منير السويسي - اعتقلت السلطات التونسية الخميس مدير تلفزيون خاص بث في شهر رمضان برنامجا سياسيا يسخر من بعض رموز الحكم، وذلك تمهيدا لمحاكمته في قضية فساد مالي تعود إلى عام ونصف. وقالت المحامية سنية الدهماني لوكالة فرانس برس إن موكلها سامي الفهري مدير تلفزيون "التونسية" الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف يوم 24غشت "سلم نفسه الخميس إلى السلطات التي أودعته سجن المرناقية (غرب العاصمة) في انتظار محاكمته". ويلاحق الفهري في قضية بدأت منذ عام ونصف وتتعلق بإلحاق أضرار مالية بالتلفزيون الحكومي التونسي خلال فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. واتهم الفهري الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية بتوظيف القضاء لمعاقبته على مضمون برنامج "اللوجيك السياسي" الذي شرعت قناته في بثه بداية شهر رمضان و"اضطرت" إلى إيقافه قبل اربعة أيام من عيد الفطر إثر "ضغوطات" حكومية "شديدة"، كما يقول.
ويتضمن البرنامج فقرة "القلابس" وهي دمى متحركة ترقص وتغني وتجسم شخصيات سياسية في الحكومة والمعارضة مثل راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وحمادي الجبالي أمين عام الحركة ورئيس الحكومة، ومنصف المرزوقي رئيس الجمهورية.
وبحسب استطلاعات الرأي فقد حظي البرنامج الذي ينتقد سياسات الحكومة بنسب مشاهدة عالية وبشعبية كبيرة في البلاد وقبل أن يسلم نفسه، نشر سامي الفهري على موقع الفيسبوك شريط فيديو قال فيه ان السلطات صادرت كل ممتلكاته و"لم يتبق لي أي شيء".
واكد الفهري انه "مظلوم"، مشيرا إلى الدوافع السياسية وراء ملاحقته دون بقية المتهمين معه في قضية الفساد وحذر من أن حرية التعبير التي اعتبرها "المكسب الملموس الوحيد" في تونس بعد الإطاحة بنظام بن علي صارت "مهددة" وأضاف أن لطفي زيتون عضو حركة النهضة والمستشار السياسي لرئيس الحكومة أبلغه عبر الهاتف "استياءه من عديد البرامج التي تبثها القناة".
وتابع أن زيتون حذره من أن قواعد حركة النهضة وأنصارها "مستاؤون" من "مس" التلفزيون بصورة راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة لانهم يعتبرونه شخصية "كبيرة لا يجب اللعب معها".
ومضى يقول إن المستشار السياسي نبهه إلى أن "ما فعلته قناة التونسية بالحكومة في شهر لم تفعله المعارضة في أشهر" وألمح إلى أن مسؤولين لم يسمهم ذكروه ب"وضعيته الهشة" باعتباره ملاحقا منذ عام ونصف في قضية فساد.
وذكر بان الجمارك دهمت في نهاية تموز/يوليو الماضي مقر قناته لاسباب غير معلومة ثم عمدت إلى "ترهيب" الشركات الاقتصادية التي لديها إعلانات في القناة لحملها على مقاطعتها. من ناحيته نفى لطفي زيتون في تصريح لفرانس برس أن يكون ضغط على الفهري، وقال إنه "ليس هناك في الحكومة أي جهة مكلفة بالضغط على الصحافيين" واضاف إن تونس "لم تنعم في تاريخها الحديث بمثل حرية التعبير التي تنعم بها اليوم".
وتابع ان "الأخ سامي الفهري دخل محنة السجن التي أعرفها، وأنا أحاول التعاطف معه ومساعدته وسأبذل ما في وسعي لمساعدته"، مشيرا إلى أنه التقى الخميس والدة الفهري، دون توضيح فحوى اللقاء.
بدوره قال راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في مؤتمر صحافي الخميس إنه "لا يبالي" بما تعرضه قناة التونسية و"لم يطلب من أحد أن يقاضي القناة".
وقالت رئاسة الجمهورية التونسية في بيان الخميس إنها "على ثقة" بأن القضاء التونسي "سينصف الرجل (سامي الفهري) إن كانت هناك فعلا نية سياسية وراء ايقافه أو سيطبق عليه القانون كما على أي مواطن إذا ارتكب مخالفة ما".
وذكرت الرئاسة ب"رفضها التام لأي عقوبة بدنية ضد صحافيين" وبتأكيد "رئيس الجمهورية أكثر من مرة أنه يفضل كل سلبيات حرية الرأي (..) على العودة إلى منظومة الاستبداد وخنقها لكل الأصوات التي لا تسيطر عليها السلطة"
وأعربت منظمة "مراسلون بلا حدود" في بيان الاثنين عن "قلقها إزاء عيوب الإجراءات (القانونية) التي ساهمت في تسريع إصدار مذكرة التوقيف ضد سامي الفهري" وطالبت ب"إقامة محاكمة عادلة لا تشهد أي تدخل من السلطة".
ولاحظت ان سامي الفهري "ملاحق في هذه القضية بصفته متواطئا بينما يتمتع المتهمون الأساسيون بحريتهم" وربطت المنظمة بشكل غير مباشر بين قضية الفهري وتعبير مسؤولين حكوميين عن "استيائهم من السخرية من قادة البلاد" في برامج تلفزيونية.
وعشية إصدار مذكرة توقيف ضد الفهري، قال عبد اللطيف المكي، عضو حركة النهضة ووزير الصحة، في تصريح إذاعي إن "بعض المنوعات" التي تنتقد "الرموز الوطنية مثل رئيس الدولة ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة (...) تجاوزت حدود الاحترام".
وقال سليم حميدان وزير أملاك الدولة وعضو حزب "المؤتمر" شريك حركة النهضة في الائتلاف الحاكم، في تصريح صحافي نشر الاثنين ان برنامج اللوجيك السياسي "قائم على مفهوم السخرية المفرطة والاستهزاء برموز الدولة وإضعاف الهيبة وهو يدخل ضمن استراتيجية الثورة المضادة لإرباك الوضع وإحداث الفوضى والفراغ السياسي بالبلاد".
في المقابل يعتبر مراقبون وجود صحافة ساخرة في تونس علامة صحة لحرية التعبير وأداة رئيسية "لنزع القداسة" عن الساسة وسنة 2002 أسس سامي الفهري شركة "كاكتوس" المتخصصة في انتاج البرامج التلفزيونية الترفيهية. وأنتجت الشركة برامج لحساب التلفزيون الحكومي التونسي الذي اتهمها، بعد الاطاحة بنظام بن علي، بالمشاركة في الاستحواذ على إيرادات إعلانات كانت يبثها التلفزيون، وباستعمال معداته التقنية لانتاج برامجها.
ويملك بلحسن الطرابلسي شقيق ليلى الطرابلسي زوجة بن علي 51% من رأسمال كاكتوس بينما يملك سامي الفهري 49% منه وبعد الإطاحة بنظام بن علي وهروب بلحسن الطرابلسي إلى كندا صادرت الدولة حصة الطرابلسي في "كاكتوس" وعينت عليها مؤتمنا عدليا.