تحث هذا العنوان المثير، «المسلمون في التاريخ الأمريكي.. إرث منسي»، صدرت مؤخرا الترجمة العربية لكتاب حدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية، الذي ألفه الأمريكي جيرالد ديركس. وهي الترجمة التي رعاها مشروع «كلمة» للترجمة بأبوظبي. وأهمية الكتاب آتية ليس فقط من موضوعه، كيفيات طرحه لقضيته الفكرية والتاريخية، بل من صاحبه نفسه، الذي اعتنق الديانة الإسلامية منذ سنوات، بعد أن كان قسا مسيحيا. الكتاب، الهام، والذي يثير إشكالا تاريخيا ضخما، ترجمه سعد البازعي، سيفتح الباب لنقاش عمومي ثقافي وفكري، كونه يسد نقصاً واضحاً في معرفة القارئ العربي بتاريخ الإسلام في الولاياتالمتحدة بشكل خاص والأمريكتين بشكل عام. فمع معرفة الكثيرين بأن في أمريكا مسلمين، فإن الكثيرين يفتقرون إلى المعلومات الواضحة والكافية حول تاريخ الإسلام هناك وعدد المسلمين ونوع الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يحيونها. في كتاب «ديركس» تمة الكثير من المعطيات حول الحضور الإسلامي هناك، الذي يعود إلى ما لا يقل عن ألف سنة مضت حين كان المسلمون يعمرون الأندلس بالحضارة والكشوفات العلمية والجغرافية. فالمؤلف يوثق لذلك الحضور معتمداً على الكثير من الأبحاث التي اطلع عليها ولخصها، وهي أبحاث تمتد من التاريخ الوثائقي إلى الدراسات الجينية واللغوية والحضارية العامة. يتضح من خلال الكتاب - وفقا لمؤلفه - أن المسلمين أسهموا في بناء الولاياتالمتحدة على نحو لا يقل أهمية عن غيرهم من المنتمين إلى أديان أخرى، بل ربما فاقوا غيرهم. كما يتضح أن التاريخ الإسلامي في أمريكا هو تاريخ إفريقي غربي في المقام الأول، وأنه جاء مع الرحالة الأوائل ممن سبقوا كولومبس وممن رافقوه في رحلته، ولكن بشكل رئيس مع الأفارقة الذين استعبدهم تجار الرقيق البيض على مدى ثلاثة أو أربعة قرون. ويكتسب الكتاب أهمية خاصة من حيث أن مؤلفه أمريكي (أبيض.. وهذا أمر له معنى خاص هناك ثقافيا وسياسيا) درس في هارفارد وتخصص في علم النفس وأصبح أستاذاً بها، قبل أن يعتنق الإسلام بعد أن كان قساً مسيحياً. بل إنه حين دخوله الإسلام لم يدخله كغيره وإنما تحمّس له وألف فيه وألقى العديد من المحاضرات الداعية إلى الدخول فيه. ومن مؤلفاته «الصليب والهلال: حوار بين المسيحية والإسلام» 2002، و«رسائل إلى شيوخي في الإسلام» سنة 2008. كتاب «المسلمون في التاريخ الأمريكي» تذكير بإرث عظيم وهام وجدير بالمعرفة من قبل المسلمين قبل غيرهم. ترجم الكتاب الدكتور سعد البازعي، باحث وناقد ولد في المملكة العربية السعودية عام 1952، حصل على البكالوريوس في الأدب الإنجليزي في جامعة الملك سعود، وعلى الدكتوراه في الأدب الأنغلو- أمريكي والمقارن في جامعة بردو بالولاياتالمتحدةالأمريكية. عمل إلى جانب التدريس في جامعة الملك سعود، رئيسًا لتحرير صحيفة «رياض ديلي» الإنجليزية، ورئيسًا لتحرير «الموسوعة العربية العالمية». ورئيسًا للنادي الأدبي بالرياض. وهو حالياً عضو في مجلس الشورى السعودي. وللبازعي ما يقارب الثلاثة عشر مؤلفًا منها: «استقبال الآخر» (2004)، و»المكون اليهودي في الحضارة الغربية» (2007).