تعتبر السينما إحدى الروافد الثقافية والإبداعية التي واكبت وتواكب القضايا العالمية/ الإنسانية بشكل عام، والقضايا الوطنية بشكل خاص؛ ونظرا لقدرتها على الجمع بين الصوت والصورة، تبقى السينما الأكثر تأثيرا على المتلقي، وذلك أنها الوسيلة الأمثل لتمثل الانشغالات الإنسانية والوطنية والاجتماعية والسياسية، وتكثيف الاشتغال الفاعل والعميق عليها؛ وباختصار شديد، إن السينما هي بمثابة تلك المرآة التي بإمكانها أن تعكس آمال وألام المتلقي. فإلى أي حد كانت السينما المغربية في خدمة القضايا الوطنية؟ وارتأينا في هذه الورقة أن نقف كرونولوجيا عند ثلاثة نماذج لا الحصر من القضايا الوطنية التي تفاعلت معها السينما المغربية، ألا وهي قضية الأمازيغية، وقضية الاعتقال السياسي، وقضية الإرهاب. 1_ الأمازيغية كقضية وطنية والسينما المغربية: أية علاقة؟ في الحقيقة، أغامر وأجزم أنه لا توجد هناك أية علاقة بين السينما المغربية والأمازيغية كقضية إنسانية ومجتمعية ذات أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية تهم مكونا مهما من داخل المجتمع المغربي ظل إلى أمد قريب حبيس التهميش، ألا وهو المكون الأمازيغي؛ وتعود جذور هذا الإقصاء إلى نوعية سياسات المؤسسات الثقافية الرسمية، والتي تقف في وجه بروز المكونات الهامشية مقابل تعزيز البعد القومي/ العربي في الذات/ الهوية المغربية. وفي هذا السياق، تجادل الباحثة الأمريكية ساندرا ڭايل كارتر فتقول: «منذ أن بدأت خدمة التلفزيون كان تمثل الأمازيغ مقتصرا على السهرات والرقص، وهكذا فإن السينما المغربية اشتغلت بنفس النمط وقامت بتهميش السكان الأمازيغ، وفضلت التأكيد على ساكنة وطنية مغربية عربية إسلامية». وهكذا، لقد اقتصر تمثل المكون الأمازيغي في السينما المغربية على استحضار البعد التراثي والاجتماعي والثقافي والجغرافي؛ ويعزى ذلك، حسب كارتر، إلى كون الرقابة السياسية أرخت بظلالها على توجهات المركز السينمائي المغربي، وذلك أنه لم يبد أي اهتمام تجاه دعم الإنتاجات التي تستهدف المكون الأمازيغي، وذلك راجع أساسا لسببين هما: أولا لأن الناطقين بغير العربية كان ينظر إليهم على أنهم غير ملائمين كجمهور مستهدف، لأن غالبيتهم بدويون وفقراء؛ وثانيا لأن سياسات الهوية الوطنية كانت موجهة نحو تقوية الهوية العربية وضم المناطق والهويات المتنوعة في أمة واحدة. بيد أنه بعد خطاب الملك بأجدير يوم 17 أكتوبر 2001، والذي أكد فيه على أن الأمازيغية مسؤولية وطنية، ستتغير النظرة المؤسساتية الرسمية إلى الأمازيغية، وذلك باعتبارها قضية وطنية تمس كل المغاربة على حد سواء؛ ونتيجة لهذا التحول في النظرة إلى الأمازيغية، سيتم فسح المجال أمام ميلاد سينما مغربية ناطقة بالأمازيغية، وهكذا سيظهر أول فيلم أمازيغي روائي طويل في التاريخ الرسمي للسينما المغربية سنة 2007، وهو فيلم «تيليلا» لمخرجه محمد مرنيش، وسيظهر