بيضاء «إدريس الخوري» (1) في نصه المعنون ب»أيام خديجة البيضاوية» يقدم لنا السارد صورة «البيضاء» من خلال المظاهر التالية: -من خلال رؤية «خديجة» لهذه المدينة. فالبيضاء ذات مكلومة ، مضطهدة - مقموعة، متآكلة.والنص يستبطن هذه الرؤية عبر هواجس ورغبات»خديجة» المجهضة الحالمة بالزوج والولد والحياة المستورة. -والسارد لايكتفي بهذا الإستبطان،بل يمارس نوعا من المزج بين الأحلام المشتركة عند الشخصيات المشتركة في البؤس والحرمان.» تحلم خديجة بطفل، برجل، بعريس، بحمل كبير يسمونه الدهاز. ويحلم بطفل، بمقعد المدرسة، وببذلة جديدة، وبالذهاب إلى السينما صباح كل أحد»(ص.170) - هذا المزج بين الأحلام المحبطة عند كل من الشخصيتين، يقابله مزج آخر بين»المونولوج» و»الديالوج»، من جهة ، وبين هذين الأسلوبين،وبين السرد والوصف من جهة ثانية. كرر الطفل، مرة أخرى،خذي هذا الورد. - لا.لا أحب الورود الإصطناعية. - وأين الورود الطبيعية؟ - عند الذين لايركبون الحافلات مثلنا.النص.ص.170 - والبيضاء ، عند السارد، مدينتان:مدينة جديدة ومدينة قديمة ص.168 مدينة غنية ومدينة فقيرة (النص171) . مدينة مهمشة في الأحياء العشوائية المكدسة، ومدينة المركزالحافل بكا مالذ وطاب. مدبنة تحت رحمة حافلات تمتهن كل شئ، ومدينة تركب السيارات الفارهة الممتعة،مدينة الجمال والورود الحقيقية/ومدينة القبح والورود الإصطناعية، مدينةالمتعة اليومية، ومدينةالحلم بفضلاتها عن طريق برامج تلفزيونية رديئة. -إنها مدينة المفارقة بامتياز.ففي الوقت الذي يحلم فيه البعض بامتلاك أقصى درجات المتعة، يحلم فيه البعض الآخربالتمتع بأقل درجات الفقر والحرمان.والكشف عن - وهذه المدينة كانت وراء تأجيج لهيب الصراع داخل الفئات المهمشة،في حين تظل الفئات السائدةبعيدة عن ذلك ، وهي ترفل في لحظات السعادة الغامرة.المدينة تجعل من المهمشين أشداء على بعضهم البعض، وتجعل الأغنياء رحماء فى ما بينهم يتبادلون المتع ويقتنصون اللحظات الطيبة. مدينة بين ساردين اشترك كل من الساردين في تحويل المدينة (البيضاء) إلى فضاء «كوسموبولوتي»يستند إلى مكون مركزي مجسد في الإرتحال عبر فضاءاتها المختلفة.وسمح هذا المكون بالكشف عن تناقضات المدينة عبر مظاهرها المختلفة.والإرتحال يخضع لنوع من التبادل بين السارد والمدينة، وبين ا لمدينة والسارد. فالسارد يرتحل بوسائل عديدة ( الحافلة عند «ادريس ا لخوري والسيارة عند محمد زفزاف)، كماأن المدينة ترتحل ،بدورها، نحو الساردين، عن طريق اختراق مظاهرها الإ ستهلاكية القامعة للمدينة القديمة وساكنيها، دون أن يمنع هذه الأخيرة من ممارسة الإختراق ،أيضا، بحس انتقامي صادر عن مواقع اجتماعية متناقضة. واستطاع كل من الساردين العزف على طبيعة البيضاء» المتروبولية» من حيث كونها مستودعا للأرصدة المادية والرمزية بأساليب استهلاكية مرضية. وهي ، بسبب ذلك، أصبحت ممتلكة لأساليب الإضطهاد للفئات التي لاتمتلك مفاتيح « المتروبول» مما أهلها للحضور في الكثير من نصوص الكاتبين، بشكل مباشر أو غير مباشر،أثناء الحديث عن مدن أخرى.