قال عبد الباري عطوان/ كاتب صحافي فلسطيني، إن على نظامي المغرب والجزائر الاقتداء بتركيا وإيران. كيف ترى مستقبل العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، بعد بادرة الملك محمد السادس الداعية إلى إنشاء آلية مشتركة للحوار المباشر والصريح مع الجارة الشقيقة؟ نحن في الحقيقة أمام مبادرتين لتحقيق التقارب والمصالحة والتعاون بين أهم دولتين في الاتحاد المغاربي؛ الأولى هي مبادرة مغربية قادها العاهل المغربي، والتي طالب فيها بحوار مع الجار الجزائري، والثانية جاءت من خلال الحكومة الجزائرية التي طالبت بعقد اجتماع على مستوى وزراء خارجية الدول المغاربية. وفي تقديري، فإن هاتين المبادرتين تشكلان اختراقا على درجة كبيرة من الأهمية، ولو جرى التجاوب معهما سيوضع حد للتوتر القائم بين البلدين بما يخدم مصلحة الشعبين في الجزائر والمغرب. يجب أن يكون التجاوب أولا من الجزائر مع الدعوة المغربية، ومن المغرب مع الدعوة الجزائرية. نحن الآن في حاجة إلى الحوار وليس إلى تصعيد التوتر. البلدان في حاجة إلى اتخاذ الخطوات التي تخدم الشعبين، وتؤدي إلى التقارب بينهما، وعلى رأسها فتح الحدود المغلقة والقلوب المتحجرة، لأن فتح الحدود يعني الرخاء وازدهار التبادل الاقتصادي والتجاري، لذلك، يجب على الحكومات البدء بخطوة فتح الحدود والحوار معا، ولتكن البداية بالقضايا السهلة، وصولا إلى القضايا الصعبة، ولا أعتقد أن حكومتي البلدين تتناسيان أو تتجاهلان هذه الحقائق، بل أظن أنهما تتمنيان أن يقع هذا التقارب. لكن المراقبين اعتبروا أن خروج الحكومة الجزائرية بدعوة مفاجئة إلى عقد قمة مغاربية إقليمية، وتجاهلها البادرة الملكية، هو في حد ذاته رفض للحوار الثنائي. كيف تفسر الأمر؟ أعتقد أن الجزائر لم تتجاهل دعوة المغرب إلى الحوار الثنائي، بل أرى أنها ردت بطريقتها على البادرة الأولى من خلال الدعوة إلى عقد اجتماع مغاربي لوزراء خارجية دول الاتحاد المغاربي، وهدفها الأساس هو إحياء هذا الاتحاد من الموت السريري الذي يعيشه حاليا، وأنا شخصيا أرى في هذه المبادرة الجزائرية ردا على البادرة المغربية. لكن الخلافات الثنائية بين الجزائر والمغرب، بالأساس، هي التي تشل الاتحاد المغاربي. ألم يكن يفترض جلوس الأطراف الرئيسة في الخلاف، أي الرباطوالجزائر، في حوار ثنائي قبيل عقد هذا اللقاء لتذليل هذه الخلافات، خاصة أن باقي الدول المغاربية على علاقة جيدة مع الطرفين؟ أتفق معك جدا، لكني أرى أن حدوث هذه القمة سيكون مناسبة يجتمع فيها وزيرا خارجية الجزائر والمغرب، وسينطلق الحوار الثنائي الذي دعا إليه الملك محمد السادس، ما يعني أنها استجابة غير مباشرة، وأتوقع أن الحوار الأشمل سينطلق من هذه الخطوة، وسيسير في اتجاه الانفتاح وتبديد الخلافات التي طال أمدها. أنا شخصيا أشعر بالألم الشديد وأنا أرى الحدود المغربية الجزائرية مغلقة، إلى جانب هذا التوتر السياسي المرعب بين البلدين، وتكدس الأسلحة، والتسابق لعقد صفقات أسلحة بملايير الدولارات. يحز في النفس هذا كله، خاصة بين بلدين شقيقين توحدهما الهوية والتاريخ والدين. نحن اليوم في حاجة إلى السلام والوفاق، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى رخاء الشعبين المغربي والجزائري. نتمنى أن نرى حوارا ثنائيا مغربيا جزائريا، سواء بشكل مباشر أو من خلال وزراء خارجية الاتحاد المغاربي، وأتمنى أن يكون سريعا جدا، وأن نسمع الأخبار الطيبة قريبا. الجزائر على موعد مع الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية، هل ترى في الأمر مؤشرا على تغيير سياسة النظام الجزائري إزاء المغرب؟ يمكن أن يكون للانتخابات المقبلة دور مهم في تحقيق هذا الحوار، وأنا أرى أن هناك مرونة من الجانبين الجزائري والمغربي، وأعتقد أن احتمالات المصالحة باتت كبيرة اليوم، كما ألاحظ أن حالة التوتر بين الطرفين بدأت تتآكل بشكل تدريجي ومتسارع، ويجب أن ننتهز فرصة هذا الغزل غير المباشر بين الجانبين لإصلاح العلاقات، وإنهاء حالة الجفوة التي تسود العلاقات الثنائية، والحوار بين النظامين هو الطريق الأسلم لذلك. ماذا إن لم يتحقق هذا الحوارالثنائي، واستمرت القطيعة السياسية، خاصة في ظل المستجدات الأخيرة بخصوص ملف الصحراء المغربية، والذي يعتبر جهازا لقياس درجة حرارة العلاقات بين البلدين؟ ومن المستفيد من استمرار هذه القطيعة؟ في تقديري، المتضرر الأساسي هو الشعبان الجزائري والمغربي، أما المستفيد الأكبر فهي الدول الأوربية الاستعمارية التي تريد أن تظل الجفوة مستمرة من أجل بيع الأسلحة، والدفع بالبلدين إلى المواجهة والخلافات. على النظامين أن يأخذا نموذج تركيا وإيران، فبالرغم من كون البلدين عدوين في سوريا، فإنهما يتطلعان إلى تعاون اقتصادي كبير، حيث إن التبادل التجاري بينهما تحول من 10 ملايير دولار إلى 30 مليار دولار، ثم نموذج الصين والولايات المتحدةالأمريكية، فعلى الرغم من الخلاف الكبير بينهما، فإن تعاونهما الاقتصادي مستمر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا وروسيا، اللتين يصل تعاونهما التجاري إلى 100 مليار دولار سنويا، وبالتالي، لماذا لا نطبق هذه الأمثلة على دولتين جارتين مثل الجزائر والمغرب؟ لماذا نفسح المجال للتدخل الأجنبي لتخريب هذه العلاقات؟. متابعات