لقد شعر بالسعادة وهو يسمع بخبر المسابقة التي نظمتها المؤسسة في كل من القصة الصغيرة والشعر، ولم لا يسعد؟ وهو يظن أنه قادر على كتابة القصة وحتى الشعر..أجل والشعر أيضا ! ! »إذن سأكتب وسأشارك«. هكذا قال الفتى الملقب «سيرانو»، وهو لقب أطلقه على نفسه ولا أحد يناديه به.كلمات قالها لنفسه، لم يقلها لشخص آخر، وكذلك لم يسمعه أحد.. وربما سمعه الجميع، لكنهم لم يلتفتوا إليه لأنهم اعتقدوا أن الكلمات كلماتهم. لأنهم «جميعهم» نطقوا بالكلمات نفسها وفي الوقت نفسه. عاد سيرانو فرحا! لا بل مغتبطا! ! ثم أخذ قلما أزرق اللون، ووضعه بين أنامله ليكتب، أجل سيكتب. «ولكن في أي موضوع سأكتب، وماذا سأكتب؟ ومن سيهتم لكتابتي ال...». هكذا قال سيرانو مرة أخرى، لم يقل كلامه هذا لشخص آخر! ! ! ولكن، لم لا يكتب حلما حلم به ذات ليلة؟ أو قصة يتخيلها ويبين في نهايتها أنها «كلها» كانت مجرد حُلمٍ حَلُمَ به. لا، هذه فكرة قديمة، كما أنه من المفترض أن يكتب على منوالها صديقيه أحد التلاميذ. لم لا يحاكي قصص بوزفور؟؟ ! ! ربما لن يتعرفوا إلى صاحبها! ! ! لا، هو أشرف من يقوم بهذا!!! إذن ماذا سيكتب؟ ولكن، لم لا يقدر على الكتابة، وقد قرأ بدل الكتاب كتبا، وبدل القصائد دواوين؟ لماذا؟؟ انتابته إغفاءة صغيرة، لكنه وبعد دقائق معدودة انتبه منها ليجد على مكتبه -أقصد المائدة التي تناول عليها عشاءه منذ لحظات- ورقة كتب عليها نص مؤلف من تسعة وأربعين سطرا، وُضع له عنوانٌ واضحٌ لكنه غير مفهوم, وهو «هل فاز سيرانو؟». «ولكن من كتب هذا؟ وكيف كتب هذا؟ ومتى؟ و...؟». وهذه المرة لم يقل كلامه لشخص آخر. وأكمل قائلا: «لا، لا يهم من كتب هذا ولا كيف ولا متى..»، طبعا لا، فالمهم أن يشارك، وبها سيشارك ! ! ولن يسأل مرة أخرى عن كاتبها، لأنه على الأرجح ملاك أراد مساعدته ! وصباح الغد أخذ «النص» إلى اللجنة المنظمة وهو يرقص فرحا بهذه «الهدية» التي زارته بعد أن تقطعت به السبل. وبعد بضع دقائق وصل إلى أحد الأساتذة المنظمين، وسلمه قصته وفرحته تدغدغه فتولد فرحة أخرى. ويوم الإعلان عن الفائزين تسابق إلى مقعد من المقاعد المتقدمة ليسمع اسمه بوضوح. صاح الأستاذ بصوت عال وفصيح: «أعزائي التلاميذ، أشكركم على حضوركم و...، والفائزون في المسابقة التي نظمناها في مجال القصة القصيرة هم: فلان وفلان ...وفلان. وصاح سيرانو: «وسيرانو يا أستاذ ؟». التفت الأستاذ لحظة إلى مصدر الصوت، فلمح فتى رسمت أسارير الفرح على محياه، وأكمل قائلا: «وفلان وفلان». وبعد الانتهاء من ذكر الأسماء، نظر الأستاذ نظرة حزينة ومتألمة جمد بها سيرانو، وقال: «نصك ضاع يا ولدي نحن متأسفون، ونتمنى لك التوفيق في مسابقة أخرى إن شاء الله». «لالا، أنا أريد قصتي لقد كانت أروع القصص، أرني على الأقل ورقتي، أنا متأكد من أنك بعتها بأموال طائلة». هكذا أجاب سيرانو الأستاذ وهو واثق من أنه الأحسن. وينزعج الأستاذ من كلام الصعلوك ويأخذ من جيبه ورقة ممزقة إلى أكثر من ألف قطعة ويرمي بها على وجه سيرانو وهو يقول: «هاك...خذ وسخك..خذ نجاستك..خذ..». ويحاول المدير مقاطعة الأستاذ لكنه أبى إلا أن يكمل كلامه: «لقد جعلتني أشعر بالقيء.. بالدوار.. كاد يغمى علي لما تناولت ورقتك هذه بين يدي.. هل فهمت أيها ال..؟؟ فيلسوف ! ». إذن سيرانو لم يفز بغير هذه الكلمات..لم يفز بغير هذه الإهانات لكنه تعلم، أجل، تعلم بأن القصة القصيرة، لا يكتبها إلا من يمسك بمفرداته كما يمسك بقلمه، ربما لا يكتبها الفلاسفة، أو ربما لا يفهمونها ! ! ! ولكنه شارك أجل شارك.