(الصويرة/مالجا/الرباط/القنيطرة..). فوراء كل مدينةمن هذه المدن تختفي» البيضاء» المادية أوالرمزية. ولم يتردد كل من الساردين في تحويل النص القصصي إلى سرد عار ، يفضح الحياة العلنية للمدينة.وبالرغم من كون «السري»قد تراه العديد من الأعين ، غير أن «العلني» يظل بمثابة جبل الجليد العائم الذي يخفي ما يخفيه .وما خفي أعظم. وظل النص ، عند كل من الساردين، خا ضعا لسلطة سارد عبر مسافة قد تطول،أوقد تقصر بنسب متفاوتة. ففي الوقت الذى يسود فيه ضمير الغائب، في كل من النصين، نجد السارد المحافظ على حياده، مراقبا ،من بعيد،مايجري، كما هو الشأن عند « محمد زفزاف»، يقابله السارد، عند «إدريس الخوري» الذى يتسلل، بهدوء ، متدرجا بين المقطع والآخر نحو نهاية محددة(محمد زفزاف: ليلة في الدارلبيضاء.ص. 189) ، إدريس الخوري:أيام خديجة البيضاوية.ص. 188 . ومن أهم الخصائص البنائية في النصين نلمس الآتي: أ - يمزج إدريس الخوري بين السرد والوصف ،أولا،والحوار ثانيا.ويمزج محمد زفزاف بين السرد والحوار ،أولا، والوصف ثانيا.وفي قصص محمد زفزاف يلعب الحوار دورا بنائيا مسهما في نمو النص نحو دلالاته القريبة (أوضاع الشخصية) ونحو دلالاته البعيدة (اهتزاز قيم المجتمع). أما بالنسبة ل»إدريس الخوري» فالحوار يلعب دورا سرديا بهدف استكمال الصورة المقدمة في لحظة معينة. ب - اشترك كل من الساردين في توظيف « بلاغة اليومي» خاصة عند «إدريس الخوري».أما ، بالنسبة ل» محمد زفزاف»، فالكثير من مقاطع سرده ، تقوم على « تفصيح» الدارجي»، وتدريج الفصيح.ومن ثم فهما يشتركان في نسج أدبية الكلام قبل الكتابة مما أنتج الألفة والإتلاف المتبادلة بين السارد والمتلقي. ج - وبالإضافةإلى هذا وذاك،كان المعجم الشفهي مستندا إلى خطاب مضاد للخطاب السائد بلغته المعلبة القامعة.ومن ثم شكل المعجم الشفهي مستوى من مستويات الرفض للسيطرة السابقة سواء تعلق الأمر بالموروث الشفهي من حكي وغناء وعبارات مسكوكة (اللازمة الغنائية) عند إدريس الخوري من خلال العيطة.»مالي ياربي مالى».ص. 170 أوتعلق الأمر باستنبات البنيات الدارجية في التعبير الفصيح.»إنه مصير المومسات بقدر ما يستنزفن دماء الرجال بقدر ماتنزفدماؤهن على الأرصفة.» محمد زفزاف.ص188 وفي الحالتين معا، كان المعجم ، عند كل من الكاتبين، يعكس رغبة الشخصيات في انتزاع حق الوجود داخل فضاء تحكمت فيه سلطة المال والفساد ،مبعدا الآخر (المهمش) نحو زواياه المظلمة ، فكانت مباذله مرآة لمباذل أكبرصنعتها هذه السلطة القادرة على تدميركل شئ، وهي تعيش تآكلها التدريجي ماديا ورمزيا. هوامش 1 أيام خديجة البيضاوية (الأعمال الكاملة. مطبوعات وزارة الثقافة). يشارالكاتبين القاص « مبارك الدريبي» في توظيف المعجم الدارجي ، بشكل بارز. وتجربة «مبارك الدريبي جاءت من ضفاف الكلام - المحكي المتداول- قبل أن تصدر عن ضفاف الكتابة.