أخيرا جاءت الطوافة من ناحية الجنوب ، تئن محلقة على علو منخفض ، تتأرجح بفعل الرياح الساحلية ، وعندما اقتربت من نقطة الهبوط أثارت عاصفة من الغبار الرطب ، وأسرع العالمان الشابان بالصعود اليها ، فيما ترددت نورا وطفلاها بالصعود ، وبقيت ذاهلة لثواني...تحملق باتجاه مياه البحيرة ، وكأنها تشاهد شبح زوجها المفقود ...وتتوقع معجزة في اللحظات الخيرة ! وصاح رامز : لن اغادر بدون أبي ! وبكت ليلى بحرقة " يتيم فقد للتو أبا نادرا " ، وبدت وكأنها مقبلة على انفجار عصبي ! وبعد ان ارتفعت الهليوكبتر واندفعت مسرعة وكأنها تهرب ، شاهد قائد الطائرة عن بعد طائرة عسكرية خاصة ، وبدا وكأنها تستعد لاسقاط شيء فوق البحيرة ، وبالفعل فقد ألقت جسما معدنيا ، تسارع أولا ثم تباطأ بفعل المظلة التي انفتحت ، وبدا الجسم يتأرجح في هبوطه ...فاستدرك العالمان الأمر ، فطلبا من الكابتن تسريع المروحية ، فاندفعت كذبابة مذعورة... ثم شاهدوا عن بعد انفجارا مريعا خلفهم ، صدرت عنه سحابة هائلة تشبه الفطر ! لقد كان انفجارا عظيما صم آذانهم ، وبدت المروحية الصغيرة وكانها تتارجح وتفقد توازنها بفعل ترددات وتداخل الضغط الجوي ، وكاد الوميض الهائل الناتج عن الانفجار أن يعمي عيونهم ! ولمع في ذهن الدكتور علي احساسا حسيا وفلسفيا بنهاية العالم ، فصاح قائلا...موجها حديثه للجميع : انظروا... انها نهاية العالم ، فقد ظهر كل شيء : كل انواع الدمار والقتل والتنكيل والتشويه ... انظروا : لقد ظهرت كل الأشياء العظيمة والسخيفة ، ولم يبقى الا التكرار ! فكيف سنحيا ألف سنة اخرى ؟ كيف ...أجيبوني ! فصاحت المرأة بهستيريا : كفى فلسفة وسخافة وتبجح ! لقد فقدت زوجي وتيتم أطفالي ...لقد فقدت أحلامي ...اذهبوا جميعا الى الجحيم يا علماء العالم الثالث الأدعياء ، فقد نجونا لكي نتعذب ..ليس الا ! فيا لبؤس حياتنا القادمة ... وكيف سنهرب من هؤلاء الأوغاد الشياطين ؟! مهند النابلسي