تشاء الأصوليات القاتلة في كل الديانات أن تخلق عداوات ثابتة للأنبياء مع المرأة. ويتم تعميم تلك العداوة على كل شيء. ولم يعد علينا فقط أن نثبت كيف أن النساء كن المفضلات عند الأنبياء، جعلهن رسول الإسلام الكريم شقيقات الرجال، بل إن جزءا من سير العظماء الربانيين يجعلهم .. مدينين للنساء. نعم، الأنبياء مدينون للنساء، في سيرهم، كما روته صحاح الكتب، وكما جاء في كل سيرة على حدة. نبي الله موسى عليه السلام، تتفق الكتابات على أن فرعون مصر قرر، في تجاوب مع فناجين الطالع وقتها، بأن يقتل كل الأطفال الذكور الذين يولدون، تحسبا لما يخفيه القدر من نهايته على يد طفل من بني إسرائيل. وهكذا قامت والدته - المرأة الأصيلة في حياة كل منا- باستلهام قصة نوح، وصنعت المهد الصغير، بما هو مقابل للسفينة الكبيرة ووضعته في نهر النيل. الأم تفكر في استعارة النجاة، وامرأة أخرى، هي ابنة فرعون تنفذها. وهكذا عندما نزلت الوادي، ونتخيل أنها سمعت الصراخ الطري للرضيع، أخذته من الماء. وبما أن الأميرات الفرعونيات لا يتحركن بدون وصيفات وعسس، فلا شك أن الحاضرين اندهشوا كيف يمكن لابنة الملك أن تعارض أباها وتنتهك قوانينه التي وضعها لحماية سلالة الفرعون، وهي منها. وتروي سيرته أنه بدأ يبكي، وكانت أخته، المرأة الثالثة في الحكاية، تراقبه، بعد أن اتبعت مساره عبر النهر، ولما رأت بأنه يرفض كل الأثداء الفرعونية المعروضة عليه، قفزت من مخبئها، لكي تدل الأميرة ومن معها على امرأة قادرة على أن ترضعه. فإذا بها تأتيه بأمه الحقيقية. كانت المرأة الفرعونية سببا في دخوله الحرم الأسطوري وتلقيه الأساليب الأميرية إلى بلوغه الأربعين من عمره. لقد تبين بالفعل بأن النبي موسى عليه السلام، مدين كليا للنساء. فقد كانت شقيقته مريم، حسب السيرة التوراتية، هي التي أجبرت أباه على أن يعود إلى أمه، بعد أن كان قد قرر الاعتزال وفرضه على بني إسرائيل، وأجبرته، بالعبارة القائلة: «فرعون يريد أن يقضي على الذكور، وأنت تريد أن تجثث الذكور والإناث» . وعاد عمران إلى زوجته فأنجب موسى. وبعد أمه، ربته واعتنت به أميرة فرعونية. وبعد عقود من الزمن ستنقذه زوجته سيفوارا، كما في الميرداش. فقد كان موسى عليه السلام في طريقه إلى سيناء، ونسي أن يختن ابنه أليعازر، وهو نسيان كاد أن يكلفه حياته، لأن يد الله سبحانه كانت ستصله، كما تقتضي تعاليم بني إسرائيل. لكن «زوجته أنقذته في اللحظة الأخيرة عندما أخذت حجرا، فختنت ابنها». وكانت، مرة أخرى، يد أنثوية ترعاه. رن بعض أتباع السيد المسيح قد عابوا عليه واستنكروا أن يتحدث إلى امرأة مدنية ويمسها بيده. والحال أنها المرأة، ذات الرجال السبعة التي كشف لها بأنه المبعوث الإلاهي. وهي أول من صدقه ودافع عنه. ومريم المجدلية التي كانت دليله إلى الحب الكبير، الذي ظل يطالب به البشرية إلى يوم الناس هذا. وهي أول امرأة ستشهد بأنه عاد من قبره وبقي حيا، «وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم». وفي لحظات الصلب كن معه، ورافقنه عندما خانه بعض الرجال. وفارقوه، وصار مدينا لهن بما بقي من الإيمان بعده. آخر الأنبياء، الوحيد من أمة العرب الذي لم يتعامل مع النساء ... بالسيف، وجد إلى جانبه حليمة التي أرضعته، والتي ربته وسهرت عليه، بعد وفاة والدته، ووجد خديجة التي هدأت روعه ووقفت إلى جانبه وقفة..امرأة واحدة. ولم تكن تحتاج إلى فتاوى الشيوخ اليوم، لكي تقف في وجه القبيلة ووجه سادة قريش، وتحفظ السيرة النبوية أيضا اسم خديجة، وحرصها على أن تهدئ من روعه بعد الوحي، وكيف دلته على ورقة بن نوفل، وكيف وثقت به، وضمنت له السريرة الهادئة لرسالته.، لا يتعلق الأمر هنا بدين بين المرأة والأنبياء، بل هو إقرار، وبيان ضد مراسلي وكالة الرعب والكبت في الديانات التي تريد بأي شرط من الشروط تحويل المرأة إلى عنوان ل«اللاتدين» وللخروج من ملة الرحمة والنبوة. الأنبياء مدينون إلى النساء ، ونحن أكثر بكثير مدينون لهن. ولعل الكثير من الترهل العاطفي والرعب الإيديولوجي يتأتى من أننا لا نعترف بالدين، كما هو حال كل مقترض غير جيد. 8 مارس ليست آخر يوم لدفع الفاتورة أو ضبط الحساب، إنها طريقة لبقة للغاية لكي نعد بالفعل ديونها كلها.