شكل غياب الجزائر عن مسلسل اتفاقية أكادير للتبادل الحر بين الدول العربية حدثاً يؤكد إصرارالمتحكمين في القرار السياسي بالجزائر على مقاومة كل المبادرات التوحيدية التي يكون فيها المغرب طرفاً أساسياً حتى ولو كان المتضرر الأكبر من هذه العرقلة هو الجزائر نفسها. لقد التأم وزراء التجارة الخارجية لكل من المغرب وتونس ومصر والأردن يومي 17 و18 فبراير 2010 بالرباط لدراسة حصيلة إنشاء اتفاقية أكادير التي تجمع بينهم والبت في طلبات الانخراط الجديدة، وكما هو ملاحظ فإن اختيار هذا التاريخ كان مقصوداً، فتزامنه مع ذكرى إنشاء اتحاد المغرب بتاريخ 17 فبراير 1989 يحمل أكثر من مغزى ، ولكن عزوف الجزائر عن الانخراط في «اتفاقية أكادير» يحمل أكثر من دلالة. إن الجزائر التي سارعت إلى توقيع اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي وعملت كل ما في وسعها على توطيد علاقاتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية تواجه اليوم مشاكل عويصة تصعب مواجهتها بشكل انفرادي، فبعد الوفد التقني الأوربي الذي زارها قبل بضعة أسابيع لإعداد الاجتماع المرتقب انعقاده خلال شهر يونيو المقبل بهدف مراجعة بنود اتفاقية الشراكة، جاء دور مجلس الكونغريس الأمريكي الذي يسعى بشكل خاص إلى الدفع بالجزائر لشراء سلع أمريكية وتفادي الخلل المتمثل في كون الواردات الأمريكية من الطاقة الجزائرية تضاعف بخمس مرات الصادرات الأمريكية إلى الجزائر. يحدث كل هذا في ظرفية تسعى فيها الجزائر إلى أن تنزع عنها التهم المرتبطة بالإرهاب وإلى أن تعيد للمواطن الجزائري كرامته ثم إلى أن توفر للاقتصاد الجزائري تعددية القطاعات الضرورية لتنويع الموارد وأخيراً إلى أن تحصل على نفس الصفة التي حصل عليها المغرب مع الاتحاد الأوربي، أي أحسن من الدولة الشريكة وأقل من الدولة العضو. ويحدث هذا في ظل ظرفية تسعى فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى مواصلة مشاريع الإصلاح الرامية إلى طي صفحة الأزمة الاقتصادية التي عانت منها العديد من كبريات مقاولاتها المالية والصناعية، ويسعى فيها الاتحاد الأوربي إلى اتقاء مخاطر الأزمة التي طالت في مرحلة أولى بعض الدول المتوسطية الاعضاء كاليونان والبرتغال وإسبانيا. أما غزو السلع الصينية لمختلف الأسواق العالمية فلم يعد مجرد وضع ظرفي وإنما صار معطى هيكلياً على كل الدول، وخاصة منها الناشئة، أن تتخذ من وضعها الداخلي والإقليمي خير صمام لمواجهته والحد من مخاطره. إن عزوف الجزائر عن الانخراط في اتفاقية أكادير أثر بشكل ملحوظ على مردوديتها ولكنه لم يعرضها إلى الشلل، كما أن إصرارها على إبقاء حدودها البرية مع المغرب مغلقة لم تكن له انعكاسات سلبية على باقي دول المغرب العربي وإنما أضر بشكل خاص بالجزائر التي صار مواطنوها يواجهون سلوكات تمس بكرامتهم كلما هموا بالانتقال إلى أوربا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية، كما صار اقتصادها الوطني يواجه إشكالية التبعية شبه الكلية لتقلبات أسعار المحروقات في الأسواق الدولية، وإذا كان فتح حدود برية جديدة مع ليبيا يساير متطلبات العصر ويخدم ضمنياً المشروع المغاربي فإن ربط بناء وحدة المغرب العربي بإنشاء دويلة وهمية بالمنطقة لا يعيق مصالح باقي الدول العربية وإنما يعيق بشكل خاص المصالح الحيوية للجزائر.