تستهل مونيكا بورغمن أحداث الفيلم بمقتطفات مكتوبة لأحداث الغزو الاسرائيلي للبنان في العام 1982 ولدور منظمة التحرير الفلسطينية والمقاتلين الفلسطينيين في الصراع الدموي الوجودي مع الكتائب واسرائيل ، وتقدم موسيقى معبرة تشبه القرقرة الصادرة عن وحش كابوسي مخنوق ، وتتبعه بقرع طبل صغير لاضفاء جو من التوقع والرهبة والرعب ... في البداية يظهر رجل مخفي الوجه وهو يرسم برداءة سكتش لعملية اقتحام المخيمين صبرا وشاتيلا ( بمحاذاة السفارة الكويتية ) ، كانوا خمسة وعشرين قاتلا ذهبوا باتجاهين متعاكسين ، كانت مهمتهم واضحة : القتل ثم القتل ثم التنكيل والتعذيب والاغتصاب قبل القتل ! اقتلوا كل كائن حي يتحرك : كبيرا أو صغيرا ، ذكرا او انثى ، انسانا او حيوانا ! غرفة الاعتراف تشبه أقبية او غرف المخابرات التي يتم بها عادة اجبار المتهمين للاعتراف بالجرائم ، تكمن المفارقة هنا في تطوع القتلة بالاعتراف بكل التفاصيل وبطريقة تشبه الاستجواب ( وبلا مقابل مالي )، ويبدو وكان الغرض هو تفريغ الذاكرة من شحنة مرعبة من الصور والأحداث والتداعيات ، وكانك تفرغ كاميرا قديمة من النيجاتيف لتسجل الأحداث قبل أن تمحوها الذاكرة البشرية الانتقائية، يقول أحد القتلة ، وكأنه يتحدث بالنيابة عن الباقين : " لم اخبر احدا أي شيء لعشرين عاما ، وفجاة اصبحت راغبا بالحديث والمكاشفة وللمرة الاولى والأخيرة " ! يركز هذا الشريط التسجيلي اللافت على طرح الحقائق المجردة لما حدث في المخيمين المنكوبين ، وذلك طوال ليلتين وثلاثة أيام كاملة ( من 16-18/أيلول لعام 1982 ) ، ولا يسعى ابدا للبحث عن الأسباب ولا للخطابة والتعليق (وهذا ما تمنيت أن يفهمه بعض السينمائيين المحليين اللذين يميلون للخطابة والتحيز ويبتعدون عن الغوص بالتفاصيل ! ) . كما قلت تواصلت عمليات التنكيل والقتل لثلاثة أيام بلا انقطاع ، واستغلت الليلة الثانية لتجميع الجثث ومحو آثار المجزرة ، بتغطية الجثث المتراكمة في طبقات باكياس النيلون وبالمواد الكيماوية الخاصة ( والتي وفرتها اسرائيل لهم ، بالاضافة لقيام جرافات تابعة للجيش الاسرائيلي بحفر القبور لاخفاء الجثث ). يبدو الاعتراف هنا كعلاج نفسي ضروري للتنفيس عن الكتمان والاحتقان وهواجس القتل المحشورة في ذاكرة هؤلاء المجرمين ، ربما للهروب من الكوابيس وللنجاة من أشباح الضحايا ! بالرغم من أنهم لم يبدو شعورا بالندم بل أعطوا الانطباع "ببطولة" فعلهم الاجرامي . اعترف احدهم بتبجح بان القتل يبدو صعبا في المرة الاولى ، ويصبح اسهل في المرتين الثالثة والرابعة ، قبل ان يصبح ممتعا في المرة الرابعة ! واعترف قاتل آخر بأنه اصيب في فخذه برصاصة نفذت من الجهة الاخرى وآرانا مكان الجرح واختراق الرصاصة ، واعترف قاتل ثالث بأنه ما زال يخاف ويرتعد من شبح والده المتوفي لما لاقاه منه اثناء حياته من عنف وترويع ، وافرغ رابعهم كومة من خراطيش الرصاص الفارغة التي استخدمت في المجزرة وكأنها "سوفنير "، وتبجح خامس بوصفه المفصل لطريقة اغتصابه لفتاة فلسطينية شقراء ، ساخرا من استغاثة المسكينة بأنها عذراء ، مبررا حاجته الملحة لقضاء وطره فبل ان يجهز عليها ! معظم القتلة كانوا يستعرضون صور القتلى بلا تعاطف و بلامبالاة وأحيانا