هل قبل أنصار الفياجرا بأن يلقوا بأسلحتهم بكل بساطة ويسلموا بأنفسهم؟ أم يصرون على تزويد الشركات التي يسيل لعابها لجني الأرباح وتكديس الأموال وسحبها من جيوب الرجال المخدوعين بالنجاح الفوري لهذه الأنواع من الأدوي. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل استطاعت هذه المنشطات والأدوية حل المشكلة الجنسية للرجال؟ الإجابة معقدة وصعبة وصادمة لأنها إجابة بالنفي، فقرص الفياجرا يعالج ضعف الانتصاب ويحسن الأداء، ولكنه لم يعالج أو يحسن العلاقة! جملة مؤلمة ولكنها حقيقية، أقولها من واقع تخصصي الطبي وأيضاً من واقع همي الاجتماعي، فبالرغم من أن علاج الضعف الجنسي هو حجر زاوية هام في بناء العلاقة الجنسية، إلا أنه جزء من العلاقة وليس كل العلاقة، فلسوء الحظ أثبتت الأبحاث أن الرجال الذين يصابون بالضعف الجنسي يقلع أغلبهم عن ممارسة الجنس ويزهدون فيه خوفاً أو قرفاً أو كحيلة هروبية، والمشكلة أنهم عندما يمارسونها كأداء واجب تتفاقم المسألة وتزيد الفجوة وتسود مساحة الصمت، وعندما يقلع الأزواج عن الممارسة يقلعون بالتالي عن رسائل التواصل ونبضات العواطف ومشاعر الحب والحميمة، ولذلك كثيراً ما تفشل الاستشارات الطبية التليفونية أو الكشوفات التي تكتفي بكتابة الوصفة الطبية وقبض النقود. لأن الطبيب وقتها يتناسى إصلاح العلاقة وترميمها قبل أن يصف قرص الدواء كحل سحري ووحيد برغم أهميته التي لا أنكرها. المأساة هي أن الرجل يظن أن هذه الأدوية هي الحل، وليست بعض الحل أو بداية الحل وهى ليست بالتأكيد نهايته، وبالتبعية يظن أن الجنس هو الممارسة واختراق الحدود والحواجز البيولوجية والدخول إليها والخروج منها فقط بدون تأشيرة حب أو حنان، وينسى أو يتناسى أن مفهوم الجنس أوسع بكثير من مجرد هذه المتعة البيولوجية اللحظية التي تنتهي بدفقه سائل أو رعشة عضلات، إنه حياة كاملة وتواصل إنساني واهتمام وجداني ولغة فهم وترجمة إحساس، تنشطه كلمات الغزل ولمسات الدفء وأحضان الأمان والتعاطف وقبلة الوصال. إن حل الفياجرا الذي يستمر للحظات لا يحل السؤال العويص وماذا بعد؟ كيف سنتواصل ونحن بعيدون عن السرير وغرفة النوم، إنه يكرس ما يسميه الأمريكيون أو بما معناه (هيا ومع السلامة وشكراً).. إنه أداء الواجب، إن الجنس المسلوق الذي تقدمه الفياجرا وأخواتها خالي من الطعم والتوابل والمشهيات، فإن الرجل والمرأة يحتاجان سوياً إلى الجنس “المسبك” المطبوخ على مهل والذي يحتفظ بالنفس ويخلو من المواد الحافظة. الأداء الجنسي الأفضل يؤدى بالضرورة إلى علاقة أفضل، وهذا هو المفهوم الخاطئ الذي يحكم تفكيرنا جميعاً، فالرجل يعتقد أنه بمجرد تدفق الدم في عضوه التناسلي ستتدفق العواطف والأحاسيس والمشاعر، فيفقد مع الوقت حسه بأهمية التحاور والتواصل تحت سقف البيت البارد الذي سيؤدى حتماً إلى نجاح اللقاء فوق السرير الساخن، إن لم يفعل الرجل هذا واعتمد على الحبة الزرقاء فقط، لأنها ستضيع على الزوجين فرصة بناء جسور والفهم الحقيقي وتحرق وراءها كل المراكب وهى تحاول عبور بحر الجمود والبلادة الزوجية. الفياجرا وأخواتها ومنافساتها للأسف تمنح الرجل إحساساً زائفاً بالأمان، ويفهم أنه لابد أن يكون محبوبا ومطلوبا ومرغوبا مادامت الحبة الزرقاء أو البرتقالية أو الكاروهات في جيبه أو في درج مكتبه أو حتى مخبأة تحت جوربه، ولأننا قوم تشوه لدينا مفهوم الجنس نتيجة الجهل وانعدام الثقافة الجنسية وانتشار المفاهيم السادية والمشوشة عن علاقة الرجل بالمرأة فإن الفياجرا للأسف قد ساهمت في مزيد من التشوه الجنسي في عقولنا التي رضعت الأخطاء تلو الأخطاء، والتشوهات تلو التشوهات، من غرف الدراسة حتى غرف النوم، والتي تلخصها عبارة واحدة هي أن الرجل يقلص العلاقة الجنسية ويضيق مفهومها حتى تصبح مجرد القدرة على الفعل الجنسي الذي إذا تم بنجاح فإنه يعتبر كل ما تطلبه المرأة من عواطف أخرى وحميمة أكثر إزعاجا متعمدا مع سبق الإصرار والترصد. بالرغم من الأمان الزائف الذي تمنحه أدوية علاج الضعف الجنسي، فإن بعض الرجال ينزع عنهم إحساس الحماية ويظلون غارقين في دوامة التساؤل المقيت هل تحبني زوجتي بالرغم من أدائي الجنسي الصناعي؟ هل مازالت تعشقني لذاتي وبصفتي أنا فلان، أم تعشقني لأنني قادر على شراء الفياجرا؟ هل تحبني لأنني مازلت فارس أحلامها في الحياة؟ أم لأنني فارس أحلامها في غرفة النوم؟ إنها للأسف دائرة مغلقة ما أن تظنها أغلقت حتى تنفتح ثانية، بنفس الطريقة وعلى نفس الدرب تضطرب الزوجة وتظللها سحابة شك قاتلة لماذا يحتاج زوجي إلى هذه الأقراص ويلجأ إليها؟ هل فقدت جاذبيتي كأنثى حتى يفعل ذلك؟ ويبقى السؤال مطروحا لماذا الفياجرا؟.