التلفزيون محرك للتنمية وأداة لتقوية الهوية الوطنية وتستطرد الوثيقة «المفروض في التلفزيون العمومي، فضلا عن الوظيفة التربوية أن يشكل محركا للتنمية الثقافية ولتشجيع الإنتاج الوطني وتقوية الهوية الوطنية المتنوعة والغنية. لكن العكس هو الحاصل» . وتنبه الوثيقة إلى أن التلفزيون العمومي في غير المغرب يحرك النقاش السياسي ويواكب الحركية السياسية ويشكل فضاء لتلاقح الأفكار ومقارعة البرنامج السياسي بالآخر ليضع المواطن / المشاهد في صورة الدينامية السياسية محفزا،على هذا النحو، على المشاركة السياسية ومثيرا شهية الناس إلى السياسة والشأن العام. أما التلفزيون العمومي في بلادنا فيسير عكس هذا التيار . وتشير المذكرة إلى ضعف المساحة المخصصة للبرامج السياسية من مجموع مساحات البث التلفزي العمومي، وتضيف مخاطبة رئاسة الهيأة «أنكم تتوفرون على آخر التكنولوجيات التي تمكنكم من قياس ذلك، ولست بحاجة، - يضيف رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب - إلى تذكيركم بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقكم وعلى عاتق القائمين على أمر التلفزيون العمومي في هذا التدني، كما لست بحاجة إلى تذكيركم بنتائج ذلك على التربية المدنية وعلى ضعف المشاركة السياسية وعلى تقوية الانسجام الاجتماعي». وتلاحظ الوثيقة «على سبيل المثال تبث القناة التلفزية المغربية الأولى برنامجا سياسيا» واحدا يتم تحويره وتقديمه على أنه برنامج كل المناسبات ، فعندما يتعلق الأمر بمؤتمرات الأحزاب يتحول إلى برنامج لمناقشة تشكيلة سياسية معينة ، و عندما يتعلق الأمر بالانتخابات يصبح هذا البرنامج بديلا لبرامج النقاش السياسي والانتخابي وعلى نفس المنوال يتلون بمناسبة الدخول السياسي والبرلماني. ناهيك عن اجتراره أحيانا لقوالب وأسئلة جاهزة تتحول إلى «حلقة » للضحك . لانعتقد أن التلفزيون المغربي عاجز عن الإبداع إلى هذا الحد أو يفتقد إلى أطر كفأة في هذا الميدان. ومرة أخرى على سبيل المثال دائما ، أخل التلفزيون المغربي بمهامه ومسؤولياته بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية التي عاشتها بلادنا خلال سنة 2009 ( تسع استحقاقات انتخابية ) ، ولم تسجل مواكبة إعلامية تشد الاهتمام لهذه الاستحقاقات من خلال إثارة نقاش عمومي في فضاء عمومي حول قضايا هامة. غياب النقاش السياسي في القنوات العمومية أما أحد أدوات التلفزيون في تكريس النفور من قضايا الشأن العام ، فهي الأخبار ، والتي يبقى مضمونها مجانبا لجوهر الأحداث وابتعادها عن هموم الناس . إن مأساة الأخبار تعتبر النموذج الساطع، ذلك أنه تم التراجع بشكل مخيف خلال السنوات الأخيرة عن خطوات محتشمة تتميز بالجرأة والمصداقية فإذا بالتدهور يعود ليطبع منتوجنا الإخباري بحيث السطحية والعموميات والرتابة أصبحت السمة البارزة بل حتى هامش التميز بين القناتين في المادة الإخبارية كاد أن ينمحي بشكل نهائي لنعود إلى نشرات متشابهة، كما جاء في المذكرة. وتردف المذكرة إن المتتبع لبرامج التلفزيون العمومي المغربي ليلاحظ هذا الإمعان في ترك مؤسسات عمومية حساسة للأخبار مجالا لممارسة الهواية وللتعلم والتجريب لغايات معينة، فيما المفروض أن يكون التلفزيون العمومي نموذجا للاحتراف ولاستقطاب أجود الطاقات والتعامل مع ارفع المؤسسات وأكثرها احترافا. وتخلص المذكرة إلى أن إشاعة ثقافة الابتذال والسطحية التي ساهم التلفزيون العمومي المغربي في نشرها ستكون لها الآثار السيئة على ثقافة وتفكير الأجيال الشابة ، في الوقت الذي هي اليوم احد دوافع هجرة المغاربة لمشاهدة تلفزيونات أجنبية. وللهيأة العليا للسمعي البصري بصفتها آلية للتقنين في المجال السمعي البصري مسؤولية في وقف هذا التردي. إن المرفق العمومي ملزم بتقديم منتوج جيد لأن خدماته ليست منة من أحد على دافعي الضرائب خاصة عندما يتعلق الأمر بجهاز بالغ الحساسية . و تضيف المذكرة في شق آخر تشير المذكرة إلى أنه بتاريخ 23 فبراير 2009 أصدرت الهيأة التي تترأسون قرارا يفيد بتعليق منح تراخيص لقنوات تلفزية جديدة مبررة ذلك بضعف قدرة سوق الإشهار المغربي على المساهمة في تمويل القطاع ومراعاة لعدم الإخلال بتوازن القطاع. ويتم الدفع بهذا الأمر فيما نشاهد سوق الإشهار المغربي يلجأ إلى قنوات أجنبية للدعاية باللهجة المغربية لمنتوجات تباع في المغرب. وعلى العموم فإننا نتساءل عن مدى قدرة صمود مسوغات ومبررات الهيأة في امتناعها عن منح تراخيص تلفزية أمام الاتساع المتزايد لسوق الإشهار بالمغرب. مع تسليمنا معكم - تضيف المذكرة - بأن إحداث قنوات تلفزية أمام ضعف تلفزيون عمومي لا ينبغي أن يكون محل مجازفة ولكن ليس بنفس التبرير، ومع تسليمنا أيضا بأن هذا لا يعني أن نقف حاجزا للأبد أمام إحداث قنوات خصوصية إذا تبين ضرورة ذلك لضخ روح التنافس في القطاع وتحفيز القطاع العمومي على تحسين أدائه . على العكس من ذلك كان قرار الهيأة- وهو سيادي ونحترمه- وان كنا غير متفقين معه. لا نريد توريث الأجيال المقبلة مؤسسات إعلامية رديئة وتخلص المذكرة في النهاية إلى «إننا نتحمل مسؤولية أخلاقية واعتبارية على الأقل في ما نحن بصدد السكوت عنه اليوم، وستسجل علينا الأجيال المقبلة والتاريخ إننا ورثنا ، بالتشديد على الراء- بلدنا مؤسسات إعلامية عمومية رديئة الأداء والإنتاج وأننا عوض المساهمة في خلق الوعي المدني والعمومي وزيادة الحس الوطني وحس النقد، نكرس الرداءة وعوض أن يكون التلفزيون أحد قاطرات التحديث والتطوير وتكريس روح التساؤل نكرس التدني».