باشمئزاز ، معظم الصور كانت غير واضحة تماما (وبالأسود والأبيض) ، ولكنها تشير لجثث ملقاة هنا وهناك وبطريقة عشوائية ، ثلاثة منها لفتت نظري وبدت ذات دلالة خاصة واكثر وضوحا من غيرها ، احداها لطفلة جميلة لا تتجاوز الثلاث سنوات من عمرها وكانت ملقاة باهمال على مصطبة وكانها "خرقة قديمة " ، واخرى لحصان مقتول ، وقد أبدى احد القتلة استغرابة من قتل الحيوان مبديا التعاطف ، بينما لم يظهر اي منهم أي اثر للشعور بالذنب تجاه ضحاياهم من البشر ، اما الصورة الثالثة قبدت بالغة المغزى والدلالة وهي لامرأة متوسطة العمر ، تخرج مهرولة من منزلها وهي تصرخ وتولول من رعب ما تكتشفه وتشاهده ، بدت مرعوبة ومذهولة اكثر من صور ضحايا النازية المزعومين ، وذلك قبل أن تنال نصيبها الموعود بالقتل وتنضم لذويها ! المدهش وربما الجديد في اعترافاتهم أنهم تلقوا تدريبا عسكريا خاصا مكثفا وعنيفا ، ولأكثر من سنتين في بلد مجاور ، أما اسرائيل الدولة التي سوقت وما زالت ومنذ اكثر من ستين عاما قصص المحرقة والهولوكوست المزعومة ، فقد تكفلت بالحماية والتغطية والدعم اللوجستي ، كا زودت القتلة بالأكياس البلاستكية الخاصة والكيماويات الخاصة المتلفة للجثث والمانعة لانتشار روائح تحلل الجثث في الأجواء الصيفية لبيروت ،ناهيك عن الدعم اللوجستي وحصار المخيمين لمنع هروب الضحايا وعمليات القنص وكافة متطلبات اخفاء المجزرة ! واشار معظمهم لكيفية تلقيهم لأوامر القتل التي صدرت مباشرة عن القائد الماروني ايلي حبيقة ( والذي اغتاله الموساد لاحقا بعد ان هدد بكشف الخفايا والمستور امام محكمة دولية خاصة في بلجيكا !) . قاتل آخر بدا يتبجح بطريقة ذبحه لفلسطيني كهل باستخدام نصل حاد أظهره لنا ، ثم استرسل واصفا طريقة بقره لبطن الضحية بالعرض بعد ان ثبته على الحائط ( وأشار بيديه ملوحا هكذا ...) ، ساخرا من استغاثة وصراخ الضحية : أرجوك اريد ان ارى اطفالي يكبرون ! ثم وصف بحذق قدرته الماهرة على فصل اللحم عن العظم من اطراف الضحية ، مظهرا استغرابه واشمئزازه من خوف الرجل وتبرزه ! وآخر سخر من عويل وولولة النساء وطلبهن للنجدة قائلا : صراخهن لم يجدي هنا ابدا ، حيث كانت الأوامر واضحة : اقتلوا الجميع بلا استثناء ! آخر كان يستعرض صور المجزرة و"يجعلكها " (يطويها) باشمئزاز ولامبالاة ملقيا بها الى الأرض ! كان القتلة مسلحين بكواتم الصوت والبنادق العادية والكلاشينكوف وبعض القنابل اليدوية والسكاكين والبلطات وبعض الأسلحة الاخرى (وكانوا من حين لآخر يشحذون البلطات والسكاكين !) ، أحد المجرمين كان يداعب باستمرار قطتين يربيهما، وقد اثنى كثيرا على فطنة وذكاء القطتين ، أحد الحضور في القاعة المكتظة للهيئة الملكية للأفلام في عمان ، سأل المخرجة معلقا بأن صدام حسين كان يداعب قطته ايضا ، ولم افهم " لمحدودية ادراكي " وجه المقارنة هنا ، وسألت نفسي : لماذا لم يتحدث هذا المنافق عن مداعبة بوش لكلبه المفضل اثناء تدميره للعراق ؟ ولماذا لفتت انتباهه هذه المشاهد الثانوية في فيلم حاشد بمشاهد الاجرام ؟ أحد القتلة وصف كيقية تروضهم وهم عراة على شاطىء اسرائيلي خاص بقيادة مجندة اسرائيلية عارية ، عاجزا بدوره عن فهم المغزى ! وعندما سأل احد الحضور المخرجة عن علاقتها وتفاعلها مع اعترافات القتلة اجابت ببرود مهني : بقيت على الحدود (أي انها بقيت باعتقادي في منطقة انسانية عازلة بلا مشاعر او احاسيس ) ! وعندما سألتها بدوري كمشاهد لما ابقتنا طوال حوالي الساعتين في هذا الجو الكابوسي الخانق ، نسمع اعترافات مذهلة لقتلة اوغاد يخفون ( وتخفي هي بقصد ) سحناتهم الشيطانية ، وفي ظل اضاءة باهتة وفي غرف شبه معتمة ، ولماذا لم تعطنا كمشاهدين الفرصة لالتقاط الأنفاس ببعض اللقطات الخارجية لبيروت وموقع المخيمين المنكوبين ، أجابت بأن لكل مخرج نمطه الخاص بالاخراج وبانها ربما قصدت ذلك ! وعندئذ سألتها هل كنت تقصدين اذن تعذيبنا كمشاهدين ؟ اجابت بايجاب ، ربما لتريح نفسها من العبء الثقيل لهذه المذبحة ولتنقل لكاهلنا بعضا من العبء النفسي ، وأظنها نجحت تماما بذلك حيث ادخلتنا لذلك الجو الشيطاني اللعين ، واراهن انها تفوقت بذلك على مخيلة مخرجي هولويود الأفذاذ المتخصصين في مشاهد القتل والاجرام ، وكما قال الأديب العالمي الشهير ماركيز ذات مرة بأن الواقع قد يتجاوز الخيال بغرابته (واضيف من عندي : ببشاعته !) في أحيان كثيرة . بالرغم من ان قاعة العرض الصغيرة في الهيئة الملكية للأفلام كانت مكتظة لآخرها في بداية العرض ، الا ان البعض بدأ (كالعادة ) بالمغادرة تباعا بعد ابتداء العرض ، وفوجئت من قلة الحماس وضعف المشاركة في النقاش الذي تم مع المخرجة بعد انتهاء العرض. تقديس بشير الجميل بالاضافة للاحتقان والحقد المتأصل ولعمليات غسل الدماغ الاسرائيلية ، فانه يعتقد ان الحافز الشخصي وراء هذه المجزرة هو تقديس القائد الكتائبي بشير الجميل ، الذي كان يعتقد بأن الفلسطينيين كانوا وراء اغتياله ! فقد كانوا يعتبرونه منقذهم ، وقد حزن أحد الجناة على فقدانه اكثر من حزنه على موت ابيه ، ووصف يوم مقتله بأكثر الأيام حزنا في حياته ! وصل عدد ضحايا المجزرة حسب احصائيات الصليب الأحمر الدولي الى 2750 ، ويعتقد ان العدد الحقيقي يفوق ذلك وقد يصل الى الثلاث آلاف متطابقا تقريبا مع عدد ضحايا 11سبتمبر ، واذا ما قمنا بحسبة بسيطة فهذا يعني افتراضا ان كل سفاح من هؤلاء الخمسة والعشرين (العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير : لاحظ الهامش ) قاتلا قد قتل 110 مدنيا بريئا ، متجاوزا العدد الكلي لقتلى سفاح اوسلو النرويجي المتطرف اللذين وصل عددهم ل77 شخصا ، وهذا يدل على عدم صحة هذا الرقم ! في اعتقادي أن اعترافات القتلة هنا تتجاوز بضراوتها اعترافات النازيين او فرق بنوشيه التشيلية او الجنوب افريقية المعروفة ببوس، وحتى قد تتجاوز احيانا اعترافات سفاحي الصرب المشهورين ! تحولوا فجأة من زعران شوارع لميليشيات منظمة وسفاكي دماء محترفين، يضاهون أصحاب القبعات الخضر ومرتزقة الجيش السري الفرنسي ، وطبعا تماهوا باجرامهم مع اجرام فرق الكوماندو الاسرائيلية ! ولم تقصر اسرائيل بالمشاركة الغير مباشرة بتسهيل المذبحة ، ومحاولة اخفاء آثارها ، وقد عبر احد القتلة بسخرية مبطنة عن ذلك عندما قال : لقد فكروا يكل التفاصيل ! واسأل بدوري :هل كانت مجزرة صبرا وشاتيلا تمثل الجزء الثاني من مذبحة دير ياسين ، وقد تمت هذه المرة بأيدي ميليشيات "مارونية " حاقدة تم استغلالها وغسل ادمغتها ؟! ولماذا تم توجيه الحقد الأعمى والكراهية ضد قاطني المخيمات الأبرياء العزل ؟ ولماذا نكث الاسرائليون بعهدهم بضمان امن وسلامة المدنيين بعد مغادرة المقاتلين الفلسطينيين ؟
