يهرب إليها اللصوص من بلجيكا ، بعد أن يفرغوا بنوك بلادهم وتهيأ لهم السهرات ثم المحاكم، ويهرب إليها الروس والأتراك لكي يسرقوا الاوروبيين في حرب لا يبدو أنها تعنيك، لكنها تعني القضاة. بلادك يهرب إليها الامراء الزرقاء أعينهم، ويبنون جنة الله في الاطلس والريف، ثم يتقيأون ما في جعابهم من حميم، بلادك يهرب إليها العجزة الفرنسيون ويشترون رياضات مولاي يوسف بن تاشفين الى حين يعود، يهرب الهاربون من البرد والضباب والايام القارسة والذين يحبون الصغار والشواذ الذين يعرضون آخر ما تبقى لهم من الحضارة يهرب إليها المنعش العقاري الذي يريد أرضا سهلة وأموالا سهلة في بلاد صعبة وتستقبلهم بحب كبير لأن الحاجة أم الاختراع البلدي بلادك يهرب إليها الفاسق الذي تتطاير منه عطور الكوكايين والنفط واللحم الغض يهرب إليها النجوم الذي يبحثون عن الإنجيل في ديكور ورزازات ، يهرب إليها الممثلون الباحثون عن هوليوود في أوديسة الصحراء وبين مخالب أسود لم تعد سوى ظل نفسها.. بلادك يهرب إليها القادمون من عبوديتهم، والمتجهون الى أفخاد من أورو ومن جعة... يهرب إليها الهاربون من بلدانهم القارية الى شمال يعدهم بالنيون ولفائف الحشيش وسيارات مهربة.. وبلادك يهرب منها الذين نشفت أدمغتهم من شدة البحث عن سبب كاف للبقاء هنا، فيهاجرون الى العالم كله، بلادك يهرب منها الذين حفيت أقدامهم بحثا عن شمس بلا ريق ناشف بلادك يهرب منها الذين امتلأت بطونهم بأموال من هم مثلك يهرول منها الوزراء الغشاشون ، البيروقراطيون الساقطون، المرتشون أصدقاء الجلادين، باعة الضمير بالتقسيط المريح ويهرب في سفن الغير، الباحثون عن أمل آخر في الارض وعن فرضية أخرى للحياة.. العراة، الموظفون الطامحون في نهاية شهر أكثر انبساطا وأقل نرفزة، الطلاب المتشوقون الى استبدال ثلوج تيشكا بثلوج كندا يهرب منها المرضى الذين لا يثقون في حقن المستشفيات المغربية ولا يصدقون أبدا دواء على يد طبيب مغربي. بلادك تهرب منها نساء يحاربن من أجل دريهمات إضافية بعد ساعات إضافية في سرير الغرباء.. بلادك أحيانا يهرب منها المطر وتهرب إليها المياه من كل سيل! بلادك العجيبة لا يهرب منها من يحبها كثيرا ، ولا يهرب منها من لا يحبها كثيرا..! بلادك يهرب منها الطلبة حاملين سلال أعمارهم، يحطونها في المطارات الباردة وفي أحياء جامعية مضببة كمواعيد خاطئة.. يهرب منها عمال أمازيغ خلفوا وراءهم هواءهم الذي لوثته تجارب الحياة في عقولهم بلادك هي الامام عندما يهرب إليه من لا حيلة لهم ولا جواب. بلادك التي هرب إليها الطغاة المطاح بهم والجنرالات المتخمون بدماء أبناء بلادهم بلادك الجغرافية المحتملة للحجرات الروحية .. بلادك التي لاتصلح عثرات الحظ ، هي حظ من يهاجر إليها ومن يهاجر منها..