الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب عتيد، أحبه لعدة اعتبارات، أقواها كونه حزبا لم يأت بقرار من الإدارة، ولا بقرار من كمشة من السياسيين فاتهم قطار الأحداث السياسية في يوم من أيام المغرب المتحول، ولا بقرار من ثوار دبابات الخطب الملتهبة باسم الثورة التي تأكل أبناءها، وهو حزب لم يولد من دخان الزمن السياسي للأرض المحروقة. إنه حزب عانقه المقاومون الصادقون والمناضلون المخلصون الأوفياء لروح المقاومة، مناضلو التحرير والديمقراطية والاشتراكية يوم لم يكن المجتمع يفهم من الاشتراكية إلا كونها إعلان حرب على الظلم والعسف. وبذلك كان الاتحاد مفتق المجال السياسي المغربي دوما بطليعته كما بنخبته. لم يكن المغاربة يفهمون ما معنى الاشتراكية، ولكنهم يثقون في طليعتهم الاتحادية، لم يكن المغاربة يستدخلون مفهوم الديمقراطية لكنهم يؤمنون بصدق نوايا النخبة الاتحادية، لكل ذلك اعتنق المغاربة هذا الحزب ضدا على كل الدسائس والمؤامرات، وضدا على كل القرارات الممخزنة والاستخباراتية. وساروا من ورائه يحدوهم الأمل في الغد الأفضل. فمولوا مقرات الاتحاد وأنشطته، دعموه في كل معاركه، رغم كل الآليات الجهنمية التي راكمها مستفيدو الاستقلال المصادر، وتجار سنوات الرصاص.. لم يكن الحزب يفكر في التمويل ولا في التواصل ولا في التنظيم(تنظيم التظاهرات والأنشطة)، فقد كانت الجماهير تتولى ذلك نيابة عن القيادة والأجهزة الحزبية.. لم يكن الحزب يحتاج إلى قوات الأمن العمومية ولا الخصوصية من أجل الانتظام والتنظيم.. لم يكن يحتاج حماية الأمن العمومي من أجل اتقاء شر أجهزة الأمن العمومي، لأن رجالات الأمن في غفلة من أجهزة القمع العمومي كانوا يتولون حماية المناضلين.. وكان السوط في أيدي هؤلاء، الذين تضطرهم لقمة العيش إلى تمثيل دور الجلاد، أرحم منه في أيدي خفافيش ظلام أقبية قمع النظام الرصاصي.. كان يومها الاتحاد يذهب إلى الانتخابات واثقا من انتصاره، ولم يكن ينتزع المقاعد، لأن لذلك حساباته الخاصة، ولكن كان ينتزع القلوب، قلوب الجماهير، قلوب الناس البسطاء والمثقفين والحالمين بالحرية. لم تكن تهمه الكراسي، ولم يكن في حاجة إليها يوما، لأنه كان يعرش على القلوب الطاهرة والكبيرة.. واليوم، اليوم أيضا ما يزال الاتحاد يتربع على القلوب رغم كل الكراسي التي قدمت له ، يتربع على القلوب في هالة من الحسرة والأسى ، ما زالت القلوب تهفو إلى الاتحاد، وتلهج بالعتاب، القاسي أحيانا والمشطط أحيانا أخرى، على الاتحاديين الذين نسوا دفء القلوب . وتلك مفارقة هذا الزمن السياسي الجديد، حتى جلادو الزمن الرصاصي يجهرون اليوم بأنهم يفضلون الاتحاد، وكأنهم يستغفرون بذلك لسياطهم السليط. وتجار الانتخابات يعلنون جهرا حبهم للاتحاد، ويعتبرونه لاعبا لا يحق لأحد أن يطرده عن رقعة اللعبة السياسية. ومن مفارقات هذا الزمن أيضا أن الاتحاد اليوم في حاجة إلى قلوب الجماهير من أجل استكمال مشروع المغرب الديمقراطي (...). من مفارقات هذا الزمن كذلك أن الاتحاد اليوم يفتقد الاتحاديين، وهؤلاء منشغلون اليوم بحروبهم الصغيرة، يغتالون الاتحاد في القلوب كل يوم، يقتلعونه من خم القلوب كل حين، وهم بذلك يحققون ما لم تستطعه يوما كل سياط الأجهزة المعلومة وغير المعلومة في يوم من أيام الرصاص. هؤلاء الاتحاديون المنشغلون اليوم بحروبهم الصغيرة يحققون اليوم أكبر عملية اغتيال طالما حلمت بها خفافيش ظلام أقبية دهاليز مكاتب سنوات الرصاص، عملية اغتيال الاتحاد في قلوب من رعوه يوما واحتضنوا مقراته في عز زمهرير الرصاص. لم يكن الاتحاد يوما قويا بكرسي السلطة، ولا بنياشينها، ولا بالتحالف مع طيور الظلام ولا مع تجار الشأن العام، ولكن كان دائما قويا بحضن الجماهير له، والتي كانت تحميه من عواصف الزمن الأغبر ومن الحروب الصغيرة للاتحاديين نفسها. لم يكن الاتحاد يوما قويا بتنظيماته ومؤسساته ولا بالتمويل في إعلامه بقدر ما كان قويا بالجماهير التي كانت تحضن إعلامه وأنشطته . الاتحاد اليوم ليس في حاجة إلى التحالف مع طيور الظلام السياسي ولا مع عرابي الانقلابات الحزبية المجيدين للضرب تحت الأحزمة، ليسترجع بعض كراسي القلب؛ فما زال في قلوب الجماهير الضامئة إلى العدل والإنصاف متسع للاتحاد والاتحاديين المقبلين على أنقاض الحروب الصغيرة.. ما زال في جعبة الاتحاد الكثير مما يملأ به قلوب الناس وقلوب جماهيره. كل ما هو في حاجة إليه هو أن يترك مرتادوه الصراع بالكراسي من أجل الكراسي للتفرغ قليلا للقلوب.. حينها كونوا على يقين أن الاتحاد سيسترجع كل عنفوانه..