قضى الحبيب الشرقاوي ستين سنة من العمل الوطني والسياسي، منذ أن انخرط في حزب الاستقلال سنة 1950 وكان قد مضى عليه 18 سنة. وكان طبيعيا أن يلتحق بمدرسة الوطنية لأن والده رحمه الله كان أحد الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال سنة 1944، كما كان رحمه الله صديقا لكبار القادة الاستقلاليين وواحدا منهم.. الحبيب الشرقاوي، الذي يعرف الكثير من المناضلين أنه لا يخشى في الحق لومة لائم، والرجل الامين والمتكتم ، يفتح قلبه للاتحاد الاشتراكي ليرحل بنا عبر ذكرياته منذ ايام الشهيد المهدي الى مغرب الناس هذا ، مرورا بسنوات الجمر وبالمعتقلات وبالاسرار السياسية ... وبقضايا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية... في إطار التسلسل الزمني، ويوم 13 مارس1959 تقدم المرحومان علال الفاسي وأحمد بلافريج برفع دعوى قضائية لدى محكمة الدارالبيضاء لمنع الجامعات المتحدة من حمل اسم «حزب الاستقلال».ما مصير تلك الدعوة؟ لم يصدر أي حكم في تلك القضية ، وتسارعت وتيرة الأحداث وأسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. في الشهر الموالي عقدت الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال تجمعات حاشدة في أرجاء البلاد يوم 5 أبريل 1959 ورفعت خلاصات وتوصيات تلك التجمعات في شكل ملتمس إلى الملك محمد الخامس.هل كان رد أو جواب من قبل الملك؟ لم يصدر أي رد فعل من الملك. وأرى أن الأمر طبيعي للدور الذي كان يقوم به ولي العهد. هل كان هناك شعور لديك ولدى المناضلين أن الملك يتعاطف مع المنتفضين؟ ساد هذا اعتقاد بين الناس. مواكبة لما كتبته جريدة التحرير حينها، جاء في أحد عناوينها أن هذا الاتحاد الوطني يحظى بثقة الملك والشعب، لأنه جاء استجابة لإرادتيهما. هل كان هذا الشعور لدى المناضلين والمواطنين؟ نعم لم يكن هذا الأمر مستبعدا. رفع شعار « لا حزبية بعد اليوم» . هل يعني أن لا انتماء لحزب الاستقلال باعتبار أن أعضاء حزب الاستقلال كانوا يسمون أنفسهم بالحزبيين؟ لا أظن ذلك. يحكى أن عبد الرحيم بوعبيد سأل مرة المهدي بن بركة عن رفعه لذلك الشعار في نفس الوقت الذي يؤسس فيه حزبا. ما حكي غير صحيح. كيف تم اختيار اسم»الاتحاد الوطني للقوات الشعبية»؟ (ضاحكا) لماذا؟ ألا يعجبك هذا الاسم؟ لقد تقدم مجموعة من الإخوة بعدة اقتراحات واستقر الأمر في النهاية على الإتحاد الوطني للقوات الشعبية. هل تذكر بعض المقترحات؟ بالتدقيق؟ لا أتذكرها. انطلق الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ،كيف عشت أجواء المؤتمر التأسيسي؟ عقد المؤتمر التأسيسي في شتنبر1959 بالدارالبيضاء ، لم أحضره، لكن تابعت أشغاله حيث كنت ساهرا على المداومة بمقر الحزب. عبد الرحيم بوعبيد التحق بالانتفاضة وحضر المؤتمر التأسيسي. هل تم إقناعه. مثلا من طرف المهدي بن بركة؟ عندما اقتنع عبد الرحيم التحق بالانتفاضة. ذكرأن العلامة مولاي محمد بن العربي العلوي، المستشار بمجلس التاج، كانت له علاقة جيدة مع الملك محمد الخامس، هل لعب دورا ما بين الملك وقيادة الجامعات المتحدة؟ نعم لعب بن العربي العلوي رحمه الله، دورا هاما بين الطرفين. وعلاقاته المتميزة بالملك محمد الخامس لم تمنعه من تقديم استقالته من مجلس التاج مباشرة بعد اعتقال اليوسفي والبصري ومحاكمة جريدة التحرير سنة 1959 على إثر نشر افتتاحية عنوانها : الحكومة مسؤولة أمام الشعب، كل ذلك أياما قبل إقالة حكومة عبد الله إبراهيم. ما هي ذكرياتك عن مولاي العربي العلوي؟ بما أن منزله كان قريبا من منزلنا، كنت أزوره أحيانا. فالعلامة والمناضل كان بسيطا في حياته ، خفيف الروح وصاحب نكتة أيضا. رحمة الله عليه. وذكرياتك عن الأستاذ عبد الله ابراهيم؟ سأحكي لك واقعة . كنت أعمل بوزارة الخارجية و كانت ترد عليها كل الصحف إلا جريدة التحرير. فطلبت من الإخوان أن يزودوني بعشرين أو ثلاثين نسخة، أقوم بعد ذلك بتوزيعها على رؤساء الأقسام بالوزارة وعلى بعض الموظفين.بُلغ عبد الله إبراهيم بذلك، وكان حينها وزيرا للخارجية، واستدعاني إلى مكتبه واستفسرني عما قمت به. فقلت ما بُلغت به صحيح ، لكن لا أدري سبب عدم وجود جريدة التحرير من بين الجرائد التي ترد على الوزارة. فكان رده أن علي أن أتوقف عن تكرار مثل هذا العمل. بطبيعة الحال، لم أتوقف عن توزيع الجريدة داخل الوزارة. ولم يتم استدعائي من طرفه مرة أخرى. متى التحقت بالعمل في وزارة الخارجية؟ ستة أشهر بعد تأسيسها. فالوزارة أسست في شهر أبريل 1956 والتحقت بالعمل فيها في شهر نونبر من نفس السنة. كيف تم هذا الاختيار؟ وهل لوالدك دور؟ كما أسلفت كانت تجمع بين والدي والسيد أحمد بلافريج علاقة صداقة متينة، من المؤكد أن تأثيرها كان واضحا. وبمجرد ما أن فاتح والدي صديقه في أمري ، أرسل في طلبي وألحقني بالوزارة التي، كما أسلفت ، كانت تضم أطرا مغربية من المستوى العالي جدا، أذكر من بينهم الأستاذ أمحمد بوستة الذي كان يشغل منصب مدير الديوان ،محمد الجعيدي الذي كان رئيسا للديوان ، المهدي زنطار ، السنوسي ، مولاي أحمد الشرقاوي، مولاي أحمد العراقي ،الأمين بنجلون ، عبد اللطيف الفيلالي المشرف على القسم القانوني .. كيف كانت تتحرك وزارة الخارجية في ذلك الوقت؟ رغم صعوبات البداية كان عمل وتحرك الوزارة في المستوى. وأكرر مرة أخرى أن الفضل يرجع للأخ أحمد بلافريج الذي يمكن القول أنه طبعها بطابع خاص. فقد كان دبلوماسيا محنكا. هذه هي الحقيقة. هل التقيت به في إطار عملك بوزارة الخارجية؟ لا ولكن كنت دائم الزيارة لبيته. ومع عبد الله ابراهيم ؟ باستثناء اللقاء الذي جمعني به عندما استدعاني في قضية توزيع الجريدة.لكن كنت التقي به خارج إطار العمل وأحيانا بمقر الحزب. بعد إضراب 1961 طردت ومعك آخرون من العمل. ماذا فعلت؟ كنت ألتقي مع بعض الإخوة المطرودين مثلي من الوزارة . وكان همنا وضعية الأعوان الذين شملهم الطرد.فالمساعدات التي كنا نجمعها لهم لم تكن كافية. وبصفتي الكاتب العام للنقابة توجهت مع المكتب النقابي لمقابلة الكاتب العام، المحجوب بن الصديق بالدارالبيضاء. واستقبلنا بمكتبه بمقر الاتحاد المغربي للشغل وشرحنا له موضوع الزيارة. فرد علينا قائلا ( أنتم الموظفون من بينكم من يغير بذلته ثلاث مرات في اليوم وتقومون بالإضراب؟ أنا لا يهمني هذا الأمر. أنا قاعد بالطابق السابع). بعد الإضراب، وباستثناء السند الحزبي ، لم نجد أي سند من النقابة إلا من طرف المناضل الهاشمي بناني رحمه الله، والذي آزرنا بقوة وسيؤدي غاليا ثمن مساعدته لنا ،إذ تكلف الجهاز النقابي بتسخير مجموعة للاعتداء عليه ليلا وأمام منزله،ونجا من موت محقق بفضل أضواء سيارة تقودها فرنسية كانت تمر بالقرب من مكان الاعتداء. فر المعتدون وتركوه في حالة يرثى لها. منذ إضراب 1961 لم يعد أي وجود لأي تنظيم نقابي بالوزارة؟ نهائيا. هل مورست عليكم ضغوط قبل تنفيذ الإضراب؟ مورست علينا ضغوط من طرف الكاتب العام للوزارة وكذلك من طرف كاتب الدولة في الخارجية السيد العربي العلمي. لقد خضنا إضرابا فقط للمطالبة بقانون أساسي لموظفي وزارة الخارجية، وتم طرد العديد من الموظفين ،بعضهم أرجع لعمله لما عاد أحمد بلافريج للوزارة . في هذا الصدد أتذكر أن الحسن الثاني زار مقر الوزارة بعد الاضراب حيث وعد العاملين بها بصياغة قانون أساسي مادام هو مطلبهم ، ثم التفت إلى عبد السلام حجي والذي رجع لوظيفته بعد أن كان قد شارك في الإضراب وطرد - مخاطبا إياه:( إيوا، السي عبد السلام ، كيف جاتك الخدمة مع الحكم الفردي ؟) بالنسبة لعلاقاتك واتصالاتك مع أعضاء القيادة هل كانت سهلة ، سلسة..؟ قلت سابقا كانت لي اتصالات عديدة مع الشهيد المهدي بن بركة في ذلك الوقت ، أما مع عبد الرحمان اليوسفي فقد توطدت العلاقة بيننا بعد خروجنا من السجن، إذ شاركنا نفس المعتقل بالمعاريف بالدارالبيضاء عام 1963 . وبعد خروجه من السجن لم نكن نفترق إلا نادرا حيث كان يزورني باستمرار في منزلنا بحي مارسا. لماذا اعتقلت؟ وكيف كانت ظروف الاعتقال؟ الاجتماع قوات الأمن بقيادة السفاح علي بن قاسم الذي هدد بتكسير باب المقر إذا لم نُسلم أنفسنا. خرجنا، وامتطينا سيارات الشرطة الواحد تلو الآخر ثم نقلنا جميعا إلى مقر الاعتقال. الغريب في الأمر أن الشهيد عمر بنجلون، بادر فاصطحب معه صحفيا من وكالة رويتر للأنباء الذي كان حاضرا معنا ، متابعا لأشغال اجتماع اللجنة المركزية ، ولولا هذه المبادرة لكانت التهمة الموجهة للمجتمعين أكبر وأخطر. فمخطط البوليس، المعد سلفا قبل الهجوم، كان عبارة عن سيناريو محبوك يقضي الإتيانَ بأسلحة نارية وإخراجنا من المقر مع تلك الأسلحة. حضور ذلك الصحفي أنقذنا من ذلك المخطط الجهنمي. نقل المجتمعون إذن إلى مركز الشرطة بالمعاريف، من بينهم عبد الرحمان اليوسفي، وكذلك عبد الرحيم بوعبيد الذي أفرج عنه بعد نصف ساعة .ودام اعتقالنا بالضبط شهرا وخمسة أيام، تم عزل عبد الرحمان عن بقية المعتقلين التي كانت تضم العديد من وجوه المقاومة المعروفين أمثال العربي الفكيكي، إبراهيم تروست، الحبيب الفرقاني .. كذلك اعتقل الإخوة محمد اليازغي، عابد الجابري، محمد بنسعيد والأستاذ حميد كريم الذي كان المسؤول على إدارة الحزب بمقر الكتابة العامة. على ذكر المقاومين، شهدت السنوات الأولى بعد الاستقلال تصفيات وإعدامات في حق بعضهم؟ أقول المسؤول الأول عن كل تلك التصفيات والإعدامات هما : الجهاز البوليسي والمخابرات وقد ذهب ضحية تلك التصفيات الجسدية عدد من المقاومين رحمهم الله. بالمناسبة، عندما تولى محمد الغزاوي ، مديرية الأمن الوطني ، عمل على ضم عدد من المقاومين للعمل في الأجهزة الأمنية ، فمثلا الشخص الذي كان يقودنا من وكر الاعتقال إلى قبو التعذيب بدرب مولاي الشريف لم يكن سوى المتنبي الذي كان مقاوما معروفا. وماذا عن المقاوم عباس لمساعدي وما كان يروج لحظة اغتياله؟ شخصيا تحدثت مع العديد من المقاومين الذين عايشوا الحدث عن كثب، وأكدوا لي أن لا علاقة للمهدي بن بركة بذلك الاغتيال. كما أكدوا أن تصفيته تمت من قبل الجهاز البوليسي والمخابرات ، عملا على تسخير المقاوم كريم حجاج وإغرائه بالحصول على عدة امتيازات ، وذلك لاغتيال المقاوم الفذ عباس لمساعدي. الجذير بالذكر أيضا ، ولطمس حقيقة ما جرى ، قام الجهاز البوليسي بعد ذلك بتصفية كريم حجاج. فالمقاوم لمساعدي رفض اتفاقيات «إيكس ليبان» وكان يصر أن لا مفاوضات إلا بالتحرير الكامل للمغرب. فتمت تصفيته وروجت دعاية كاذبة للتغطية عن تلك الجريمة الشنيعة.