رغم القيظ الحار، ورغم قساوة الطبيعة على مدينة فاس صيفا، فإن لأصياف مدينة فاس نكهة خاصة، حيث استطاعت ساكنة هذه المدينة الساحرة أن تتأقلم مع أشعة الشمس التي تحمل في ثناياها شظايا نارية ملتهبة، إذ لم تستطع شموس أصياف فاس أن تمنع التجار والحرفيين والموظفين إلى الذهاب إلى مقرات أعمالهم، فإذا كان الموظفون يحتمون في مكاتبهم من الحرارة بمكيفات الهواء، فإن العمال والصناع والتقليديين يواجهون هذه الحرارة بتحد كبير، أما سيدات البيوت فإنهن ينهمكن في إعداد الأطباق الفاسية ذات المذاق الرفيع والنكهة الرائعة، ويفضلن أن تجعلن من الطماطم المادة الرئيسية عند إعداد الوجبات اعتقادا منهن أنها تلطف حرارة الجسم خاصة عند مزجها باليقطين «القرع» أو الفلفل الأخضر، أو اللقيم الشبيه بالتفاح والذي لا يوجد إلا في بعض البساتين التي استطاعت النجاة من الزحف الإسمنتي، أما الأطفال فمنهم من يتوجه إلى المصطافات أو المخيمات الصيفية، في حين يقبع أبناء الحرفيين تحت صابات المدينة العتيقة التي يفوح منها عبق الرطوبة الذي ينعكس على كل دروب ودور وأزقة فاس العتيقة، فينعش الأجسام الفتية التي لا حول لها ولا قوة كي تستفيد من الشواطئ والمنتجعات على غرار بقية الأطفال الميسورين، فيكون عزاؤهم الغطس في سقايات المدينة عندما كانت تنهمر مياهها الغزيرة أو يتوجهون إلى وادي الجواهر أو سبو، غير مبالين بما ينتج عن مغامرتهم في السباحة في المياه المتدفقة والتي غالبا ما تبتلع طفلا أو شابا في ريعان الشباب. عندما يسدل الليل ستاره الحالك تصعد الأسر إلى سطوح البيوت لاستنشاق الهواء المنعش بعد أن تكون ربات البيوت قد قمن بصب الماء الغزير على ارضية السطوح، وبعد تناول طعام العشاء، كان أهل فاس يتسامرون ويحكون القصص الجميلة التي استنبطوها من قصص ألف ليلة وليلة أو قصة عنتر بن شداد أو الأزلية أو يحكون معاناتهم اليومية وكيف تم التغلب على المشاكل، لأنه لم تكن في الأيام الخوالي وسائل تسلية من مذياع وتلفاز وغيرهما. قد يقول قائل: إن عادة السهر والمبيت في سطوح المنازل رغم ما يحف بها من مخاطر لسعات العقارب والأفاعي التي تنشد هي الأخرى الهواء البارد المنعش قد انقرضت، أجيب قائلا: أن تلك العادة لازالت قائمة في مدينة فاس العتيقة إلا أن شباب الأحياء يفضلون السمر قرب أبواب المنازل أو في الساحات المجاورة والتي تم إحداث حدائق بها كساحة الرصيف وساحة ابي الجنود، أما سكان المدينة الحديثة، فإنهم يقصدون شارع الحسن الثاني الذي تمت إعادة هيكلته ،حيث أصبح من أجمل الشوارع على مستوى القارة الإفريقية، حيث يستمتعون بخرير مياه النافورات ذات الألوان الزاهية، ويتركون الأطفال الصغار يلهون ويمرحون بين أشجار النخيل والبلاطان التي تزين الشارع على مسافة تقارب ما يزيد على 8 كلمترات وقد يتحلقون على بعض الفرق الموسيقية المشكلة من شباب الأحياء المجاورة للاستماع بأعذب الألحان وأجمل الأغاني....