ثاني فيلم أمازيغي في نفس السنة، وهو فيلم «بوقساس بوتفوناست» لمخرجه عبد الإله بدر؛ وبعد ذلك بسنة سيخرج محمد مرنيش ثاني أفلامه «تمازيرت أوفلا»، هذا في الوقت الذي سيخرج محمد أومولود عبازي أول فيلم له ناطق بالأمازيغية، وهو فيلم «ايطو تثريت» (2008)؛ وفي سنة 2010، سيتم إنتاج ثلاثة أفلام أمازيغية، وهي: «ميغيس» لجمال بلمجدوب، و«خمم» لعبد الله توكونة (فركوس)، و«واك واك أثايري» (2010) لمحمد مرنيش. والملاحظ حول هذه الأفلام أنها لا تستحضر أساسا الأمازيغية كقضية وطنية وسياسية وإنسانية عانت من ويلات التهميش والإقصاء، بل إنها ركزت وكثفت الاشتغال فقط على الأمازيغية في علاقتها باللغة والثقافة والأرض والمقاومة والعلاقات الاجتماعية؛ ونخلص إلى أن المخرج السينمائي الأمازيغي لا زال يمارس بشكل أو بآخر نوعا من الرقابة الذاتية، ذلك أنه بالرغم من انفتاح المؤسسات الرسمية على المكون الأمازيغي، إلا أن هذا الانفتاح لم يتم رسم معالمه في الإبداع السينمائي الأمازيغي إلى حد الآن، وذلك راجع لكون اختيار معالجة التيمات التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالسياسة في السينما المغربية لازال إلى حد ما اختيارا محفوفا بالمتاعب. وهكذا تبقى التيمات الغالبة على الفيلموغرافيا الأمازيغية هي تيمات بعيدة كل البعد عن استحضار القلق الأمازيغي، بما فيه أسئلة الذات والهوية الأمازيغية، وتاريخ الحركة الثقافية الأمازيغية، واستحضار مسار الأصوات المقموعة (سابقا)، صوت إزنزارن مثلا؛ وهكذا لقد تم التركيز فقط على الأمازيغية كتراث ولغة وفضاء...الخ. ومن جهة أخرى، لا نغفل حقيقة أن السينما المغربية الناطقة بالأمازيغية لم تواكب بالشكل المطلوب على المستوى الزمني خطاب أجدير، حيث اقتربت المدة الفاصلة بين هذا الخطاب وميلاد أول فيلم أمازيغي على مستوى التاريخ الرسمي من خمس سنوات. 2_ السينما المغربية وقضية الاعتقال السياسي
كانت تيمة الاعتقال السياسي إلى حد قريب تسجل ضمن التيمات المهمشة، وذلك راجع إلى التوتر السياسي المشحون الذي شهده المغرب في مرحلة السبعينات والثمانينات والتسعينات؛ وكان من الصعوبة بمكان خلال هذه الفترة الحديث عن الاعتقال السياسي أو تناوله على المستوى السينمائي أو الروائي أو في أي شكل تعبيري آخر، «حيث كان تصريح أو قول بسيط بصدد الموضوع يفضي بصاحبه إلى غياهب السجن، أو إلى الكثير من الأتعاب والمعاناة». ونتيجة لهذا الواقع السياسي المتوتر تم إبعاد الاعتقال السياسي من الاشتغال السينمائي لكون مقص الرقابة، من ناحية، كان آنذاك حاضرا بقوة، وهو الفاعل الذي ولد لدى المخرج المغربي، من ناحية أخرى، نوعا من ما يسميه مجموعة من النقاد بالرقابة الذاتية، حيث كان على أي مخرج اختار معالجة هذه التيمة، حسب اتباتو، أن يتحمل تبعات اختياره. وتلاحظ ساندرا كارتر أن الاعتقال السياسي يندرج ضمن التيمات التي طالها