عمل وثائقي نادر لم يكن غريبا ان يفوز هذا الفيلم التسجيلي اللافت (في العام 2005) بجائزة الاتحاد الدولي للنقاد في مهرجان برلين السينمائي الدولي ، المخرجة (ومساعديها لقمان سليم وهيرمن تيسين ) لم تلجأ للتعليق والخطابة والموسيقى التصويرية في عرض المشاهد ، ولم تستعن بأي نوع من المؤثرات السينمائية الخاصة أثناء عرض الاعترافات، بل لجات للاسلوب المباشر الواقعي في عرض الحقائق من افواه الجناة ، مستغلة رغبتهم بالاعتراف والافصاح ، ولم تترك حركة او ايماءة الا وتناولتها بكاميرا مجهرية ذكية لماحة و معبرة ، وتمكنت من "صفع" المشاهد الحيادي بهذه الاعترافات، دون ان نشعر بالملل ، بل استطاعت ببراعة جذبنا للانغماس في تفاصيل المجزرة حتى اصبحنا جزءا من الحدث المرعب ، وتمكنت من توصيل مشاعر الذهول والاشمئزاز لدينا باحساس سينمائي –فني نادر ، وأتمنى لو يستفيد بعض مخرجينا المستعجلين بالتعلم من هذا الشريط ! الفيلم يعرض اعترافات ستة من الجناة ، فكيف تم اختيارهم ؟ ولماذا كان عددهم ستة ؟ ويجب التنويه بايجابية لما قاله أحدهم بان بعض المسلحين الكتائبيين رفضوا المشاركة بالمذبحة ! كما تكمن ميزة الشريط باسلوب عرض الاعترافات و الشهادات العفوية بلا أدنى رغبة بالاتهام او اصدار الاحكام ، وباسلوب تلقائي غير منمق وبلا تشويق درامي ، مما حوله لعمل وثائقي غير مسبوق في تاريخ السينما ! ولابد من توجيه الشكر للهيئة الملكية للأفلام في عمان التي اتاحت لنا مشاهدة هذا الفيلم وباستضافتها للمخرجة التي عاشت ردحا من الزمان في بيروت وتتحدث بعض العربية ! ولكن في اعتقادي المتواضع فالفيلم لم يلقى الصدى المطلوب ، ولم يبدو الجمهور العماني مباليا ومهتما كثيرا بما يجري مقارنة بالاهتمام والاحتفاء الذي لاقاه الفيلم اثناء عرضه في بيروت في العام 2006 ! حاولت المخرجة بذكاء أن تعطي بعدا انسانيا –عالميا ، بل وكادت تتعاطف مع شخصيات الجناة من حيث تسليط الأضواء على أوضاعهم وحالتهم النفسية والمجتمعية ، فعرفنا من اعترافاتهم أن معظمهم قد مر بتجربة تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة ، كما بدا معظمهم وقد عانى من علاقات معقدة ومتناقضة وعنيفة (عمليا ووجدانيا) مع الأب والسلطة والقيادة ، مع تجاذبات وارهاصات وتداعيات متناقضة من الحب والتقديس والطاعة والخوف والكراهية ، ويبدو أن هذه الخلطة قد أدت بالفعل لتولد حقد واحتقان شيطاني انفجر بالشكل الاجرامي المقزز الذي لامسناه في الاعترافات التي تماهت لدرجة التطابق مع أحداث المجزرة ، بحيث بتنا كمشاهدين نشعر وكأنا كنا دون ان نشعر قد أصبحنا شهود عيان ، ولسنا مجرد مشاهدين لاعترافات جناة وحشيين ! كاميرا "مغرضة " واسلوب استفزازي :صبغة حمراء وعري مقزز ووشم صليب استخدمت المخرجة فيلترات خاصة للضؤ على أيدي احد القتلة وكانها تحذرنا من يديه الملطختين بالدماء ! وكما قلت فالديكور يبدو فارغا (الا من بعض الكراسي ) ويذكرنا بغرف التحقيق والاستجواب في دهاليز وأقبية المخابرات ،كذلك استخدمت الوان طلاء الغرف التي تراوحت بالتدريج ما بين الألوان الباهتة للأحمرثم الأخضر كوسيلة للتعبير، كما تبدو الشخصيات شبه عارية ومقززة تتماثل لحد بعيد مع "عري وبشاعة" الشهادات الحية ، ونرى أجسادا بشعة تحمل آثار الحرب والقتل ، ويبدو العرق المتصبب كما الأظافر القذرة مؤشرا لبشاعة الشخصيات وتوترها ، كما أنها استخدمت ببراعة " كثافة شعر الصدر واليدين والابطين مع بروز العضلات وقذارة الأجسام الواضحة " وكانها تقول لنا : انظروا لهذه الحيوانات الآدمية وتأملوا شراستها وفحولتها وبشاعتها ! كما يظهرالصليب كوشم واضح على كتف احد القتلة ، ربما لاظهار التناقض بين رمزية الصليب والاجرام والتظاهر الأخلاقي ، وربما بقصد لاعطاء البعد الطائفي - الديني للمجزرة (تماما كما في فيلم العراب الشهير حيث يصفي آل باشينو معظم خصومه اثناء تعميده لابن اخته في الكنيسة ) ! الفيلم لم يتطرق بالتفصيل للدعم اللوجستي الاسرائيلي والذي شمل اطلاق القنابل المضيئة لتسهيل عمليات القتل ليلا ! (وحسب شهادة احد الناجين "ماهر مرعي" فقد تكفل الاسرائليون بقنص الهاربين من موقع السفارة الكويتية الذي يطل على المدخل الجنوبي للمخيم ، كذلك أشارهذا الشاهد بوجود بعض القتلة اللذين لايتكلمون اطلاقا : كانوا شقرا وعيونهم زرقاء ! ويقول نفس الشاهد الذي فقد معظم افراد عائلته : رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتي مرمية على الأرض، ما عدا اختي الصغيرة. كانت تصرخ وتحبو باتجاه أمي وأختي وما أن وصلت بينهما حتى أطلقوا على رأسها الرصاص فتطاير دماغها وماتت ! كذلك يستطرد نفس الشاهد واصفا وحشية القتلة : اخبرني محمد كيف قتلوا اخته؟ قال:"كانت حاملا عندما قتلوها. بقروا بطنها وفتحوه بالسكاكين واخرجوا الجنين منه ثم وضعوه على يدها" ) ! كذلك يتحدث أحد الجناة عن التعبئة المعنوية المقصودة التي تعرض لها الجناة في مركزاسرائيلي متخصص بمشاهدتهم لنساء يهوديات يتم رشهن بمواد كيماوية قبل دخولهن للاستحمام ومن ثم حرقهن احياء ، وكأن ضحايا المجزرة الأبرياء هم المسؤولين عن ويلات المحرقة الاسرائيلية المزعومة . لم تنجح المخرجة الألمانية مونيكا بورجمن ( ومساعديها ) بتسويق الغفران والنسيان والتسامح ، وربما لم تقصد ذلك اساسا ، بقدر ما نجحت ببراعة نادرة بتسليط الأضواء على شحنة الاجرام والاحتقان الوحشي المقزز في ذوات ونفسيات هؤلاء القتلة ، حتى بتنا متأكدين ان هؤلاء الساديين ليسوا بشرا بالمعنى الانساني للاصطلاح ، بقدر ما هم مخلوقات شيطانية بشعة ومرعبة ما زالت تعيش حرة طليقة بلا حساب او ملاحقة قانونية (حيث تدعي بورغمن بأنها ما زالت تحتفظ بعلاقات معهم !) ، في الوقت الذي يتم فيه الحديث عالميا عن محاكمات افتراضية محتملة لمجرمي حرب عرب جدد نتجوا عن ثورات وانقلابات وتداعيات الربيع العربي المزعوم ، في حين يتم التستر كاملا عن أية جرائم ضد الانسانية تشير من قريب اوبعيد لدوراسرائيل "الدولة الاستيطانية- المحتلة الغاشمة" التي زرعت الاجرام أساسا في المنطقة العربية وفي فلسطين تحديدا والدول العربية المجاورة . اعتقد ان هذا الشريط التسجيلي قد ضرب عصفورين بحجر واحد ، فقد وثق حقائق المجزرة المرعبة وأدخلها لأرشيف