تحدثت بعض الصحف عن إجراء تعديل حكومي في شهر مارس القادم، حيث أطلقت العنان لخيالها الصحفي، لتحدد الموعد، وأيضا الوزارات المعنية بالتعديل والاسماء المقترحة للخروج من الحكومة، علاوة على اضافة بعض المقاعد لهذا الحزب او ذاك. ولم يقتصر البعض على هذا، بل ذهب الى الحديث عن هذا التعديل مرة بالوزير الاول ومرة بدونه. واذا كان من البديهي القول بان مسألة التعديل الحكومي، هي مسألة يمكن أن تلجأ إليها الدول كلما كانت هناك دواع سياسية او تنظيمية تقتضي ذلك، اذا كان هذا من البديهيات، فإن الامر في حالة المغرب، لربما لم يعد يتطلب مجرد تعديل جزئي يهم إرضاء هذا الحزب أو غيره، أو الاستغناء عن هذا الوزير أو ذاك، ولكن الامر أضحى يتطلب تعديلا جوهريا يهم بالاساس المقومات التي يرتكز عليها العمل الحكومي في المغرب، أي أن الأمر بغض النظر عن هذا الجانب، الذي يمكن ان يعتبر ذا طبيعة تقنية أو تنظيمية، أمر يتطلب اصلاحات سياسية ودستورية يمكن الحكومة ووزيرها الاول من صلاحيات حقيقية، إصلاحات تأخذ بعين الاعتبار الوضع الحكومي الحالي، بهشاشته وضعفه لتكون للمغرب حكومات قوية تدير الشأن العام، ولا تكون آخر من يعلم في كثير من القضايا التي تواجه بلادنا اليوم. هذا هو التعديل الحقيقي الذي يطلبه المغرب، اليوم، وهو مطلب تعبر عنه كل القوى والهيئات السياسية، بعضها كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وجه الى جلالة الملك مذكرة في الموضوع، والبعض الاخر يتهيأ لذلك كالعدالة والتنمية، فيما عبرت أطراف اخرى من داخل الاغلبية والمعارضة عن نفس المطلب، بأكثر من صيغة، حيث هناك اتفاق على هذا الاصلاح. الاختلاف الحاصل، يكمن في نظر البعض في مسألة التوقيت وفي نظر البعض الاخر في ضرورة ان يكون موضوع الاصلاح، موضوعا مشتركا بين المكونات الحزبية التي تتقاسم نفس الرؤى والاهداف، فيما يتفق الجميع على ان هذا الاصلاح الدستوري لا يمكن ان يكون إلا بتوافق مع المؤسسة الملكية. واذا كان البعض يرى بأن هذا الاصلاح يأخذ طريقه بكيفية متدرجة، حيث من الجهوية الموسعة، الى الاهتمام بقضايا البيئة، الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، يرى هؤلاء بأن الاصلاح يشق طريقه، فإن المسألة الدستورية تظل مطروحة وقائمة، ولأنه آن الأوان للخروج من مرحلة الانتقال الديمقراطي الى الانتقال نحو الديمقراطية. والحقيقة، ان الوضع المتقدم الذي يحظى به المغرب اليوم لدى الاتحاد الاوربي هو وضع يعزز مطلب القوى الديمقراطية بالمغرب، حيث التأكيد على الحريات وحقوق الانسان وعلى حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة. والجدير بالذكر، ان مباشرة مثل هذه الاصلاحات بالحوار والتوافق وبالنقاش العمومي، يمكن لها أن تملأ «الفراغ» الذي يعم الساحة السياسية اليوم لأن على المغرب ألا يراهن على الفراغ والصمت والممالأة، ولكن على تصارع الافكار والاتجاهات في اطار من الحرية والديمقراطية وفي أجواء يطبعها السلم والانفتاح والتطلع الى المستقبل. إذن من الممكن ان يكون هناك تعديل تقني يهم الحكومة، لكن يظل التعديل الصحيح والمطلوب، هو تعديل السياسة في الاتجاه الذي يفتح لها الباب للعودة لأن الملاحظ أن السياسة في المغرب خرجت من السياسة، وهذا بطبيعة الحال يشكل خطرا على تعبئة المغاربة، ويجعلهم في موقع اللامبالاة. ولا أخطر على الدول والمجتمعات من أن تصبح شعوبها غير مبالية بما يجري وما يحدث.