كان مستلقيا في الخيمة الصحراوية، عيناه ساهمتان، خوف طفولي يستغرقه، لا يعرف ما الذي تخبئة له شعاب وأودية الصحراء الشرقية، يحرك أصابعه في اتجاه أرنبة أنفه. نظرات خجولة وأجوبة مقتضبة تعترض حواره مع الصحافة الوطنية والدولية. يبدو متضايقا.. ولا تسعفه الكلمات للرد على أسئلة حاملي الكاميرات الأجانب. من الطبيعي أن تسلط عليه الأضواء وهو الحامل للألقاب الثلاثة الأخيرة لماراثون الرمال الذي يقام سنويا بالمغرب. في الخيمة المذكورة.. أحضر محمد أحنصال كل ما يتعلق بغذاء محلي صرف ولوازم طبخه، لا يعير اهتماما مع العقاد المغربي الآخر وتودة الحزينة على الدوام للتغذية الأوربية.. يرسلون في طلب خبز «تفرنوت» المعجون بأياد أمازيغية بضة وطاهرة. يحضرون الكاميلة و«الدواز..» ويأكلون حد الشبع في تحلق إنساني رائع يمتح من تقاليد المائدة المغربية. أحنصال ظاهرة «رملية» بامتياز.. لم يكن يحلم يوما بالبطولة أو الشهرة وأن يكون محور اهتمام أكثر من أربعين جنسية.. كان مجرد راعي غنم كما يحكي هو نفسه، يترصد خطوات العدائين في بدايات الماراثون، وينتظر مع أخيه قميصا أو «سبرديلة» أو «كاسكيط».. لا تغرب عيناه عن حركات هؤلاء النصارى، يتبعهم من محطة إلى مرحلة. وفي يوم قرر أن يشارك، انسل في نهاية مرحلة، وجرى كما لم يجر من قبل، ترك النصارى خلفه ودخل الأول على السباق بدون قميص أو رقم، بالطبع لم يحتسبوا له فوزه، لكنه استرعى انتباه الفرنسي باتريك صانع حلم الماراثون. ومن يومها قرر أحنصال الصغير اللحاق بأخيه الكبير.. ليمارس لعبة الفر والكر مع رمال الصحراء الشرقية. كان الحاجز الأوحد لتألقه وانطلاقه هو لحسن، حيث كان وقتها ينزل بكلكله ويحتكر السباق، لما أصيب وأخذته أنواء الحياة، خلا الجو لاحنصال الفائز هذه السنة ليبرز علو كعبه في مغازلة الرمال. وهكذا كان.. أحنصال الصغير.. ظل مشدودا هذه السنة إلى مقدمة السباق، فالعديد من الجنسيات «تتآمر» من أجل تجاوزه. حركاته، سكناته موضع مراقبة. لاينفك يهرب بنظراته عن الجميع، مسافرا في سفر الليل والقمر والنجوم وبوهيمية الصحرآء العزيزة على القلب. أسر للجريدة وهو يهم بطبخ ما تيسر، أنه كبقية الشباب لجأ إلى زواج أبيض قصد تأمين مستقبله.. فالجري والتوقف عنه لم تعد تفصله عنه إلا بضع سنوات قليلة.. وإذا لم «يقفز على راسو» سيجد نفسه مورطا في عطالة دائمة. (!). أنشدنا الليل والصحراء تعرفني والقرطاس والقلم. وضحكنا.. أعطاهم الجمال وأعطانا الفقر.. هكذا أنهينا حوارا كان نقطة النهاية قبل انطلاق الماراثون. تودة تضحك.. الجزائري المرافق صامت ويبتسم ببراءة.. وأحنصال عاقد العزم علي المضي بعيدا... ملحوظة: فاز أحنصال بدورة هذه السنة متفوقا على الجميع، وكالعادة أهدى هذا اللقب للمغاربة ولأسرته ولزاكورة المرتبط بها أشد ارتباط.