تبدأ بين المغرب والجزائر جولة جديدة من المفاوضات، وتأتي الجولة الخامسة في نيويورك، تحت إشراف الأممالمتحدة، والمبعوث الشخصي للأمين العام بان كي مون.. بان كيمون ثمن قبول الأطراف اقتراح مبعوثه، داعيا إلى حوار متقدم ومنتج، وهو ما يكشف الحاجة الدولية الفعلية إلى ثمار فعلية لهذه المفاوضات. ولحد الساعة مازالت الأجندة الجزائرية الإنفصالية تريد العودة إلى التوقيت الزمني السابق للحكم الذاتي. لقد انعقدت الجولات الأولى في سياق التراجع عن مخطط بيكر، وتقدم المغرب على خطوات الحل السياسي .. الجولات الثلاث السابقة دارت في جلسات مغلقة، لكنها أيضا، كانت مفتوحة على تطورات عديدة.. منها انفتاح العالم على المغرب، ومساندة العواصم الكبرى لمقترح الحكم الذاتي .. البوليزاريو يريد أن يخوض مفاوضات تحت الحرب، وهو ما ظل يلوح به دوما عند كل منعطف حواري. كما أنه يربط بين دخوله في المفاوضات وبين القبول بالاستقلال ومبدئه .. إن الخلفية التي تحرك الكثير من ساسة الجزائر هي أن المغرب على منحدر التنازل دوما. وهم في ذلك يقرأون بأعينهم، وكما يرىدون تطورات الملف من استرجاع البلاد لصحرائها، أو قبلها عندما كان الموقف من جيش تحرير الجنوب ملتبسا ومناهضا للعمل التحرري. وبعدها فلا يخفي قادة الجزائر أن المغرب أعلن، بعيد استكمال وحدته الترابية وإعلان توقيف المسيرة المظفرة، أن الملف أغلق وانتهى، وأن البلاد حررت جنوبها وكفى، غير أنه «تنازل» من بعد وقبل الاستفتاء، وهو ما يعني وقتها قبول المغرب دخول الملف في حوزة الاحتمال وعودة طرح السؤال من جديد، هل هذه أرضي، أم أرض مازلت أبحث عن تحريرها ودمجها نهائيا؟ كما أن الطرف الآخر يرى أن تأزيم الوضع «داخليا» يمكنه أن يضع المغرب في وضع صعب، وتأتي المفاوضات الحالية في سياق ما عرفته المنطقة من توترات كان أهمها زيارة مجموعة من الإنفصاليين لتندوف، وما عرفته قضية أميناتو حيدر، والسعي الحثيث لجعل حقوق الإنسان هي نقطة الضعف في المقبل من المفاوضات. لكن البوليزاريو عليه أيضا أن يجيب عن الكثير من الأسئلة في المجال الحقوقي، والأسئلة التي خلفتها مساعي الحل إلى حد الآن. لقد سبق لشقيق المؤسس، البشير السيد، أن اعتبر فكرة الإستقلال الكامل انتحارا ، في حال «التخلي عنها هكذا بدون اتفاقية كاملة شاملة بكل حيثياتها وبكل تفاصيلها.. » وهو ما يعني المغرب العربي، والحال أن تلك طريقة ملتوية لكي تبقى الجزائر في صلب الحل، وهو ما لم يتم الإقرار به إلى حدود الساعة من طرف الشريك الأممي، واعتبرها دولة جوار وليس إلا. إن التفاوض لا يمكن أن يكون مع الأشباح، ولا مع حسن النوايا، بل على قاعدة تحديد الطرف الأساسي في الحرب والسلم، وهو هنا الجزائر. لقد تقدم المغرب بالمقترح الذي لقي الترحيب، وقدم الكثير من أجل أن يصل إلى ذلك، ولا يمكن أن يسير في طريق رسمها طرف غائب عن طاولة المفاوضات. الملف الذي نضعه بين أيدي القراء يتضمن ذكريات خاصة بأحد رموز الانفصال وهو البشير مصطفى السيد، وكذلك عودة الى مسار المفاوضات، أو ما عرف منها سواء عبر مذكرات سياسية( أحمد الإبراهيمي) أو من خلال ما قالته الصحف في هذا الباب.. وككل ملفات التفاوض لابد من أن التاريخ يحتفط لنفسه بالكثير من الأسرار..