كشفت مصادر مهتمة بالشأن التنموي والغابوي بخنيفرة عن عملية فريدة واستثنائية تتعلق ب»تفويت» تعاونية غابوية، ضواحي القباب، وبيع منتوجها من خشب الأرز والكرّوش بطريقة مستفهمة، علما أن غابة التعاونية، الواقعة ب»بومكراز»، هي عبارة عن قطعة ممنوحة، بثمن رمزي، لمجموعة من الفحامين بالقباب وآيت إسحاق، في إطار مساعدة الساكنة القروية والمحيطة بالغابات من أجل خلق أيام عمل وتحسين ظروف العيش والانخراط في مشاريع مدرة للدخل، من جهة، ومن جهة أخرى المساهمة في حماية الغابة من القطع العشوائي والرعي الجائر، وكم كان الجميع ينتظر إخراج المنتوج من القطعة الغابوية موضوع التعاونية إلى المستودع المخصص للأخشاب والإعلان عن سمسرة عمومية وفق ما ينص عليه القانون إلا أن الوقوف على ما جرى ألغى الانتظار. لم يكن في حسبان الرأي العام أنه سيفاجأ بخبر بيع المنتوج في ظروف مغلقة، وبمبلغ هزيل يقدر ب 54 مليون سنتيم، الأمر الذي كان طبيعيا أن يحمل جميع المتتبعين إلى مطالبة الجهات المسؤولة بالتدخل لتحديد المسؤوليات وفتح تحقيق في ظروف وملابسات ومدى قانونية هذه النازلة، وكذلك في هوية المشترين/ المستفيدين من عملية تفويت التعاونية التي لم يأت تأسيسها إلا من باب الجهود التي تقوم بها الدولة والمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر في سبيل تحقيق التنمية البشرية والاستثمار في الاقتصاد المحلي، علما بأن الغابات تشكل المصدر الرئيسي للثروة بالإقليم، ولم يكن أي مراقب يتصور أن «مافيا البزنس» ستتجرأ هذه المرة وتضع امتيازات الدولة في المزاد السري أمام مرأى ومسمع من الجهات المعنية التي كان عليها حماية القانون الذي ينص على أن أي «تعاونية أو جمعية مستعملي المجال الغابوي لا تتألف إلا من مجموع المستعملين القاطنين بالدواوير المجاورة للمناطق الغابوية المراد إصلاحها أو إحياؤها»، و ذلك بهدف وضع الإنسان القروي والمحيط بالمجال الغابوي في صميم سيرورة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. مصادرنا سجلت باستغراب وذهول كبيرين كيف أن المستفيدين من عملية «المتاجرة الغريبة» جاؤوا بعمال خاصين، والقطعة موضوع الاستغلال يمتد جزء منها داخل النفوذ الترابي ل»آيت إيشو» وتحتوي على شجر الأرز، وقد تم شراء أخشاب هذا الشجر داخل الغابة في خرق سافر للمساطر القانونية المعمول بها في هذا الصدد، بل وتم شحنها على متن شاحنات المشتري بطرق وُصفت ب»الاحتيالية»، والأرجح أنها تمت تحت ذريعة ما يسمى ب»عقود النقل»، ذلك بدل احترام القوانين التي تلزم بضرورة إخراج المنتوج إلى المستودع والإعلان عن سمسرة عمومية، أما الجزء الثاني من القطعة الغابوية فيدخل منطقة «الحميمضة»، وتجري بها الأشغال على يد عمال لا صلة لمعظمهم بالتعاونية، في حين أن المتعاونين الذين باعوا التعاونية راحوا لسبيلهم باتجاهات مختلفة، وبعضهم شد الرحال نحو شمال البلاد بحثا عن العيش. ومعلوم أن المشاركين في أشغال المجلس الإقليمي للغابات الذي احتضنه مقر عمالة الإقليم، خلال يناير الماضي، كانوا قد أوصوا بضرورة تشجيع وتأطير التعاونيات الغابوية، مع السهر المكثف على وضع برامج لتكوين أعضاء هذه التعاونيات، وبينما استعرض المدير الإقليمي للمياه والغابات وضعية التعاونيات بالإقليم، لم يفت عامل الإقليم خلال أشغال اللقاء دعوة التعاونيات إلى «تأهيل ذاتها وتنويع أنشطتها ومنتوجاتها لمواجهة التنافسية»، وأكد على ضرورة «جعل التعاونيات الغابوية عاملا رئيسيا في تنمية الاقتصاد المحلي» وشريكا استراتيجيا في حماية الثروة الغابوية من الاستغلال المفرط الذي لا يمكن الحد من نزيفه إلا بتحسين ظروف عيش السكان. وفات أن قال المندوب السامي للمياه والغابات، في مداخلة له خلال لقاء نظم بالرباط حول «تثمين الغابة وسيلة لتحقيق تنمية قروية مستدامة»، إن مندوبيته قد عمدت في إطار مخططها العشري 2005 /2014 إلى «خلق دينامية من شأنها أن تمكن من خلق عائدات بالنسبة للسكان عن طريق الحق في استعمال الموارد الطبيعية والحفاظ على توازن الطبيعة»، ثم لعل أشغال وتوصيات الندوة الوطنية المنظمة بمكناس، يومي 20/21 أكتوبر 2009، من طرف المندوبية السامية للمياه والغابات والاتحاد الأوروبي، في موضوع »الحكامة المحلية والتدبير المستدام للموارد الطبيعية بالمناطق الجبلية«، قد جاءت بما يكفي من الخلاصات والنداءات الهامة باتجاه التنمية البشرية وخلق تدبير عقلاني تشاركي ومندمج للموارد الطبيعية، وتثمين الإمكانيات التي تتوفر عليها المناطق القروية. وفي ذات السياق، يبقى من حق المتتبعين والمهتمين بالمجال الغابوي بإقليم خنيفرة مطالبة الجهات المعنية بإيفاد لجنة مركزية أو جهوية للتحقيق في شأن التعاونية التي يتحدث الكثيرون عن «عملية بيعها» في ظروف لم يستطع أحد الإلمام لا بملابساتها ولا بحيثياتها ورؤوسها.