عادت البعثة المغربية من بطولة العالم داخل القاعة التي جرت في نهاية الأسبوع الماضي بالدوحة، مطوقة بميدالية فضية يتيمة، تعكس إلى حد بعيد الصورة الباهتة التي أضحت عليها رياضة أم الألعاب، بدليل عجزها عن ضمان مشاركة أكثر من خمسة عدائين في هذه الدورة، أقصي اثنان منهم (حشلاف وبرابح) في الدور الأول، والثالث (بيلاني) بلغ المسابقة النهائية بأحسن توقيت، مستفيدا من بطء السلسلة الإقصائية الثانية! لقد عرت الطريقة ، حسب مختصين، التي أدير بها السباق النهائي لمسافة 1500 متر، عن ضعف التجانس على مستوى الإدارة التقنية، حيث لاحظ الجميع غياب خطة واحدة لعداءين، كان قليل من التركيز يكفيهما لانتزاع المرتبتين الأولى والثانية، فضلا عن خطأ تاكتيكي لعبد العاطي إيكيدير الذي قاد السباق الإقصائي منذ بدايته، الأمر الذي أثر بعض الشيء على سرعته النهائية في الدور النهائي. وبالرجوع إلى العدائين المشاركين في دورة الدوحة، يتبين أنهم اكتسبوا قدرا مهما من التجربة، فأمين لعلو، الذي خاض لأول مرة في مشواره سباق 1500م في بطولة العالم داخل القاعة، راكم خبرة مهمة في الهواء الطلق بكثرة مشاركاته في الملتقيات والتظاهرات العالمية و الأولمبية. بل إن مشاركته في سباق 1500 م فوتت على المغرب فرصة المنافسة على ميدالية كانت ستكون في المتناول في مسابقة 800 م، التي هي اختصاصه الأساسي، بالإضافة إلى أنه «حرم» مواطنه ياسين بن الصغير من فرصة المشاركة، فظل في لائحة الانتظار، أضف إلى كل هذا أنه لم يخض في هذه السنة أي سباق وضمن المشاركة بتوقيت كان قد سجله في الموسم الماضي! أما يحيى برابح، فقد أثبت من جديد محدودية عطائه في الاستحقاقات الكبرى، بدليل أن إنجازه لم يصل إلى ثمانية أمتار، وهو الذي سجل في ملتقى محمد السادس خلال الموسم الماضي ثمانية أمتار و 40 سنتيمترا في القفز الطولي، مما يطرح أكثر من علامة استفهام؟! وبالنسبة لحليمة حشلاف، فإن توقيتها الذي تأهلت به (دقيقتان وثلاث ثوان) لا يضمن لها المنافسة على الرتب الأولى، علما بأنها كسبت هي الأخرى قدرا محترما من التجربة، بدءا من مشاركتها في بطولة العالم ببرلين، وخروجها بالطريقة المعروفة (انهيار قبل عبور خط نهاية سباق الدور الأول). لقد كان المنطق، حسب العارفين بخبايا أم الألعاب، وبالنظر لتقدم بعض العدائين في السن، يفرض أن تمنح الفرصة للعدائين الشباب، حتى تكون مناسبة لهم لكسب التجربة، مادام الصعود إلى منصة التتويج بات حلما صعب المنال! كان المنطق يقتضي أيضا أن يتم التخطيط لهذه التظاهرة، عبر برنامج إعدادي مدروس، يعطي الأسبقية للعدائين الذين يتوفرون على قدرات واعدة، وفتح الطريق أمامهم لأخذ فرصتهم في الدفاع عن الألوان المغربية. ميدالية إيكيدير، التي منحتنا الرتبة 19 عالميا!، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخفي غابة التراجع المسجل في هذه الرياضة، لأنه من غير المنطقي أن نتوجه إلى بطولة عالمية بوفد من خمسة عدائين، في وقت يزخر فيه المغرب بالعديد من المواهب، يكفي فقط الالتفات إليها ودعمها. إن التخوف بات كبيرا على مستقبل هذه الرياضة في ظل هذا الواقع، وستكون بطولة إفريقيا التي ستجري في الأسابيع المقبلة بكينيا، امتحانا آخر لألعاب القوى الوطنية، التي كثيرا ما كانت مصدر فرح للمغاربة، وكثيرا ما خفقت القلوب لإنجازات أبطالها.