الأزمة التي أثارتها تدوينة برلماني البيجيدي علي العسري .تتجاوز الهواجس الأمنية التي خلفتها إلى أبعاد سياسية أعمق ترتبط بالسياق الذي يعيشه حزب العدالة والتنمية وقياداته ونخبه منذ فترة. هناك انشغال بالاحتراب الداخلي غير المعلن بين الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران وأتباعه وبين جيل المستوزرين الذين أضحوا يمثلون اليوم تيارا ينزع نحو الذهاب إلى أقصى حد في المشاركة السياسية. وفوق هذا الصراع تطفو حقيقة أزمة الشعبية التي بدأ الحزب يستشعرها منذ أن أغرق في تبني إصلاحات وإجراءات تتعارض مع برنامجه وتوجهاته المعلنة ومنها قضية القانون الإطار للتربية والتعليم. فالبرلماني علي العسري الذي كان من بين المصوتين بالموافقة على القانون الإطار الذي عرقله الحزب طويلا بدعوى مواجهة الفرنسة سرعان ما عاد للتذرع ب"موجة التغريب والتعري" لانتقاد لباس المتطوعات البلجيكيات. ويبدو هذا الموقف المتشنج المتناقض مع سابقه أقرب إلى رد فعل نفسي حاول من خلاله البرلماني استدراك هزيمة القانون الإطار الذي اعتبر صفعة قوية تلقاها حزب العدالة والتنمية في مجال الهوية باعتبارها لطالما عارض مشروع تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية. ومن المعروف أن أعضاء وقياداته وعلى رأسهم رئيس الحكومة السابق واعون بأن الرصيد السياسي للحزب مرهون تاريخيا بالمزايدة في قضايا الهوية والقيم المجتمعية. بل إن تدوينة علي العسري ورغم اعتذاره عن مضمونها لاحقا تؤكد أن الاعتقاد في احتكار الحزب للمرجعية الدينية والأخلاقية لا يزال قناعة راسخة لدى الكثير من أعضائه ومنتخبيه. وتتعزز هذه القناعة أكثر عندما تثبت تحديات العمل الحكومي فشل الحزب في ميدان المنجزات الاقتصادية والاجتماعية. لقد انتقد الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير النخبة السياسية وعلى رأسها نخبة العدالة والتنمية عندما أمر رئيس الحكومة في التسريع بإجراء التعديل الحكومي. كما أن تركيز الخطاب الملكي على مسألة أزمة الكفاءات يستبطن إشارة واضحة إلى أن النخبة الحكومية الحالية التي يقودها وزراء هذا الحزب أخطأت موعدها مع التاريخ ولم تكن في مستوى تحديات المرحلة. هذه التحديات ليست موحدة بالنسبة للنخبة السياسية عموما، فالظاهر أنها في معايير منتخبي العدالة والتنمية تحصرها في التحديات الداخلية والإيديولوجية المتجاوزة. لطالما راهن الحزب على المعارك الأخلاقية لاستقطاب الالتفاف الشعبي. هذا ما تنطوي عليه تدوينة علي العسري الذي يريد استعادة ملعب مفقود خسره الإسلاميون منذ أن ارتطموا بالسلطة ومصاعبها ورهاناتها. ومن الواضح أن الخطاب الأخلاقي لحزب العدالة والتنمية لم يعد يلقى أي صدى. فالمواقف التي عبر عنها الرأي العام وتعليقات نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي تظهر اندحارا كبيرا للحزب وانعدام التجاوب معه ونهاية ورقة التعبئة الاجتماعية التي كان يمتلكها في السابق ويوظفها لتحقيق مكاسب سياسية في مواجهة الدولة. ولا يمكن تفسير هذه الهزيمة الجديدة إلا بالضربات المتتالية التي تلقتها مصداقية الحزب الإسلامي منذ 2011.