في تحول لافت يعكس حجم الضغوط الداخلية والخارجية التي تواجهها جبهة البوليساريو، بدأت قياداتها تلوّح ولأول مرة بإمكانية قبول خيار الحكم الذاتي كأحد السبل المطروحة لتسوية النزاع حول الصحراء المغربية، بعد سنوات من الخطاب المتصلّب والدعوة الانفصالية التي باتت تصطدم بجدار الواقع الإقليمي والدولي. هذا التغير في خطاب البوليساريو لا يأتي من فراغ، بل يُعد مؤشراً قوياً على الانهيار التدريجي في مشروع الانفصال، خاصة بعد سلسلة من الهزائم الدبلوماسية التي مُنيت بها الجبهة، أبرزها سحب الاعتراف من قبل عدد كبير من الدول بمزاعم "الجمهورية الوهمية"، وتنامي الدعم الدولي للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، باعتبارها الحل الأكثر جدية وواقعية ومصداقية، كما ورد في قرارات مجلس الأمن المتتالية. هذا التحول لا يمكن عزله عن المتغيرات التي تعرفها الجزائر، الداعم الرئيسي للجبهة، والتي تجد نفسها اليوم في موقف محرج أمام المجتمع الدولي، بعدما تحوّل ملف الصحراء إلى عبء دبلوماسي واقتصادي. الجزائر، التي تعاني من تراجع اقتصادي وضغط سياسي داخلي، لم تعد قادرة على تحمل كلفة تمويل كيان فقد بوصلته، ولا على تبرير دعمه في ظل علاقاته المترنحة مع دول إفريقية وأوروبية. بحسب مصادر قريبة من دوائر القرار داخل الجبهة، فإن هناك توجهاً متزايداً لفتح نقاش داخلي حول "خيارات بديلة" لما يسمى "الاستفتاء"، الذي أصبح في حكم الميت دبلوماسيًا. ويبدو أن خيار الحكم الذاتي، الذي رفضته البوليساريو طويلاً، لم يعد مرفوضًا بالحدة نفسها، بل بات يُطرح على طاولة النقاش كحل سياسي عملي يُنقذ ماء الوجه ويوفر مخرجًا من الجمود الطويل. فهل تملك الجبهة الإرادة السياسية والقدرة التنظيمية على الانخراط الجاد في مسار تفاوضي حقيقي؟ وهل يسمح لها داعموها، وعلى رأسهم النظام الجزائري، بقبول حل ينهي النزاع بشكل نهائي لصالح الوحدة الترابية للمغرب؟ ما يبدو أكيداً أن منطق الانفصال يذبل شيئًا فشيئًا، وأن المبادرة المغربية، التي تقوم على منح حكم ذاتي موسع للأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية، أصبحت اليوم الخيار الوحيد المطروح بجدية على الطاولة الدولية. المشهد يتغيّر... والبوصلة تتجه نحو الرباط.