اعتبر النقاد الفيلم متميزا ضمن خانة أفلام الغرب الأمريكي، وقد عبر المشاهد بإقباله الكبير عن نجاح قصة الفيلم. ونقطة التقاء استحسان النقاد مع المشاهد كان في تناوله لقضية تعرف بثقلها على ذاكرة المجتمع الأمريكي. استقبال الفيلم من طرف المشاهد والنقاد. جاء فيلم Django Unchained في خانة أفلام رعاة البقر والغرب الأمريكي التي كانت رائجة ما بين الأربعينيات والستينيات من القرن الماضي، وقد عًّد النقاد الفيلم من نوعية أفلام الكوميديا أو أفلام "الاسباجيتي" الغربية المعروفة. وتميز الفيلم بحضور نخبة من النجوم معروفة على الساحة الدولية كبطل الفيلم جيمي فوكس، وليوناردو دي كابريو، وكيري واشنطن، وكريستوف والتز. كما أضاف لعب دور الشرير من طرف ديكابريو نوعا من التشويق الجديد على المشاهد، إضافة إلى الحدث الأبرز الذي شخصه المخرج في الفيلم عن طريق التمرد على المعهود في أفلام الغرب الأمريكي بتركيزه البطولة في شخصية عبد أسود. ومما يضفي بصمة خاصة بالمخرج هو ذلك النوع من الكوميديا المضحكة التي يجدها المتابع في مشاهد لا يتوقع أن يراها فيها عادة، فالفيلم يجمع بين توظيف رائع للرومانسية والأكشن والكوميديا، وهو أسلوب يتميز به المخرج كوانتن تارانتينو. وهذا المخرج الكبير غالباً ما يستعمل طريقة غير مباشرة وغير مرتبة في عرض القصة في أفلامه. حيث ينتقل بنا في فيلمه Django Unchained من أحداث جارية إلى أحداث مضت في تناسق وانسجام يشد المشاهد ويبقيه مركزا على القصة. إن كوانتن بكتابته وإخراجه للفيلم قد صنع بذلك أهم أعمال السنة على الإطلاق، ولا أدل على ذلك الجوائز التي رشح إليها والتي حازها. الفيلم يجسد ذكريات مروعة عن تاريخ أمريكا مع السود. فالمجتمع الأمريكي كما هو معلوم لم يتقبل فكرة المساواة إلا تحت ضغط شديد، وفي هذا السياق جاء فيلم Django Unchained ليصور بعضا من البشاعة التي مارسها الأمريكي الأبيض في حق ذوي الأصول الأفريقية. ففي بداية الفيلم وعند متابعتنا للمشهد الذي يصور اندهاش البيض وامتعاضهم من رؤية عبد أسود يركب حصانا، أو مشهد دخوله إلى حانة، يعبر عن طريقة عيش وعن حقبة تاريخية اعتبر فيها الأسود أقل درجة من الأبيض ولا يحق له التصرف مثلهم، حتى ولو كان حرا. إن الفيلم يعتبر من الأفلام القليلة التي تسلط الضوء على واقع تاريخي مر به المجتمع الأمريكي حيث مثل فيه الأمريكي الأبيض دور الشرير باحتقاره للإنسان الأسود، وعودة إلى مشهد رجل أبيض يستعد بسوطه لسلخ جلد عبدة سوداء فقط لأنها كسرت البيض، يبرز فيه أن الأسود مخلوق غير ذكي والتعامل معه يكون بترويضه. فالتأمل في رمزية هذا المشهد إضافة إلى مشهد معاقبة البطل الأسود بقطع خصيتيه وغيرها من المشاهد يشكل صورة مخيفة للمجتمع الأمريكي الأبيض في تلك الفترة. ومن الجدير بالذكر أن الفيلم يصور حالة اجتماعية كانت رائجة بقوة، وهي القتل من أجل المال، فبينما يقتل الأسود من أجل تحرير حبيبته، نجد الأبيض في كل المشاهد يقتل من أجل المال، ويسخر في ذلك كل الوسائل البشعة. ليزيد هذا التصوير في ترسيخ فكرة الغاية تبرر الوسيلة، وإن كانت تخالف مبادئه مثلما يظهر في المشهد الذي يصور حوارا بين البطل الأسود دجانغو ) جيمي فوكس) وصائد الجوائز الدكتور كينغ شولتز )كريستوف والتز) حين يقنعه بأنه لا يأمن بالعبودية لكنه في نفس الوقت يستغل وضعيته كعبد ليقايضه بحريته مقابل مساعدته في مهمته. وفي تتالي المشاهد نلاحظ أن الفيلم بدأ بمحاولة البطل البحث عن حبيبته ليتحول عبر تسلسل الأحداث إلى انتقام وحشي يصور الحقد الدفين والمنطقي الذي يكنه الأمريكي الأسود للأمريكي الأبيض، وذلك بطريقة متسلسلة تجعل المشاهد يقتنع بحق الأسود في ممارسة انتقامه وإن بمكيالين. وعند تأمل الفيلم كوحدة، ما يمكن أن يستنتج هو أن المجتمع الأمريكي يعاني رضي أم أبى من عقد تاريخية أصبحت جزءا من ذاكرته التي لن يمحوها الزمن. فمن جهة يمتلك الأمريكي الأسود ذاكرة مخزنة بفترة طويلة من المعاناة التي ولدت لديه نوعا من الرغبة في الانتقام وجعلت اندماجه في الحياة العامة اندماجا مصلحيا مبنيا على أولوية إثبات الذات. ومن جهة أخرى يجد الأمريكي الأبيض نفسه محاصرا بذكريات مروعة عن تاريخ نشأته بين إبادة السكان الأصليين واستعباد الإنسان الأسود. فرغم محاولاته تسويق صورة جميلة عن حضارة أمريكية، إلا أن التاريخ يسوق صورة أخرى. محمد أكروح