هناك في بلاد الملايين الفقراء من يتقاضى 20 مليون سنتيم نقدا كل شهر، بدون احتساب الامتيازات والعلاوات وما يصاحب ذلك من جاه قادر، هو أيضا، على أن يرسمل. وهناك من يحسده لأنه لا يتقاضى سوى 15 مليونا، وهناك رجال مساكين مغبونين لا يتقاضون سوى 13 مليونا، وهناك من لا يتجاوز الحد الأدنى للأجر لديهم سوى 9 ملايين، وهم عادة يستيقظون باكرا ويقفون صفا طويلا في انتظار طاكسي كبير، وفي الغالب يضطرون إلى الأكل في الشارع العام، ليس مثل الذين يقبضون على 20 مليونا وعلى أرواحنا. وإذا كان متوسط الأجر في المغرب، حسب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي هو 3 آلاف درهم، بالنسبة للمؤمنين، فيمكن أن نحسبها بالفارق يتجاوز 66 مرة في المئة. وبمعنى آخر، أن بين الأجر الأول والأجر الثاني ما بين الصومال والنرويج - قياس الخير-. وفي المغرب تبين الإحصائيات أن أقل من 10% يتجاوز أجرهم 6 آلاف درهم، مع ميل إلى تحسن طفيف في الوظيفة العمومية، ولاسيما منذ نهاية التسعينيات.. وبعد أن انقضت الطبقة الوسطى، لم يعد في البلاد سوى الفقراء، والأثرياء .. وأصحاب الأجر.. ومنا ما لم يخرج من الدنيا سوى بأجر الثواب والعاقبة الحسنى.. ومنا من عمله قليل للغاية وأجره كثير، وطبعا منا نحن المغاربة من لا يشتغل أبدا وله أجر في الدنيا يفوق أجرنا جميعا في الدنيا والآخرة، والذي لا يحب المال يكره الكثيرون في السياسة طبعا، وفي المجتمع لأنه مشبوه طويلا وعريضا: كيف لا تحب المال الفائض عن البلاد، وتقول بأنك تحبها؟ هكذا يستنكرون ما نقوم به.. والذين لا يحبون الشعبوية يقولون، عن حق طبعا أن الأجور العليا في الوظيفة العمومية مطلوبة، لأنها قانون المنافسة. فالموظف السامي الذي لا تدفع له الدولة يختار القطاع الخاص. والواقع أن القطاع العام انهالوا عليه بالإستنزاف حتى عاد من الضروري، أو من الحتمي أن يمر إلى الخوصصة: على الأقل لا تدفع الدولة ثمن الخراب والتخريب، وربما تفتح أبوابا للتوظيف! ومن الغريب أن الرؤساء والمدراء الكبار لا يتعرضون للنقد أبدا. فهل سمعتم بمدير عام أو رئيس مدير عام تم التشهير به، ونعت بأنه في الكراسي الوثيرة أو أنه باع المبادىء، أو قرأتم من يخبرنا بنهاية التاريخ لأن البعض من كبار الموظفين ألقى حوالة في نهاية الشهر؟ وفي الحقيقة، لقد تلقى الوزراء الكثير من النقد مجانيا، كما لو أنهم هم الذين يستنزفون المالية العامة، والحقيقة أن الكثير من أصحاب الأجور العليا يتجاوز حدهم الأدنى لوزراء مرتين أو ثلاثة .. ولم نفتح بعد الحوار في هذا الشأن في بلادنا. الوزراء ربما يسمون الأجرة لائحة رسمية، والموثقون والأطباء والمحامون يسمونه أتعابا، والعمال والموظفون الكبار هم الذين يسمونه أجرة.... ونحن نسميه أجرا ... في سبيل الله! لقد بينت الأزمة أن هناك حاجة إلى ترشيد المال العام والأجور، حتى لا تبقى مستفزة، وحتى يشعر العالم أن فوق الجميع أزمة عالمية تستحق بعض التضحيات.!