لكن الثابت هو أن البوليزاريو اليوم يعيد تجمعه في المغرب. ولما لا نعيد تأسيس البوليزاريو الوحدوي، ما دام المؤسسون، والذين يملكون « شرعية» البداية قد انتهوا الى النقطة التي بدأ بها الوحدويون. إن المغرب عليه أن يعيد تأسيس البوليزاريو في داخله، وليس بوليزاريو الداخل الذي يعمل لأجندة خارجية!