عاد ألبير كامو إلى صدارة المشهد الثقافي الفرنسي الراهن في أفق الذكرى الخمسين لرحيله. وهي المناسبة التي اغتنمها الرئيس الفرنسي للإعلان، يوم الخميس 19 نونبر الماضي، عن نيته نقل رفات هذا الأديب الكبير إلى مبنى البانتيون لينعم بحياة أخرى إلى جانب الأسماء الأساسية في تاريخ فرنسا بدءا من فولتير، روسو، فكتور هوجو وإميل زولا الذين دخلوه مبكرا، وانتهاء بآخر الملتحقين: مالرو وألكسندر دوماس.. لكن، ما أن أنهى ساركوزي كلماته التي أطلقها من العاصمة البلجيكية، إثر انتهاء المجلس الأوربي، حتى أثير جدل كبير احتضنته وسائل الإعلام بتوقيع أسماء فكرية وسياسية هامة. وبالطبع فلا أحد ينازع في أحقية التحاق مؤلف «الطاعون» و»الغريب» بمحفل عظماء فرنسا، لكن منطلق الجدل اتجه مباشرة إلى افتحاص نية الرئيس، وفي بعد أشمل إلى محاكمة توجهاته السياسية منذ تدرجه في الحياة السياسية الفرنسية، خاصة على ضوء الانتخابات الجهوية القريبة، وبعدها الانتخابات الرئاسية سنة 2012. أول ردود الفعل صدرت عن عائلة كامو التي تراوحت بين الرفض والتشكك. ومن ثم تواصل الجدل حيث التساؤل حول ما إذا كان ساركوزي صادقا في نيته للاحتفاء بهذا الاسم الكبير، أم أن الأمر مناورة أخرى من الرئيس لاستغلال ذكرى الراحل ولاستمالة أصوات انتخابية إضافية. كما اتجه التساؤل حول هول المفارقة بين كامو، الأديب الإنساني وساركوزي الذي ينعته منتقدوه بالآلة المتوحشة التي تدرج السياسة ضمن قيم السوق من أجل جني الأرباح في أسرع مدى، مستحضرين مواقفه من حقوق الإنسان والمهاجرين ومساندة الدكتاتوريات ، وأيضا موقفه المساند لعبث الولاياتالمتحدةالأمريكية بالعالم أيام بوش. ساركوزي كعادته لا يمر من كلام أو مكان إلا ويثير حوله الزوابع، سواء كان صادقا في نواياه أو مناورا. ولذلك لا يتأخر معارضوه في توجيه السهام الشرسة، مثلما فعلوا معه في جدالات سابقة، لعل آخرها ما يثار اليوم حول مبادرته بإطلاق النقاش العام حول « الهوية الوطنية الفرنسية». كامو سيظل، إذن، معلقا بين الشكوك والرغبات في انتظار تأكيد موافقة عائلته الشرطية على الانتقال إلى البانتيون أو تأكيد الرفض. ويهمنا من الموضوع أن نستعيد أديبا بتراث عظيم على مستوى الكتابة، كما على مستوى القيم النبيلة والمواقف التي لم يكن ينصت فيها إلا إلى «الضمير الانساني». مثلما يهمنا أن نقرأ الجدل الحالي لنرى كيف أن الأسماء الكبيرة تصنع الحدث في الحياة والممات، ولندرك كم هي سامية فكرة الاحتفاء الدائم بالذاكرة، وبالذين يسهمون في هندسة الخيال الكوني!