في رصده تاريخ موسيقى الراي وأبرز أعلامها من المغنيات والمغنين في الجزائر، يستعرض سعيد خطيبي جانباً من التاريخ السياسي والاجتماعي لبلاده قبل الاستقلال عن فرنسا وبعده، إضافة إلى مواقف قوى اجتماعية اتهمت بعض رموز هذا الفن بالانحلال الأخلاقي، ما تسبب في قتل أحدهم خلال «سنوات الدم» في التسعينات. ويقول خطيبي إن موسيقى الراي هي «الطابع الموسيقي الجزائري والعربي الوحيد الذي استطاع في وقت قياسي بلوغ الذروة العالمية» حتى إن القاموس اللغوي الفرنسي «لاروس» أدرج كلمة «الراي» بداية من عام 1998. ويضيف في كتابه «أعراس النار... قصة الراي»، أن موسيقى الراي تستمد بعض جذورها من الأغنية الوهرانية نسبة إلى مدينة وهران في شمال غربي البلاد، وكانت البداية على أيدي «الشيخات». أما الحصاد والشهرة العالمية فنالها نجوم الجيل الجديد الذين يطلقون على أنفسهم «الشاب» و «الشابة» تمييزاً عن الجيل المؤسس. ويسجل خطيبي أن موسيقى الراي جزء من التراث الشعبي لمدينة وهران التي نظمت عام 1985 أول مهرجان للراي، تلاه مهرجانان دوليان في مدينتي وجدة المغربية وطبرقة التونسية. أما أول مهرجان لموسيقى الراي في الخارج، فعُقد في ضاحية باريس عام 1987. ويقع الكتاب في 168 صفحة متوسطة القطع وصدر في الجزائر عن «جمعية البيت للثقافة والفنون» ضمن سلسلة السير. ويقول أبو بكر زمال مصمم الكتاب إنه «الأول من نوعه الذي يتطرق إلى ظاهرة أغنية الراي». ويُعيد خطيبي وهو صحافي ومترجم جزائري، بدايات الراي إلى مؤسسين منهم الشاعر مصطفى بن إبراهيم (1800-1867) أحد الأسماء البارزة التي ميزت مرحلة البدايات عبر نصوص جريئة «ذات طابع إيروتيكي». أما الحاج محمد الغوايشي الشهير بالشيخ حمادة (1886-1967) فاستفاد من انتشار الأسطوانات وسجل 100 أغنية بعضها في باريس وبرلين ومنها أغنية بمعية الموسيقي المصري محمد عبد الوهاب في ثلاثينات القرن العشرين. ويرى أن موسيقى الراي التي كانت وسيلة لمواجهة الاحتلال ومحرضة على الانتفاضة ضد فرنسا، تواجه حالياً تحديين. أولهما، اتهام بعض ممثلي الجيل الأول للجيل الثالث الحالي بما يعتبرونه تدنياً للمستوى ويأسفون على ما بلغته «الأغنية الرايوية». أما التحدي الثاني فهو ظاهرة الاعتزال لضغوط اجتماعية محافظة. فالشيخ بلاوي الهواري أحد رموز الأغنية الوهرانية وملحن نحو 500 أغنية يرفض الاعتراف بما حققه الشاب خالد والشاب مامي والشاب فضيل. ويقول للمؤلف إن «نجوميتهم ضرب من الخيال ولا وجود لها في الواقع، كما أن شهرتهم جوفاء وخالية من أي معنى أو مضمون مفيد. فهم لم يضيفوا شيئاً لأغنية الراي... تعيش ساحة الراي اليوم حالة فوضى... غالبية الإصدارات التي نستمع إليها لا تمت إلى الموسيقى الأصيلة بشيء». ويصف الهواري الأغنية الشائعة بأنها راي تجاري يسعى نجومه لتحقيق مكسب سريع. ويرصد المؤلف جهود نساء أسهمن في تطوير الراي بكثير من «الجرأة في طرح مواضيع غابت عن الفضاءات الرجالية، خصوصاً في ما يتعلق بمحاولات الكشف عن عمق الأحاسيس والبوح بحالة الكبت الجنسي»، ومن هؤلاء سعيدة بضياف الشهيرة بالشيخة الريميتي (1923-2006) التي يصفها بأنها «امرأة صنعت تاريخ جيل كامل من النساء الجزائريات ... حاكت تجربة موسيقية امتدت على طول أكثر من 50 سنة رسمت بطاقة هوية بلدها الجزائر»، وكانت تردد أن الشقاء علمها الاحترام والحشمة والغناء. وفي فصل عنوانه «الشاب حسني.. ذاكرة الحب وزمن العنف» يقول خطيبي إن الشاب حسني الذي كان في سن السابعة عشرة حين اغتاله مجهولون عام 1994 كان يؤلف أغانيه ويلحنها في وقت قياسي تلبية للطلب المتزايد على أعماله التي بلغت نحو 500 أغنية ضمها 150 شريطاً، وكان يصدر شريطين كل أسبوع وأحيا حفلات في الجزائر والمغرب وفرنسا والسويد والنرويج. ويضيف أن شائعة اغتيال الشاب حسني الملقب بأمير أغنية الراي العاطفية تناقلت على ألسنة الجزائريين، قبل اغتياله بعامين. فردّ على مطلقي الشائعة بأغنية «قالوا حسني مات». ويسجل أن الشاب مامي -واسمه الحقيقي محمد خليفاتي- أول مغن يمزج بين الراي وكل من الراب والأغنية القبائلية والروك حتى أصبح «أكثر المغنين الجزائريين والعرب انتشاراً في العالم». وله أغنيات مشتركة مع مطربين من بريطانيا وإيطاليا وكندا، إضافة إلى المغربية سميرة سعيد في أغنية «يوم ورا يوم». أما بالنسبة لمغنيات الجيل الجديد فيذكر الشابة الزهوانية «أكثر مغنيات الراي شهرة في المغرب الكبير وفرنسا»، وهي نجمة الراي الوحيدة التي أدت مناسك الحج عام 2006، ثم استمرت في الغناء. وفي التسعينات كانت الزهوانية مستهدفة من جانب المتشددين الإسلاميين بسبب أغانيها «ذات الطابع الإيروتيكي» ولهذا اضطرت الى الهجرة إلى فرنسا ثم عادت إلى البلاد في مطلع القرن الجديد.