مقص الرقابة، الشيء الذي ولد إقصاء قضية الاعتقال السياسي من المتخيل السينمائي الوطني؛ بيد أن هذا الواقع سيتغير، وذلك بعد الانفراج السياسي الذي شهده المغرب في نهاية سنوات التسعين وبداية الألفية الثالثة؛ وهكذا سيتم تكثيف الاشتغال على الاعتقال السياسي بعد أن تم السماح بذلك رسميا؛ وبدأت تظهر هنا وهناك سيناريوهات تعالج تيمة الاعتقال السياسي سواء كان موضوعا رئيسيا أو ثانويا. ومن بين الأفلام التي اشتغلت على موضوع الاعتقال السياسي كموضوع ثانوي، نجد على سبيل الذكر لا الحصر: «عبروا في صمت» (1998) لحكيم نوري، و«علي، ربيعة والآخرون» (2000) لأحمد بولان، و«ضفائر» (2000) لمخرجه الجيلالي فرحاتي، و«ألف شهر» (2003) لفوزي بنسعيدي، و«بيضاوة» (1998) و«وجها لوجه» (2003) لعبد القادر لقطع، و الفيلم الوثائقي «أشلاء» (2010) لحكيم بلعباس. ويمكن القول إنه بالرغم من تنوع طرق معالجة الاعتقال السياسي في هذه الأفلام، نجد أن أغلبها استحضر الاعتقال السياسي في علاقته بآلام الماضي ومآل أحلام الجيل الذي عايش هذا الماضي، حيث تم استحضار التشتت الذهني لذاكرة المعتقلين وعائلاتهم، سواء في علاقته بالبعد النفسي أو الاجتماعي أو السياسي، أو ببؤس الواقع اليومي. وإذا كان فيلم «علي، ربيعة والآخرون» ركز على «النهاية المأسوية لجيل السبعينات الذي انتهت أحواله، بعد تجربة الاعتقال والمطاردة، إلى توجهات أخرى متناقضة أصولية، وهامشية، وعبثية»، فإن فيلمي «ألف شهر» و«أشلاء» استحضرا معاناة عائلات المعتقلين السياسيين؛ فبينما وقف الفيلم الأول عند معاناة كل من 'أمينة' وابنها 'مهدي' وحماها 'أحمد' جراء اعتقال زوج أمينة، والمتواجد وراء القضبان، ركز الفيلم الثاني على قلق الاختفاء وألم الفراق لدى عائلة اختفى ابنهم، والذي أصبح مجهول المصير. وفي نفس الإطار، استحضر فيلم «ضفائر» متاعب 'كنزة'- زوجة محمد، معتقل سياسي- في مواجهتها لأصحاب النفوذ السياسي والسلطوي أثناء فترة سجن زوجها محمد. ونجد ضمن الفيلموغرافيا الوطنية أفلاما كثفت اشتغالها على تيمة الاعتقال السياسي، وذلك بجعلها تيمة رئيسية لسردها الفيلمي، ومن أبرزها نذكر أفلام: «منى صابر» (2001) لعبد الحي العراقي، و«جوهرة بنت الحبس» (2003) لسعد الشرايبي، و«درب مولاي الشريف» (2004) لحسن بنجلون، و«ذاكرة معتقلة» (2004) لمخرجه الجيلالي فرحاتي، و«شاهدت اغتيال بنبركة» (2005) لكل من سيرج لوبيرون وسعيد السميحي. وسنركز هنا أساسا على فيلم «ذاكرة معتقلة»، حيث سيتم معالجة الاعتقال السياسي من وجهة نظر مغايرة ركزت بشكل رئيسي على مكون الذاكرة حيث تعشش الآثار التي خلفتها مرحلة التوتر السياسي على جيل بأكمله، الجيل الذي تبخرت أحلامه وآماله السياسية والمجتمعية حين اصطدم بواقع لا يؤمن إلا بالمنطق الزجري، كما يشير إلى ذلك 'المختار العليوني'- بطل الفيلم- في إحدى رسائله إلى 'زهرة': «رداؤك يرتد