بين يوم وصوله إلى الدارالبيضاء في 14 ماي 1912 بعد تعيينه مقيما عاما لفرنسا في المغرب، ويوم مغادرته ذات المدينة في 12 أكتوبر 1925، استطاع أوبير ليوطي أن يطبع مسار مملكة الحماية وأن يهدي الجمهورية إمبراطورية. مؤخرا صدرت الطبعة الثانية من السيرة الشاملة التي خصصها أرنو تيسيي ل "مهندس المغرب الحديث"، سيرة نقدم للقراء عرضا لفصولها المتمحورة حول مغرب ليوطي. حسب العديد من المؤرخين الذين أعادوا قراءة تجربة ليوطي على رأس الإقامة العامة بالمغرب، فسياسته الموسومة ب «سياسة الأهالي» المزعومة لم تكن في العمق، سوى قناع لاستعمار كلاسيكي، استعمار مؤسس على الإدارة المباشرة وإيلاء الأهمية القصوى للمصالح الفرنسية. إن الجنرال لا يقبل بديلا عن حكم المغرب فعليا،ليس عبر الاختفاء خلف مبرر سلطة شريفة وهمية، بل عن طريق التوظيف الكامل لمبدأ الوحدة الذي يجسده السلطان سياسيا ودينيا. نظام الحماية، وفق منظور ليوطي، مماثل للنظام الملكي البريطاني، حيث يجسد العاهل الوحدة والتقاليد، بينما يدير الوزير الأول دواليب الحكم فعليا، مع ضرورة وجود الاثنين، لكن ثمة فرق جوهري بين نمطي الحكم في انجلترا والمغرب، ذلك أننا في حضرة وضع استعماري بالنسبة للمغرب، وأن المقيم العام ليس مغربيا بخلاف الوزير الأول البريطاني، وهو اختلاف عميق كثيرا ما يتناساه الجنرال! ليس نظام الحماية، حسب ليوطي، مجرد معادلة نظرية انتقالية، بل «واقعا متواصلا زمنيا»، وهي الفكرة التي يفصح عنها بدون لف ولا دوران حين يكتب في تقرير حرره سنة 1914 بأن التوغل الاقتصادي والأخلاقي في أوساط شعب ما لايمكن أن يتحقق عن طريق إخضاعه «لقوتنا ولا حتى لحرياتنا»، بل بواسطة «شراكة وطيدة ندير شؤونه في إطارها بسلم عبر هيئاته الحكومية الذاتية ووفق تقاليده و مفهومه الخاص للحريات». هناك و ثيقة أساسية تميط اللثام أكثر على مقاربة ليوطي لنظام الحماية، وهو التقرير الذي بعثه إلى وزير الخارجية الفرنسي في 15 يونيو 1915، لمناقشة مقترح قانون كان يرمي إلى تيسير سبل منح الجنسية الفرنسية للجنود وقدماء المحاربين في صفوف الجيش الفرنسي المنحدرين من الجزائر وتونس والمغرب. في هذه المراسلة، يعتبر المقيم العام أن تطبيق إجراء من هذا القبيل في المملكة الشريفة يمثل قرارا لا منطقيا بشكل مطلق، وأنه سيخلق فوضى عارمة. إنه فكرة سيئة منبثقة من إرادة تنميط ما ليس قابلا للتنميط في شمال إفريقيا، ومن جهل شامل لواقع الحماية وعقليات الأهالي. ويضيف ليوطي في تقريره أن «منح الجنسية الفرنسية سيولد فئة من المنبوذين داخل المجتمع المغربي، طبقة من العكسريين مقتلعة من جذورها ومحتقرة». ومن جهة أخرى، أثار فصل مقترح القانون الذي يقصي المغاربة متعددي الزوجات من الحصول على الجنسية الفرنسية، أثار حفيظة الجنرال مما جعله يؤكد بأن تعدد الزوجات «يمثل إلى مدى بعيد عماد التنظيم العائلي في المغرب»، مضيفا «إعلان كون الزواج الأحادي أسمى وكونه الطبيعي بمفرده والقانوني من وجهة النظر الفرنسية، إعلان سيجسد تحديا للعادات والتقاليد الاجتماعية والدينية، وإهانة حقيقية للسلطان أولا، وكذلك للنخبة برمتها ولعموم المغاربة». وعلى مستوى آخر، فقد شعر ليوطي بالغضب جراء «المماثلة» التي قام بها البرلمانيون، في إطار مقترح قانون «التجنيس»، بين المغرب والجزائر، ولذا نجده يكتب بأن المغاربة يعتبرون هذه الأخيرة (الجزائر) أرضا مغلوبة ومسيطر عليها. أضف إلى ذلك أن الجزائر لم تشكل أبدا دولة قائمة متوفرة على تنظيم اجتماعي حقيقي، بينما المغرب مملكة حقيقية رغم معاناته مؤخرا من الانحطاط. وفي سياق معارضته لهذه المماثلة البرلمانية بين المغرب والجزائر، يذهب المقيم العام إلى حد أبعد عبر مقارنة الاستقبالات التي عرفها في وهران ( حيث كان الأعيان الجزائريون يهمشون ويعاملون بلامبالاة) بالاحترام الدائم المباشَر إزاء أعضاء المخزن وكبار قواد مراكش في المغرب. وأكثر من هذا، فمقترح «التجنيس» ينتهك، في رأيه، سلطات السلطان ويخرق مبدأ الحماية. سيواصل ليوطي إذن جهوده الرامية إلى إحكام نفوذ سلطات الحماية على المغرب عسكريا وإداريا. هكذا، سيطالب باريس بتوحيد القيادة العسكرية الفرنسية، مغربيا، تحت رئاسته لتجاوز الازدواجية القائمة على أرض الواقع، حيث كانت القيادة العسكرية العليا موكولة للمقيم العام، بينما قيادة جيش الاحتلال بين يدي الجنرال فرانشي ديسبيري الذي خلف موانيي في هذا المنصب. أما إداريا، فسيستقطب ليوطي الموظفين السامين من «مدرسة العلوم السياسية» التي كانت تقوم، أيامها، بتكوين الأطر العليا قبل إنشاء «المدرسة الوطنية للإدارة». أما في المغرب، فسينظم مباريات لتوظيف «مراقبين مدنيين» ليضطلعوا بمهام «التأطير والتسيير» في دواليب إدارة الحماية. سنة إذن بعد حلوله في المغرب، سيتوفر الجنرال على الآليات المؤسساتية اللازمة لإعمال منظوره للحماية. سيظل المخزن التقليدي مكلفا، في إطار هذا المعمار، بكل ما يمت للدين بصلة وبتدبير شؤون المجتمع المغربي، وذلك تحت مراقبة الكتابة العامة للحكومة الشريفة المكلفة أيضا، وبشكل مباشر، بالقضايا الإقتصادية والجبائية والعسكرية. ومن جهته، فالمقيم العام هو المسؤول المباشر عن الحرب والديبلوماسية. وكانت كل النصوص المحضرة من قبل الكتابة العامة والمتعلقة بشؤون الأهالي تستلزم التنسيق مع مصالح الصدر الأعظم، مثلما تتطلب، قبل إقرارها النهائي، موافقة هذا الأخير والسلطان. وتشكل هذه الآلية، حسب ليوطي «حقا فعليا للمراقبة»، حق ستتمتع به مناصفة مؤسسة أخرى سيسهر المقيم العام على إنشائها وتطويرها: «مجلس الوزراء».