في كل مرة يتقدم ضحية من ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بمراسلة أو طلب إلى المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وقبله إلى هيئة الإنصاف والمصالحة أو المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، ومن بين هذه المراسلات واحدة استثنائية من عون سلطة (شيخ) تم الإيقاع به في طاحونة سنوات الرصاص بتهمة استضافته أو مساعدته لأفراد كومندو من الثوار الذين كانوا يضطرون إلى تغيير مكان تواجدهم عدة مرات بين الليل والنهار، إبان موجة الأحداث التي عرفتها المنطقة في سنوات السبعينيات، ولم يعلم بهويتهم آنذاك من حيث أن تقاليد وأعراف الكرم التي يتحلى بها سكان البادية المغربية بالأطلس المتوسط جعلته يفتح بابه في وجوههم، ولم يكن يعتقد أن «خيره» سيجره تعسفا، وهو معصوب العينين، إلى غياهب المعتقلات السرية حيث نال شتى أصناف التنكيل والتعذيب، وبعد مغادرته الظلمة وجد نفسه في ظلمة نفق بدون حقيبة أو اعتراف من سلطة خدمها لسنوات طويلة، ولازالت متنكرة له إلى حدود الساعة رغم دخول بلادنا في مرحلة الإنصاف وطي صفحة الماضي. وإذا كانت وظائف أخرى قد قبلت بإعادة موقوفيها وتعويض من لم يستطع منهم العودة، فلا أحد عثر على مبرر حيال الأذان الصماء التي تعاملت بها وزارة الداخلية إزاء ملف رجل ذنبه الوحيد أنه فتح بيته لأشخاص «طلبوا ضيف الله»، وفي رواية أخرى تم اتهامه بمساعدة هؤلاء الأشخاص على عبور حاجز للمراقبة، فوقع «ضيفا» لدى زبانية أوفقير وأرزاز، وهذان الرجلان جزء من أجهزة مسؤولة عن ماضي الانتهاكات التي لم يسلم منها حتى ابنها «الشيخ» الذي ظل منذ ذلك الحين يواجه ما سببته له مخلفات الواقعة من معاناة ورواسب اجتماعية ونفسية. الأمر هنا يتعلق بالمواطن محمد وضبيب بن عسو من آيت عمو عيسى، آيت سيدي امحمد، إقليمخنيفرة، هذا الذي كان عون سلطة (شيخ) على قبيلته، ومن البديهي أن يتقدم من جديد بملتمس لرئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، مطالبا بالتدخل لتحريك ملفه الحامل لرقم 422 بهيئة المجلس، والذي سبق أن استعرض ضمنه ظروف وقوعه ضحية اعتقال تعسفي إبان سنوات الرصاص، حيث تعرض كباقي ضحايا موجة القمع المعروفة آنذاك للترهيب عندما تم اقتحام منزله بالقوة وإتلاف ما به من تجهيزات وأثاث، قبل اختطافه إلى حيث تم تعريضه لأبشع ألوان التعذيب الجهنمي. وكما فَقَد ممتلكاته فَقَد أيضا عمله كشيخ قبيلة، وتقدم لهيئة التحكيم المستقلة بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بطلب تعويض حيث أصدرت هذه الهيئة أمرا يقضي بتعويضه بمبلغ مالي، إلا أنه اعتبر التعويض غير منصف لأنه لم يعر فقدان العمل أية أهمية على الرغم، يضيف المعني بالأمر، أن جميع المستخدمين والموظفين الموقوفين تعسفا قد تم إصدار حكم يقضي بتعويضهم عن عملهم، متسائلا : هل مبلغ التعويض الذي حصل عليه هو لجبر الضرر عن الاعتقال التعسفي؟ أم عن الظلم الذي طاله دونما وجه حق؟ أم المرض الجسدي والنفسي الذي حمله معه من المعتقل السري؟ أم التشريد والضياع الذي ألم به جراء فقدانه لعمله وممتلكاته؟ وفي كل ذلك ما حمل المشتكي محمد وضبيب على التقدم بطلب إلى هيئة الإنصاف والمصالحة بتاريخ 29 نونبر 2004 لأجل مراجعة الحكم الصادر عن هيئة التحكيم المستقلة في أفق إيلاء وضعيته ما تستحقه من العناية والاهتمام، وإلى حدود الساعة لم يتلق أي جواب يشفي الانتظار.