16 جانفي 2012 تم خلاله اول عرض لفيلم "وينو بابا " لجيلاني السعدي بقاعة المونديال بالعاصمة، فقد اثار من خلال هذا العرض نقد و جدل كبير من قبل الصحافيين و الباحثين التي تعرض من خلالها الى نفد لاذع و استياء عدد كبير من النقاد الى درجة انه نعتوه بخيبة الامل، لانهم توقعوا أ ن يهتم بالثورة التونسية و نقل لطبيعة الاحداث التي تجري بالبلاد خاصة و ان الفترة التي عرض فيها ارتبطت بفترة الاحتفال بالذكرى الاولى للثورة التونسية 14 جانفي. لكن ليس من الضروري اي انتاج فني يكون مرتبط بالاوضاع التي تعيشها البلاد، لان الفن هو حرية في التعبير و الاسلوب قبل كل شيئ، فاذا قيدناه فقد قيمته الابداعية. فبعد مشاهدتي للفيلم فلم يكن اسلوبه و خاصية البنيوية للصورة و السيناريو تستحق كل هذا الاستياء الذي لقيه من قبل النقاد و الباحثين في هذا الميدان، بل ان السعدي واصل من خلاله اسلوبه متخذا نفس المنحى الذي تميزت به افلامه السابقة"خرمة" و "عرس الذيب" التي تخصص من خلالها بالبحث في عالم المهمش بمختلف مظاهره و كشف خبايا هذا الواقع بكل جراة مما جعل اسلوبه و الخاصية البنيوية للغة الفيلمية تنصهر مع خاصيات الواقعية الايطالية الجديدة التي تتميز بالكوميديا السوداء ، فيعد هذا الفيلم قيمة فنية جديدة تنضاف الى رصيد السينما التونسية. فهذا الاسلوب الذي توخاه السعدي في سينمائيته و الذي اكسبه نفسا خاصا به يعد منهجا جديديا اقتحم به عالم السينما التونسية. و ابتعد عن المالوف و الروتين التي اغرقتنا فيها طيلة سنوات عديدة، سواء على مستوى اختيار الفضاءات التي نعتت بالانغلاق و الضيق و الانحصار في عالم المدينة التي جعلت منها فضاءا فلكلوريا و اطارا للمراوغات و الاكاذيب و حجب مثل هذه الفضاءات المهمشة المترامية في الاطراف و التي لم تجد من يلفت لها الانضار و يهتم بالبحث فيها ، و ايضا على مستوى المواضيع المتطرق لها، فقد غابت فيها الجراة و الواقعية الحقيقية لمختلف الفئات الاجتماعية التي تتخبط في واقع قاس و اليم و التي بقيت السينما التونسية تلف و تدور في حلقة معينة من المواضيع محترزة من النزول الى هذا العالم و الافصاح و الكشف عنه مما جعلها سينما سطحية على مستوى المواضيع و القضايا المتطرق لها. لتات 2004 سينما السعدي باسلوبها الخاص و التي اصبحنا من خلالها نتحدث عن سينما شعبية صحيح ان الفيلم لم يكن له اي علاقة بالثورة و الاوضاع التي تمر بها البلاد حسب ما كان يتوقعه الراي العام التونسي و الصحافة و النقاد ،. لكن يمكن ان نقول ان اسلوب السعدي الذي قامت عليه اعماله منذ انطلاق اول فيلم خرمة و عرس الذيب و فيلمه الاخير ، فهي تمثل ثورة على الانتاج السينمائي التونسي، فثورته انطلقت منذ سنة 2004 مع فيلم "خرمة"، فجاءت متجاوزة لكل القيود تقوم على الافصاح و التعبير بدون مراوغات للحفر في خبايا الواقع، فلم يكن يبحث عن جمالية الصورة بقدر ما كان يبحث عن صدقها في التعبير و كشف المستور.و قد اكد الجيلاني السعدي في بعض المقالات له باحدى الصحف التونسية ليدافع عن اسلوبه و يوضح توجهه في فيلمه الاخير "وينو بابا" ؟ قائلا: " الفيلم كغيره من الاشرطة السينمائية التي انتجتها خلال مسيرتي كخرمة و عرس الذيب، التزم فيها رغم اختلاف مواضيعها بمبدئي و قناعاتي في السينما التي احرص على تعليمها لطلبة هذا الاختصاص و هما ضرورة ارتباط الابداع بذات و روح مبدعه. فكل اعمالي هي تعبير فني اقدم فيها المحيط و المجتمع و العالم الذي اعيش فيه بما يتضمنه من قناعات و افكار." فكان الجيلاني السعدي حريصا على اسلوبه و قناعاته . الكاتبة: ملاك أم الزين باحثة في السينما التونسية جامعة تونس خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة