تعود أعضاء مجلس الجهة الشرقية الاستماع في بداية كل دورة لعرض افتتاحي يقدمه والي الجهة يستعرض فيه الإنجازات التي تمت في الجهة الشرقية بفضل التدخل المباشر لجلالة الملك محمد السادس منذ الخطاب التاريخي الذي ألقاه في العاصمة الشرقية في مارس 2003، ووهو ما لم يحدث هذه المرة، ففي إطار الدورة العادية لمجلس الجهة لمناقشة الحساب الإداري يوم 26/01/2010، والذي ضم جدول أعمال مكون من سبع نقط همت المصادقة على محضر الدورة العادية لشهر شتنبر 2009، المصادقة على محضر الدورة الاستثنائية لشهر نونبر 2009، تقديم تقرير عن نشاط المكتب وعرض تقارير اللجن الدائمة المنبثقة عن المجلس والنظر في التوصيات المتقدمة بها، دراسة الحساب الإداري للسنة المالية 2009 والمصادقة عليه، برمجة الفائض الناتج عن اختتام السنة المالية 2009 وتحويلات مالية مختلفة إضافة إلى نقطة حول المساهمة في التظاهرات المنظمة بمناسبة تخليد ذكرى يوم الأرض لسنة 2010. أمر رئيس مجلس الجهة مباشرة بعد افتتاح الجلسة بالدخول في مناقشة نقط جدول الأعمال دون قراءتها كما تنص على ذلك القوانين المنظمة، ودون إعطاء الكلمة للوالي كما كان متبعا في الماضي، وبدأت نقط النظام التي أثارت مشاكل متعددة تتعلق بتسيير الجهة، والغياب الدائم لرئيس المجلس وتعيينه لمستشار خاص به! وتعيينه لمناديب اللجن بطريقة خضعت لمنطق الزبونية الانتخابية والولاءات... وأثناء مناقشة تقارير اللجن وتقرير نشاط المكتب المسير، تم الخوض في سفريات الرئيس إلى الخارج (حيث زار فرنسا، إسبانيا، الدنمارك، الولاياتالمتحدةالأمريكية) ولهذه الأسباب تم رفع الاعتماد الخاص بسفر الرئيس إلى خارج المملكة من 8 ملايين سنتيم إلى 38 مليون سنتيم. وأشار المكتب، وبإذن من الرئيس، إلى أنه في نطاق إعداد استراتيجية التنمية للجهة الشرقية وبناء هذه المؤسسة ووضع خطة واضحة لتدخلها، تم عقد اتصالات مع مجموعة من مكاتب الدراسات لإعداد هذه الخطة، وتم بالفعل، كما يقول التقرير، اختيار مكتب دراسات معين ورصدت لهذه الدراسة مبالغ مالية هامة في إطار اتفاقية شراكة من وكالة تنمية أقاليم الجهة الشرقية التي ساهمت بمبلغ 2000000,00 درهم ووزارة الإسكان والتنمية المجلية بمبلغ5000000,00 درهم إضافة إلى مساهمة الجهة الشرقية والتي حدد مكتبها في فائض الميزانية مبلغ 5780000,00 درهم للدارسات العامة. ويتضح من خلال هذه النقطة أن أموالا كثيرة ستخصص لمكتب الدراسات الذي اختاره رئيس الجهة لرسم خارطة طريق لتنمية الجهة الشرقية، وهي النقطة التي أفاضت الكأس وأثارت نقاشا حادا، كان أول من أثاره مستشار اتحادي طالب بضرورة اعتماد الشفافية في تدبير شؤون الجهة واختيار الطرق القانونية لتمرير الصفقات لأي جهة كانت، ومباشرة بعد ذلك تناول والي الجهة الشرقية كلمة أعطى من خلالها ملاحظاته الخاصة حول تدخلات الأعضاء، وأشار إلى أن الاتصالات التي أجراها رئيس مجلس الجهة من أجل تحديد مجالات التدخل يعتبر منافيا للقوانين، وأنه يدخل في إطار تبديد المال العام!! وبمجرد ما انتهى الوالي من كلمته تدخل الرئيس ورد على الوالي بكلمة اعتبرها الحضور سابقة في تاريخ مجلس الجهة الشرقية، بحيث لم يكن أحد يتجرأ على الرد على الولي بهذه الطريقة، حيث خاطبه قائلا: «لم أكن اعرف أن السيد الوالي سيكون عضوا في المعارضة، ويخاطبني أمام الملأ بهذا الكلام، وكان الأجدر أن يقول لي ذلك على انفراد»، مع العلم أنهما ناقشا الموضوع قبل المجيء إلى الدورة، وفي هذا السياق أشار رئيس الجهة إلى أنه لم يجد أي أثر للدراسات التي سبق للجهة أن قامت بها وأن «تدخل الوالي ينم عن أفكار لا تريد تأهيل الجهة، كما لم تكن لدى الوالي أية استراتيجية في هذا الشأن». ليتناول الوالي الكلمة من جديد ويؤكد وبطريقة لبقة تمسكه برأيه حول طريقة التعامل مع مكاتب الدراسات... وبدون تحيز، يمكن القول بأنه آن الأوان لكي يعاد النظر في الطريقة التي يتم بها تسيير الجهة، فلا يعقل أن يتم تحويل أموال طائلة إلى مكاتب دراسات والمواطنون يعانون من الفقر المدقع ومن نقص كبير في البنيات التحتية، والماء والكهرباء والصحة والتعليم... ولولا الالتفاتة الملكية لهذه الجهة والعناية بها لظلت تغرق في التهميش. فهذه الملايين بل الملايير التي حصلت عليها مكاتب دراسات سابقة وأخرى لاحقة. إن خارطة الطريق التي يبحث عنها الرئيس لتنمية الجهة لا توجد فقط عند مكاتب الدراسات، وإنما في المجلس ذاته لو تم الإنصات لأعضائه فهم أدرى بشعاب جهتهم، وهم الذين يعرفون أين يكمن الداء، وهم الذين يستطيعون البحث عن الدواء. أموال طائلة تم تشتيتها 16 مليار سنتيم كانت في فائض ميزانية الجهة وتم توزيعها بطريقة ارتجالية على الأقاليم، كان المستفيد منها أصحاب مكاتب الدراسات، والأسئلة المطروحة لماذا لم يتم بناء مقر الجهة آنذاك، ويتم الآن البحث عن موارد لإتمامه؟ لماذا لم يتم شراء السيارات والحافلات، والتي تم تخصيص 1427977,27 درهم لشرائها؟ لماذا لم يتم تخصيص ذلك المبلغ لتزويد العالم القروي بالكهرباء والماء الصالح للشرب؟ لماذا لم يتم تخصيص بعض الاعتمادات لإصلاح الفرعيات المدرسية وبناء المراكز الصحية؟ أضف إلى ذلك أن أموالا طائلة يتم تفويتها إلى جمعيات ثقافية وهمية لا علاقة لها بالثقافة، والأنكى من ذلك أن بعض المستشارين بالجهة كونوا جمعيات ثقافية للاستفادة من هذه المنح، هناك أشياء كثيرة تنم عن تبذير المال العام... يجب أن يتوقف هذا النزيف والالتفات إلى المواطنين الفقراء، الذين لازالوا يبحثون ليل نهار عن لقمة العيش، ويبدو أنه وفي إطار الجهوية الموسعة التي دعا إليها جلالة الملك يجب إعادة النظر في كل الآليات الصدئة التي تشتغل بها الجهة، وأن تكون هناك ديموقراطية حقيقية، يستفيد منها المواطنون أولا وأخيرا، وأن تكون هناك حكامة جيدة لتحقيق جهوية متقدمة مبنية على أسس اقتصادية وسوسيو ثقافية متينة، تقلص من الفوارق الطبقية الكبيرة.