كفنا ينتزعني بعنف من غفوتي، وفي نواح كئيب يذكرني أن كائنات من زمننا وأدت أحلامنا لأن أقمنا معبدا وأقسمنا لن نموت ونحيا لعشق الحرية». ويحكي الفيلم قصة المعتقل السياسي المختار العليوني الذي قضى فترة طويلة في غياهب السجن؛ الأمر الذي أدى به إلى فقدان ذاكرته، ونسيان ماضيه السياسي، كما أكد ذلك ل'الزوبير'، رفيقه في فترتي السجن وما بعد السجن: «عمرني ما كنت مناضل، راك نتا غالط»، ويقول له في حوار آخر: «أنا ما عندي حتى علاقة بهاذ السياسة»؛ ويؤكد كذلك مدير السجن نفس الشيء لزهرة: «ما بقى كيعقل حتى على شي حاجة». واشتغل الفيلم بشكل فاعل على مخلفات الاعتقال السياسي وآثاره النفسية والاجتماعية والمصيرية على المعتقلين السياسيين، حيث شملهم عاملا التشتت والتفرقة، وأصبح مصير كل واحد منهم مختلف تماما عن مصير الآخرين، فمنهم من غادر أرض الوطن (حالة زهرة)، ومنهم من غاب عن الأنظار (حالة علي بلهاشمي)، ومنهم من لقي حتفه في السجن (حالة عمر الأحمدي)، ومنهم من فقد ذاكرته ورجولته (حالة المختار العليوني)، ومنهم من أصبح متسكعا في الشوارع، كما تحيل إلى ذلك إحدى المشاهد؛ وهكذا انتقلوا من المجموعة (كقوة موحدة تحمل أفكارا معينة وتؤمن بمبادئ معينة) إلى أفراد مزقهم واقع الاعتقال وأصبح كل واحد منهم يغني على ليلاه. وفي الأخير، نود الإشارة إلى أنه يمكن القول إن السينما المغربية واكبت إلى حد ما تيمة الاعتقال السياسي سواء فيما يتعلق بالأفلام التي استحضرت بشكل ثانوي أو غير مباشر هذه التيمة، أو بالأفلام التي جعلت من الاعتقال السياسي مادة سردية رئيسية، حيث نلاحظ أن بعض التجارب السينمائية سبقت تجربة الإنصاف والمصالحة وما يعرف ب"طي صفحة الماضي" أو "المصالحة مع الماضي". غير أن الاشتغال الطاغي على أفلام سنوات الرصاص يتسم بنوع من السطحية والمباشرة، مما جعلها لا تستحضر بشكل عميق وفاعل تيمة الاعتقال السياسي. 3_ السينما المغربية وتمثل الإرهاب بالمغرب تبقى السينما وسيلة لتمثل قضايا مست وتمس الإنسان بشكل عام، فلقد استحضرت السينما العالمية قضايا وإشكالات إنسانية وكونية عاش حرقتها الإنسان على المستوى الكوني وتحمل قلقها عبر الزمان والمكان، ونستدل هنا بتيمات بارزة كالسلام والحرب، والبيئة، والتهميش، والإقصاء، وحقوق الإنسان، والإرهاب... الخ. وهكذا نسجل أن السينما المغربية جزء لا يتجزأ من قاطرة السينما في العالم، حتى وإن كانت السينما المغربية أكثر قربا من واستحضارا للمواضيع التي تمس المجتمع المغربي أكثر من التي تلامس كينونة الإنسان في بعده الكوني؛ ونود هنا أن نركز فقط على استحضار السينما المغربية لتيمة برزت بشكل أساسي في العقد الأخير، ومست الإنسان على المستوى العالمي، ألا وهي تيمة الإرهاب. الكل يعلم أن مطلع الألفية الثالثة سيعرف منعطفا غير مسبوق في سيرورة التاريخ الدولي، وذلك إثر أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولاياتالمتحدةالأمريكية؛ وسيغير ظهور الإرهاب مجرى الأحداث في العالم؛ الأمر الذي سينعكس على التوجه السياسي والاستراتيجي لمجموعة من الأنظمة العالمية، بحيث تم تقسيم العالم إلى قطبين غالبا ما يتم وصفهما بالخير والشر. ولم يمس الإرهاب فقط الولاياتالمتحدة، بل عانت مجموعة من الأقطار العالمية من ويلاته، ونجد أن المغرب كان مسرحا لعمليتين إرهابيتين، وهما أحداث 16 ماي 2003 بالدارالبيضاء، وتفجير مقهى أركانة يوم 28 أبريل 2011 بمراكش؛ فكيف استحضرت السينما المغربية تيمة الإرهاب بما هي قضية وطنية ودولية؟ لقد تطرقت السينما المغربية لتيمة الإرهاب بعد أحداث الدارالبيضاء، وذلك عبر استحضارها بشكل ثانوي أو رئيسي في السرد الفيلمي لبعض الأعمال السينمائية الروائية الطويلة والقصيرة؛ ونجد من أهمها فيلم «الدارالبيضاء نهارا» (2004) لمصطفى الدرقاوي؛ و«ملائكة الشيطان» (2007) لأحمد بولان؛ والفيلم القصير «الطاكسي الأبيض» (2005) لجمال السويسي؛ هذا في الوقت الذي يحضر فيه المخرج نبيل عيوش لتصوير فيلم سينمائي حول أحداث الدارالبيضاء، والمعنون ب«نجوم سيدي مومن»، وهو فيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس العنوان للكاتب والتشكيلي المغربي ماحي بينبين. غير أن الملاحظ أن السينما المغربية كانت متأخرة في تناول تيمة الإرهاب، ويعود ذلك ربما إلى كون أن المخرج المغربي لم يساير بعد بشكل فعال وسريع ما يجري في الساحة المغربية، بحيث إنه يحتاج إلى وقت طويل ليدلي بدلوه في حدث معين، وخاصة إن كان حدثا سياسيا؛ وربما يعتقد المنتج المغربي أن تيمة الإرهاب ليست مثيرة بالقدر الكافي حتى تجلب الجماهير المغربية إلى القاعات السينمائية، وهناك عامل آخر هو كون موضوع الإرهاب لقد تم تقديمه في مجموعة من الأفلام العالمية والأمريكية خاصة؛ الأمر الذي ربما يجعل المخرج المغربي متخوفا من السقوط في التكرار. ويبدو جليا تأخر مسايرة السينما المغربية لتيمة الإرهاب في حقيقة انتظار سبعة سنوات ليقرر المخرج نبيل عيوش تصوير فيلم روائي طويل حول أحداث الدارالبيضاء 2003، وتبقى التجارب الحالية المستحضرة لتيمة الإرهاب والتطرف محاولات محتشمة لرصد جذور وتجليات هذا الظاهرة الخطيرة، ومدى انعكاسها السلبي على تصورات المغاربة عامة والشباب خاصة. وتدور أحداث فيلم «ملائكة الشيطان» (2007) حول قضية هزت الرأي العام الوطني، والتي أصبحت معروفة ب"عبدة الشيطان"، حيث استحضر الفيلم مدى تفاعل المجتمع المغربي مع هذه الظاهرة، وخاصة التيار الإسلامي؛ بيد أن الفيلم سينتظر حتى لحظة الجينيريك ليطلعنا بجملة مفادها أنه في يوم الجمعة 16 ماي 2003 سيقوم أربعة عشر شابا بتفجير أربعة فضاءات بالدارالبيضاء في إشارة واضحة إلى تفجيرات العاصمة الاقتصادية. وقدم لنا فيلم «الدارالبيضاء نهارا» (2004) قصة تتشابه أطوارها مع قصة فيلم «ملائكة الشيطان»، بحيث إن الفيلم يستحضر قصة شابين بالدارالبيضاء-'طارق' و'الزير'- متشبعين بالموسيقى حتى النخاع إلى درجة جعلتهم يبوحان في حياتهم الدراسية بأفكار تنسب إلى "عبدة الشيطان"؛ غير أنه مع توالي الأحداث سيتم شحن كل من طارق ورفيقه الزير بالفكر المتطرف، وذلك خلال الفترة التي قضوها في السجن، ليصبحا بعد ذلك قنابل موقوتة قابلة للتفجير في أي زمان ومكان. وعلى عكس المتوقع، سينقلب السحر على الساحر، وذلك بعصيان كل من طارق والزير وزوجة الفقيه أوامر رؤساءهم، حيث سيتم وضع حد لحياة الفقيه ورفاقه عوض تفجير أماكن حساسة بالدارالبيضاء. خاتمة:
إن السينما وسيلة إبداعية رائدة وفعالة لتمثل قضايا الإنسانية جمعاء، بما فيها ما هو اجتماعي وثقافي وسياسي وإنساني، وبيئي...، وذلك راجع إلى مدى تأثيرها على المتلقي وقوة بعدها التوثيقي الذي يرسخ انشغالات الذات الإنسانية بمجموعة من الهموم التي يعيش الإنسان حرقتها على المستوى الكوني. ونود الإشارة هنا إلى أن السينما المغربية انشغلت هي بدورها بقضايا إنسانية عامة وبقضايا وطنية خاصة، وحاولنا الوقوف عند بعض هذه القضايا، كالأمازيغية، والاعتقال السياسي، والإرهاب؛ ويمكن القول إن السينما المغربية كانت قريبة من هموم الإنسان المغربي علاقة بانشغاله ببعض القضايا الوطنية، دون أن ننسى الإشارة إلى أن السينما المغربية في غالب الأحيان لا تواكب زمنيا القضايا الوطنية بالشكل المطلوب، أي أنها تنتظر لفترة ليست بالقصيرة كي تستحضر وتقدم أفلاما تلامس القضايا الوطنية. *قدمت هذه المداخلة في ندوة "السينما في خدمة القضايا الوطنية"، وذلك ضمن فعاليات المهرجان الدولي الأول للسينما والشباب بمكناس أيام 19-21 ماي 2011. ** سعيد شملال، باحث سينمائي، جرسيف، المغرب. خاص ب: ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة
الهوامش: 1 Sandra Gayle Carter, What Moroccan Cinema? A Historical and Critical Study 1956–2006, (Maryland: Lexington Books, 2009), p. 20. Ibid.2 3 نشير هنا إلى أن هذا الفيلم تم إنتاجه سنة 2006، غير أنه تم تأريخه في الفيلموغرافيا التي يصدرها المركز السينمائي بسنة 2007. 4 حميد اتباتو، رهانات السينما المغربية: الفاعلية الإبداعية وتأصيل المتخيل، Net Impression Ouarzazate، ورزازات، 2006، ص، 59. Sandra Gayle Carter, What Moroccan Cinema? A Historical and Critical Study 1956–2006, (Maryland: Lexington Books, 2009), p. 316.5 6 حميد اتباتو، رهانات السينما المغربية: الفاعلية الإبداعية وتأصيل المتخيل، ص، 59. 7 نفسه، ص، 58. 8 نود الإشارة هنا إلى أن هذا الفيلم يشبه كثيرا قصة فيلم «أخر فيلم» (2006) للمخرج التونسي نوري بوزيد، حيث إن هذا الأخير يحكي قصة شاب مولع بالموسيقى يدعى 'بهتة' سيتم شحنه من طرف متطرفين بأفكار تطرفية، الشيء الذي دفع به في أخر المطاف إلى تفجير نفسه.