التاريخ وبشهادات حية طوعية للقتلة ، كما أنه حقق الريادة والتميز في مجال فن السينما الوثائقية باسلوب التصوير والاخراج المتميز، ولكنها (أي المخرجة) مع ذلك أبقت المجال مفتوحا لعمل وثائقي جديد (بالغ الصعوبة) يناقش تفاصيل المذبحة من وجهة نظرالناجين وشاهدي العيان ، كذلك (وربما بدون أن تقصد) فقد اطلقت "نقاشا جدليا محموما" حول الرسالة الأخلاقية للفيلم الوثائقي في عالم بائس تنهشه كافة أنواع الصراعات والأحقاد ، حتى ما بين ابناء الدولة الواحدة كما عاينا وما زلنا نشاهد ونسمع في دول الربيع العربي ! مهند النابلسي كاتب وباحث وناقد سينمائي
المراجع : قصص يرويها ناجون من مذبحة صبرا وشاتيلا *islamicfamily.roro44.com/islamicfamily-50-594-0.html **http:llwww.now Lebanon.comlarabiclNewsArchiveDetails.aspx?ID=52438 ***«توماس فريدمان» مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» (1982/9/28 قال «بناءً على مشاهداته داخل مخيمي صبرا وشاتيلا :«بأنّ العديد من ضحايا المجزرة هم أفراد عائلة كاملة: ذبحوا فيما كانوا جالسين حول موائد العشاء، وبعضهم ذُبح ذبحاً من عنقه بالسكاكين، وبعضهم قُتل ضرباً بقضبان الحديد وأكثرهم قُتل رمياً بالرصاص» وقال: «مما لا شك فيه أنّ بعض هؤلاء كان من سكان حيفا أو غيرها في عام 1948، ممن تركوا موائد طعامهم فيها ولم يشربوا القهوة، فجاءهم الموت في الوضع نفسه بعد أربعة وثلاثين عاماً». ****كيف سيتم إخلاء الفلسطينيين جماعياً؟ وكيف سيتم دفعهم نحو الشرق؟.. لابد أنّ عملاً استراتيجياً(1) كهذا، يحتاج إلى «عمل استراتيجي» على نسق ما جرى في التاسع من حزيران 1948 في قرية «دير ياسين» وهو أُسلوب جربه الصهاينة وأفلحوا فيه من أجل تهجير السكان الفلسطينيين من الأرض المحتلة عام 1948. *****المصدر ويكيبيديا : عدد القتلى في المذبحة لا يعرف بوضوح وتتراوح التقديرات بين 3500 و5000 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح، أغلبيتهم من الفلسطينيين ولكن من بينهم لبنانيين أيضا. ****** المرجغ :خليل حداد- الحوار المتمدن – العدد 960 (2004) العديدون من الناجين تحدثوا عن ان مسلحي مليشيا الكتائب بقروا بطون الحوامل "لانهن رح يخلفوا ارهابيين"، وانهم خصوا الفتيان ايضا "لحتى ما يخلفوا ارهابيين زيهن"، وان العديد من المسلحين، شاركوا في عمليات اغتصاب جماعية لفتيات من المخيم، قبل قتلهن، دون ان يرمش لهم جفن. ******* (نفس المصدر : خليل حداد ) : مع غروب شمس الخميس، دخل الى مخيم شاتيلا قرابة ستمائة عنصر من عناصر المليشيا اليمينية، بعد تأكيد عدد من الشهود، عمر العيساوي:******** في السادسة من مساء الخميس السادس عشر من أيلول سبتمبر من عام 1982 أدخل الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 من عناصر ميليشيا القوات اللبنانية إلى مخيم صابرا وشاتيلا في عملية قالت إسرائيل لاحقاً إنها كانت ترمي إلى تطهير المخيم من نحو ألفي مقاتل فلسطيني تركهم ياسر عرفات. كانت هذه المقولة عارية تماماً عن الصحة، استمرت المجزرة حتى الثامنة من صباح السبت الثامن عشر من أيلول/ سبتمبر، أي أكثر من 36 ساعة. خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة