لاشك أن السينما في بلادنا حققت قفزة نوعية، خاصة في مجال الانتاج، فأصبحنا بدورنا نتوفر على مخرجين كثر مثلنا مثل الدول العريقة في هذا المجال، وأضحى الفيلم المغربي متواجدا في جل المهرجانات الدولية تقريبا، ورغم ذلك تبقى هذه المعادلة غير مكتملة، هناك أرقام مهمة أزيلت منها إما عن قصد أو عن جهل، أرقام ضرورية لاحداث توازن قادر على الاستمرارية والتميز .. إذا ما تسللنا داخل كنه هذه المعادلة نجدها فارغة من محتواها، شكليا تستحق التبجيل والتعظيم، جوهريا هي بدون أساسات ولا قواعد. لن تستقيم السينما بوفرة المخرجين وكثرة عددهم، ولن تتميز بإحداث ميزا نيات ضخمة داعمة لها دون ترشيدها وتتبع مسارها، هناك عناصر مهمة تدخل في صناعة الفيلم، عناصر تتداخل فيما بينها لتعزيز محتواه وإنجاحه، من بين هذه العناصر الممثل، نعم الممثل الذي يعاني في أجمل بلد في العالم، وجمال هذا البلد لا ينبغي ان يكون مقتصرا على الطبيعة فقط ، فجمال الشعوب يقاس بثقافتها وفنها لا بطبيعة وتضاريس بلدانها، والممثل عنصر مهم في صنع هذا الجمال، واذا اشتكى- مجرد شكوى- تداعت أعمدته (اي الجمال) وانهارت قيمته، فما بالنا بالآلام التي يعاني منها بشكل روتيني وممنهج. ما يحز في نفسي أكثر هو ما أراه اليوم من ظلم اتجاه الممثل المغربي الذي من المفروض الاهتمام به اكثر واحتضانه بقوة بدل تهميشه واحتقاره، نعم احتضانه وعدم التخلي عنه في وقت نتشدق فيه بالديمقراطية والحرية، والديمقراطية الحقة تمارس وتنطلق من أهل الفن والثقافة أولا، لكن مانراه الآن في هذا المجال يُبكي ولا يعبر بتاتا عن الديمقراطية السمحة والحكامة الجيدة التي يسعى اليهما وطننا، هناك مبارة غير متكافئة تماما، تُلعب بدون حكم، والاهداف فيها تسجل في حالة شرود متعمد، هناك لاعبون اقوياء اكتسحوا الملعب وسيطروا عليه، وتركوا الفتات للاعبين بدون دفاع يحميهم ولا ظهر يسندهم. المضحك المبكي أن جل المهرجانات السينمائية المغربية - إلا من رحم ربك طبعا - ''تستورد'' ممثلين عرب وأجانب، لا لشيء سوى للاحتفاء بهم، بينما الممثل المغربي الذي من صلبهم مهمش محكور، ولا يستدعونه سوى للتصفيق على زميله الممثل الاجنبي المحتفى به، أي خذلان هذا وأي احتقار لمورد فني من المفروض فينا احترامه والرفع من شأنه، الدول التي تحترم فنها يكون الممثل فيها أحسن من يمثل الشعب داخليا وخارجيا، قيمته المعنوية ومرتبته الإجتماعية تتجاوز قيمة وزير في حكومة زائلة، وتأثيره على الرأي العام يكون أقوى وأشد، لننظر مثلا الى الممثلين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو في فرنسا، أو في الهند، أو في مصر.... لا ألوم الحظ العاثر الذي رمى بممثلينا في مستنقع آسن من هذا النوع بقدرما ألوم القائمين على هذا الميدان وأصحاب المصالح الذين يتنافسون في كل شيء إلا الفن والابداع، يتنافسون في جلد الممثل علانية وأمام الملأ دون شفقة ولارحمة والنماذج كثيرة ولاتحتاج الى توضيح، فكيف لممثل ان يبدع وهو يعيش داخل شرنقة من نار؟ كيف له أن يعطي وهو مكبل باعراف اعتباطية نستحيي من ذكرها أمام الغريب حفاظا على سمعة فن مغربي ندعي انه وصل الى الاحترافية والعالمية، بينما أساساته هشة قابلة للاختراق. المشكل كبير وحان الوقت لطرحه فوق الطاولة، أنا لا أراه مشكلا إبداعيا على الاطلاق بقدرما اراه مشكلا أخلاقيا، يطغى على الكثير من العقليات المتمردة على الفن محا وِلة الاستفادة منه بكل الطرق ولو على حساب مبدع ينتمي الى طبقتها، نرجسية وشوفينية غارقة حتى السرة في هذا المجال، بل الاكثر من هذا هناك من المخرجين المغاربة من يرمي بفشل عمله على الضعف الفني للممثلين مع أننا شاهدنا لهؤلاء الممثلين أعمالا عالمية وعربية كان فيها اداؤهم رائعا ومميزا، وإذا ما عكست الصورة نراهم للأسف فاشلين ومفلسين فنيا. لدينا ممثلون أكفاء ومن طراز عال، يحتاجون فقط لمقومات عادلة وشروط تضمن لهم حقهم الإبداعي والمعيشي، ممثلون لم يأخذوا فرصتهم كاملة بعد ولم يشتغلوا بكامل طاقاتهم القصوى، أمثال محمد خويي، ومحمد البسطاوي، ومحمد الشوبي، وهشام بهلول الذي نتمنى له الشفاء العاجل، والممثلة المبدعة هدى الريحاني التي تركت ماتركت وهاجرت إلى كندا. سياسة كسر العظم والتحدي واللامبالاة لدى بعض القائمين على هذا الفن قد تُعجِّل بموته وتُبَكِّر بخرابه، فكما يعرف الجميع أن ولادته آلمتنا جميعا، ومن خلال هذا الألم نسعى جميعا الى تربية هذا الفن في ظروف طبيعية قادرة على ابراز من هم أجدر بكفالته، والأهم، من هم أقدر على تمثيله وتمثيلنا.. الممثل المغربي لم يُخلق للتصفيق على زميله المستورد، ولا لمجرد المرور على البساط الأحمر للمهرجانات، ولا لعرض دمه أمام الإعلام كموضة دأبت عليها الدولة، ولا... ولا...فرفقا بممثلينا أرجوكم. فؤاد زويريق