تولى صدام حسين عبد المجيد التكريتي السلطة رسميا كرئيس لجمهورية العراق سنة 1979، لكنه في الواقع مارس هذه السلطة تحت عباءة سلطة أحمد حسن البكر منذ 1968، وظل محافظا عليها في وجه العواصف الشديدة التي مرت منها بلاده والمنطقة إلى سقوط عاصمة الرشيد في 9 أبريل 2003، أي أنه عمليا كان مسؤولا عن مصير بلاد الرافدين طيلة 35 سنة. وطيلة هذه المدة، وهي جد طويلة حتى بالمقارنة مع حكام المنطقة الذين لا يتركون السلطة إلا مجبرين، طيلة هذه المدة، واجه ثلاث حروب: الأولى مع إيران. واستمرت أزيد من تسع سنوات، والثانية واجه فيها الولاياتالمتحدة وتحالف دولي من أزيد من 30 دولة كنتيجة للتطورات التي أعقبت احتلاله لدولة الكويت، وهي حرب وإن انتهت رسميا في 28 فبراير 1991 (بدأت في 17 يناير من نفس السنة) إلا أن تداعياتها استمرت إلى 2003، عندما شنت الولاياتالمتحدة وتحالف دولي مساند لها حربا انتهت باحتلال العراق وسقوط نظام حزب البعث بقيادة صدام حسين. وخلال هذه المرحلة، واجه صدام أيضا انتفاضات داخلية عديدة، أهمها في الشمال، خلال الحرب العراقية- الإيرانية وذلك في المناطق التي تقطنها غالبية كردية، وفي الجنوب حيث الغالبية الشيعية، بعد انتهاء حرب الخليج الثانية 1991 .وقد تمكن صدام رغم أنه كان يواجه تحديات خارجية تهدد نظامه من إخماد جميع هذه الانتفاضات والحد من قدرتها على تهديد نظامه. وتشير العديد من الوثائق إلى أن صدام واجه خلال فترة حكمه الطويل بعض محاولات الانقلاب عليه، لكنه تمكن من إجهاضها في المهد. وتشير هذه المعطيات بأن صدام واجه خلال حكمه ما لم يواجهه حاكم آخر في المنطقة، حروب أكلت أزيد من %90 من فترة حكمه انتفاضات كبرى، محاولات انقلاب واغتيال، لينتهي الأمر باحتلال بلاده واعتقاله شخصيا ثم إعدامه وهي تطورات أثرت ولاتزال على مسرح الأحداث ليس في العراق وحده، ولكن في المنطقة بأسرها أيضا. وفي الحقيقة، نجدنا أمام شخصية غير عادية بكل المقاييس، شخصية أثارت ولاتزال وستبقى تثير الخلاف حول تقييمها والحكم على مسارها.فهو بنظر مؤيديه، وما أكثرهم، البطل الذي استطاع تحدي كل الصعاب منذ شبابه المبكر، وإعادة البعث الى الحكم، وبني العراق الحديث ولم يستسلم للأمريكيين والاسرائيليين، وظل صامدا حتى اللحظة الأخيرة وهو يواجه الموت بثبات وصلابة. أما بنظر معارضيه، وهم لا يقلون عن مؤديه، فهو الديكتاتور الذي حكم العراق بالحديد والنار وأجهز على معارضيه بدون رحمة واستعمل السلاح المحرم ضد مواطنيه وأدخل بلاده في حروب عديدة بدون نتيجة في الوقت الذي كانت فيه لدى بلاده إمكانيات تؤهلها لتصبح من أرقى وأغنى دول المنطقة. ولذلك، فقد كان صدام ولايزال شخصية تثير حولها العديد من نقط الاستفهام، كما أن المرحلة الطويلة التي كان -خلالها- لاعبا أساسيا على مسرح السياسة الدولية لم تكشف العديد من تفاصيلها، بل إننا مازلنا نعيش النتائج القريبة والمباشر لأحداثها. لهذه الأسباب، فإن فتح هذه الصفحة من تاريخ المنطقة وما دار خلف الأبواب المغلقة للمطبخ السياسي أمر لا يخلو من أهمية وإثارة...والأكثر إثارة من ذلك أن الشخص نفسه الذي كانت بحوزته أجزاء عديدة من هذه الأسرار هو الذي كشف عنها، وفي ظروف هيتشكوكية. لقد كان صدام يخضع للمحاكمة. ويعرف في قرارة نفسه أن الحكم كان صادرا قبل أن تنطلق جلستها الأولى، وبالتالي فإن ما سعى لتسريبه آنذاك الى رئيس فريق دفاعه، المحامي العراقي خليل الدليمي، كان شهادة منه وروايته لهذه الأحداث الساخنة، ووثيقة ذات أهمية سياسية وتاريخية. وفي هذا الإطار، يقول خليل الدليمي في تقديمه لهذه المذكرات: «أقدم ما رواه الرئيس صدام حسين، الرئيس الشرعي لجمهورية العراق من ذكرياته عن جوانب أساسية من حياة العراق ومسيرة دولته لما يقرب من أربعة عقود معتبرا أن الأمر يتعلق بوثيقة تاريخية مهمة أقدمها لشعبه العراقي ولأبناء أمته العربية والاسلامية وللرأي العام العالمي»