في السياسة المغربية يمكنك أن تؤسس حزبا وتبرر تأسيسه باسم الشعب. وباسم الشعب تبرر أيضا أنك فشلت في إقناع الشعب بأن حزبك ليس هو الحزب الذي لم يعد الشعب يحبه. في السياسة المغربية يمكنك أن تكون يساريا حتى النخاع، وتكون محظوظا جدا لأنك كذلك، لكنك إذا فشلت ستجد دوما الحزب الذي اخترت طرفه البعيد، كأن يكون الاتحاد الاشتراكي مثلا، لكي تعلق عليه قميصك الدامي ولا تكون الشجاعة هي الإقرار بالضعف أو بالنسبية، بل أن تستطيع أن تقول على من خاصمته أنه السبب، بأثر تقدمي هذه المرة لمرارتك..! ولا تكون الشجاعة أن تعبر عن نفسك عاريا كما الحقيقة، بل أن تختفي في لباس الذين تنتقذهم.. لا أن تتعب من نفسك التي لا ترى الواقع، بل أن تكون لك الجهد الكافي لكي تضع الآخرين في التراب وتمشي مثل نعامة.. ففي نتيجة فشلك تبدو عيوب الذين فازوا نسبيا ويبقى المنطق سليما ومتداولا وكثير التردد، كما لو أنه شمس الحقيقة.. ويمكنك أن تكون يساريا حتى النخاع وتكتشف أن الحزب الذي تقذفه بالحجر يصلح أن تستغله من الخارج لا أن تعمل لفائدته من الداخل .. ويمكنك في منطق السياسة المغربية أن تكون يساريا، مثلا، وتجد من يجعل لك موقعا في اليمين، لأنه لا يمكنه أن يتخيلك كما تريد أنت، بل كما يريد هو... ويمكن أن يجعل منك ليبراليا، ولماذا لا ليبراليا متوحشا تأكل نفسك أولا، وتلتهمها، لكي لا يبقى منك شيئا، ووقتها يعينونك ليبراليا جميلا يصلح للسهرات الخاصة ولعناوين الصحف وفي بلاد أكلة اللحوم.. ستكون أنت الأكثر أخلاقية من الآخرين حتى ولو كنت متوحشا كما يراك الآخرون، العشبيون في السياسة.. وكما يحدث في السياسة المتوحشة، هناك سياسيون في البلاد إذا عرفوا بأن الناخبين يأكلون اللحم البشري رموا لهم لحم إخوتهم وربما لحم الشعب المغربي الشقيق..! الليبرالي المتوحش، يعني في تعريف الآخرين هو الذي يذهب إلى المطعم ويطلب طبقا ... من لحم النادل شخصيا ! وهل تعرف لماذا يجعلونك ليبراليا متوحشا تأكل نفسك، لأنهم بالرغم من كل القتل الذي تجود به السياسة في البلاد لا تجد مقبرة قرب البرلمان أو عند المجالس البلدية! ويجدر بك أن تكون ليبراليا متوحشا كما تريد لك الوصفة الجاهزة، والحرص على أن تأكل نفسك بالشوكة والسكين حتى يعترفون لك بالتقدم وبحسن التأويل.. وإذا ما استبد بك ضميرك في لحظة ما من لحظات الصحوة، ستجد الرغبة في أن تأكل من تشاء لا لتشبع، بل لكي .. تتقيأه في النهاية مع إحساس مفرط بالراحة..! يمكنك في السياسة المغربية ألا تكون شيئا قبل نهاية النهار، وقبيل طلوع الفجر يصوم الناس كلهم من أجلك بدون الحاجة إلى تبين الخيط الأبيض من الأسود، حتى يمكنك أن تكون شيئا آخر. في المغرب السياسي أيضا يمكنك أن تضع جزمتك كعسكري وتدخل البرلمان فاتحا كبيرا ومزدوج القبعات، كما يكون آخرون مزدوجي اللغات.. وفي المغرب السياسي يمكن لصحافي أن يضعك حيث يستطيع أن يكون تحليله سليما، ولا يشوش عليه أي ظل، لا لأنه على خطأ دوما، بل لأنك أنت أيضا لا تسير بظل واحد فقط، ولك ظلال كثيرة. لا شيء يجعلنا عظماء فعلا، كالجهل في هذا الميدان بالذات. في السياسة المغربية يمكنك أن تكون جلادا وتبني منتدى للديمقراطية، وأن تكون سفاحا وتجد من يشركك في أحقاده على الديمقراطيين. وفي السياسة المغربية يمكنك أن تعيش بالحد الأدنى من الأجر... الانتخابي مع تقديم الحد الأدنى من الإسفاف.. وفي السياسة المغربية يمكنك أن تقضي شهورا طويلة لتجيب: ما هي العلاقة الممكنة بين سروال امرأة وجنة الله .. ومصير الإنتقال الديمقراطي، ولا تجد جوابا شافيا، ومع ذلك تبتسم كمن عثر على قانون الجاذبية! في السياسة المغربية يمكنك أن تتآخى مع الغرابة وتحولها إلى تراث وطني دون الحاجة إلى شعور بالذنب.