بصدور كتالوغ «أفيش السينما المصرية» عن دار الشروق نستطيع أن نقول إن هناك وعياً ما بدأ ينمو نحو أرشفة تاريخ السينما المصرية. الكتاب يتميز بدقة الإخراج وروعته، مع مقدمة إضافية لمحمود قاسم، فأفيش الفيلم هو أول علاقة حميمة بين الفيلم والمرء حتى وإن كان المرء لن يشاهد الفيلم، وهو أول أداة إعلانية عن الأفلام وبالتالي جاء تصميمها ليحمل بين طياته عوامل نجاح أو فشل الفيلم. الملصق (الأفيش) إما أن يزرع بذور الحب في قلب المشاهد، أو يلفت انتباهه بصورة تجعله يهرول لمشاهدة الفيلم. كان الأوروبيون أول من صمم «أفيشات» الأفلام في مصر، خصوصاً الأرمن منهم اللذين جاؤوا للإقامة فيها. ثم بدأت المؤسسات الصغيرة في الظهور، الواحدة تلو الأخرى. ويعد نجوم الأفلام بأسماء أو صور بؤرة هذه الأفيشات، ونقاط التركيز فيها، ويتوقف ذلك على شعبية النجم، وقبول الناس له، فهذا يعني أن النجم موجود بقوة في الفيلم، مثلما هو موجود في الأفيش، أي أن الأفيش هنا يعتبر مدخل الفيلم أو مفتاحه، وبمتابعة هذه الملصقات طوال هذا التاريخ، تجد أن نجوماً كانت صورهم وأسماؤهم المكتوبة في شكل متفرد، سبب جذب الناس. مصممو الأفيشات (أو الملصقات) هم أكثر من يكشف عنهم هذا الكتالوغ الرائع الذي أعده سيف سلماوي وأخرجه رجائي عبدالله، ومنهم الفنان جسور الذي تعود شهرته وقدرته البارعة الى رسم الوجوه وصوغها. ومن يتتبع مراحل تطور جسور خلال ثلاثة عقود من الزمن يجد أن طفرات ملحوظة قد حدثت في رحلة هذا الفنان، ففي فيلم لقاء في الغروب، لم تكن ملامح الأبطال واضحة بالصورة نفسها التي رأيناها على أفيش فيلم «اعتداء»، ما يعكس أن الفنان قد تطور مع الزمن، ولم يلجأ إلى الاستسهال أو الاستعجال في تنفيذ ما يرسمه، خصوصاً بعد أن صار أكثر تمكناً. وجسور اسمه الحقيقي حسن مظهر، تخرج في كلية الفنون الجميلة، صمم الأفيشات لعدد من الأفلام منها «لقاء في الغروب»، و «أحمر شفايف»، و «بحبوح أفندي». ثم نلاحظ بروز المصمم اليوناني فاسيليو الذي شهدت مرحلة الخمسينات نشاطاً مكثفاً لعمله في تصميم ورسم الأفيشات في شكل مميز، ويمكن مراجعة هذا التميز في أفيشات أفلام تنتمي إلى تلك السنوات، ومنها: «قيس وليلى»، «شهر الحب»، «حبي الوحيد»، كان فاسيليو يرسم العاشقين العربيين على طريقته، بينما على أفيش «حبي الوحيد» يرسم عاشقين يتعانقان، من دون أي ملامح للأوجه، ما يعني أنه لم يغازل المتفرج بوجه أي من نجوم الفيلم الثلاثة، وهم عمر الشريف، كمال الشناوي، ونادية لطفي، أما في «الخرساء» فقد ركز على وجه صارخ لسميرة أحمد في منتهى الهلع، بينما رسم أفيش «نهر الحب» من خلال رسم وجهي عاشقين فقط. وقد دخل هذا المجال رسامو كاريكاتور بارزون على رأسهم مصطفى حسين الذي صمم أفيشات أفلام منها: «إلى المأذون»، «يا حبيبي»، «سوبر ماركت». واستعان عدد من «الأفيشات» بالصور الفوتوغرافية للنجوم ممزوجة أحياناً بالرسوم. بلغ هذا النوع ذروته مع إدخال «الفوتو شوب» في تصميم الأفيشات. سيبقى الأفيش السينمائي طيلة ما تبقى للسينما من أعمار، بمثابة الواجهة الأولى، ولغة الخطاب، بين الفيلم والجمهور، سواء أكان مشاهداً له أو لا. وسيستفيد صناع هذه الأفيشات من التطورات التقنية، سواء من حيث التصميم، أو الطباعة، أو التوزيع، والنص، واختيار الأماكن، لكنها ستظل تعمل بالوتيرة نفسها، من حيث شدة التركيز على السبب الأول لنجاح الفيلم تجارياً، سواء كان اسم النجم، أو صورته، أو أسماء نجوم غيره، أو اسم المخرج، ولأنه لم يعد في بلادنا اسم مخرج يمكنه أن يجذب الناس للمشاهدة، فسيبقى النجم مسيطراً لعقود طويلة على الأفيشات. ومن المرجح أن تعرف النجومية انقلابات حادة، ووجوهاً غير مألوفة، مثل الصعود المذهل الذي حدث لمحمد هنيدي ابتداء من «صعيدي في الجامعة الأميركية» عام 1998، ومحمد سعد في فيلمه «أللمبي»، ومعظم هذه النجومية ستكون للرجال في المقام الأول. وهو ما سيظل الملصق يعكسه بالطبع. الاسكندرية – خالد عزب / الحياة - 08/09/06