(بلال مرميد نموذجا) ما جعلني أدلي بهذا الاعتراف هو مشاهدتي لآخر ما قدم من الأفلام المغربية، التي حصدت بعضها جوائز عربية وأخرى حظيت باعترافات عالمية. وبعد المشاهدة، اتجهت إلى قراءة ما كتب في المواقع المتخصصة في السينما وفي النقد السينمائي الرصين، لأبحث بالخصوص عن ما خطته الأفلام المغربية لكونها الأقرب إلى واقع الفيلم ولخصوصيات المحتوى والتفاصيل والحوار... وأنا لست متخصصا بشكل كبير في السينما، لكني متتبع لمئات الأفلام العالمية واقرأ في النقد السينمائي وأفهم في تقنيات الإخراج وجماليات الصورة. لكن مع ذلك، عندما قرأت لبعض النقاد المغاربة وهم يتحدثون عن هذه الأفلام الأخيرة بطرق تهليلية، استغربت عن حال النقد السينمائي في المغرب وعن طبيعة شاشتنا المحلية ! إن الناقد كما قال الأديب ميخائيل نعيمة "هو حامل الغربال؛ يسمح للصالح أن يمر ويمنع الطالح.. فلنعط المُغربل حقه ". هكذا أيضا في السينما أتتبع حامل الغربال. ففي مصر أتتبع مقالات أمير العمري، و يجذبني ما يكتبه (وهذا نادر) إلى النقد أكثر مما يجذبني إلى الفيلم، فتغرم بأسلوبه والفيلم الذي يتكلم عنه. وأيضا من غيره من النقاد تعجبني صرامة النقد في ما يكتبه الناقد الفلسطيني بشار إبراهيم، وهو أيضا يجذبك إلى تتبع مقالاته. أما في المغرب، وباعتباري منه، يحق لي أن أتابع السينما المحلية وما ينتجه الإعلام عموما. لكن يحق لي في نفس الآن أن ابحث عن من يتحدث في هذا المجال، وعندنا في المغرب وجدت من يكتب في المجال بأعداد كثيرة. وجدت في الإعلام كتابات الدكتور يحيى اليحياوي وهي أكثر ما يعجبني. لكن للأسف أردت أن ابحث عن من يشفي غليلي في النقد السينمائي، لا لأتعقب أسلوبه أو لتجذبني كلماته، بل أولا لأبحث عن طريق ابحث فيه عن عوالم سينمائية يخبرها ابن بلدي، ثم لاعتز به كقلم لا تغريه صداقات المخرج الفلاني أو تاريخه الطويل. ولا أريد هنا أن اذكر ناقدا بعينه، فمنهم من يكتب في السينما وعن السينما لكن، وواحسرتاه.. لم أجد من يكتب للسينما ! كيف ذلك؟ إنهم يكتبون عن الفيلم الفلاني وصاحبه المخرج الفلاني وعن أساليبه الفلانية، ويردُّون الأمور إلى مصادرها وتسمية الأشياء بأسمائها. لكن القلة منهم من يكتب لماذا.. واخطأ الفيلم في كذا.. والفيلم استحق أو لا يستحق.. ورموز الفيلم كذا.. الخ. أمثلة مثل هذه وغيرها هي من تأسس للسينما وللثقافة السينمائية.. ولحب السينما. كان هذا الكلام قبل الكلام قبل أن اكتشف ناقدا سينمائيا، لم أتوقع منه الذي سمعته. وربما أسمعه حتى أثناء كتابة هذه السطور. إنه أسلوب ذكي أن توظف المسموع لخدمة المرئي. فقد اكتفينا بالمكتوب (وأغلبه مطول وفضفاض). وكثيرة هي الأمثلة عن من هجر السينما لأنه أرهق بتتابع الصدمات.. أما إلى الناقد المغربي بلال مرميد فإليه وجب الاعتراف. يرافقني ركن هذا الناقد الثابت في كل مكان.. وأترقب موعد سماعه في الإذاعة الدولية "ميدي 1"، في ركنه يتحدث زهاء 3 دقائق عن عالم السينما التي يتنقل فيه، حقيقة لا مجازا، بين كان وأمستردام والأوسكار وبرلين ومراكش.. ومهرجانات عالمية أخرى. يصول ويجول بنا من الفينة والأخرى بين آخر فيلم يعرض في صالات أمريكا وبين أفلام ربما رحل جل طاقمها، وبقيت روحها معنا. هكذا يجرنا بوعينا اللاشعوري بلال مرميد الذي يعمل (كما يقول هو عن مثله الأعلى من المخرجين) من يناير إلى يناير؛ 365 يوم ولمشاهدة أكثر من 300 فيلم في هذه المدة. وقد يعجب البعض؛ أن النقاد المغاربة عرفوا في الشرق وفي الوطن العربي بين نظرائهم سنوات خلت، فمنهم من قضى 20 الى 30 سنة في السينما ويجب الاعتراف بجميل فضلهم. نعم وجب وحق لهم، لكن يحق لنا أن نجد فيهم ملاذا لجيل لم يعد يرضى بالمداهنات والصداقات والقُربات السينمائية. ويحق لنا أيضا ألاّ نُستغفل في أوطاننا؛ بأن ما ينتجه مخرجونا هي سينما يحق السؤال بعدها: لماذا لا نرتاد القاعات لنشاهدها ؟. أضاف بلال مرميد في إذاعة "ميدي 1" الكثير للسينما المغربية، وأضاف بركنه "سينما بلال مرميد-CBM" للثقافة السينمائية في المغرب ما عجزت عنه ندوات ولقاءات ومهرجانات لجلب الشباب المغربي للفن السابع. ومن لم يعجبه هذا الاعتراف فليستمع جيدا إلى ما سيلقيه بلال في أذنيه، وكيف سيجذبه حسن الإلقاء والكم الرصين للمعلومات في دقائقه الثلاث. فهو يتعبك بتعقب ما يسرده من تحف الفن السابع، مرة على طريقة المونولوج مع نفسه، ومرة أخرى يحاور الآخر المستمع.. الآخر الناقد.. الآخر المتلهف.. الآخر العابر بأذنيه. والرجل (الناقد بلال مرميد) له ما له، وعليه ما عليه. فهو لا يخفي افتنانه المتفاني للمخرج "لارس فون ترير" ولا لقاءه بكبار المخرجين العالميين، ويصارح الكل بالجميل والقبيح عندنا في السينما، كما لا يخفي استياءه من كونه مغربيا لم يشرِّفه لحد الآن أي فيلم مغربي يفتخر به في صولاته وجولاته. وكما تقول كلماته : "لا يهمني رجع الصدى". فإني هنا أقول لك أيضا يا بلال.. أنا لا يهمني رجع الصدى أن تقرأ كلماتي أو كلمات غيري، فأنا أعرفك تستمع وتقرأ لمن يراسلك ولا تكثر الكلام. ولأنك مواصل دورك نحو تأريخ وترسيخ ثقافة الصورة الفنية في المغرب أقول لك شكرا لغربالك.. وCongratulation. غسان الكشوري – المغرب خاص بمجلة الفوانيس السينمائية